سيدتي، بعد التحية والسلام إسمحيلي أن أرمي بين يديك مشكلة أثقلت كاهلي، كيف لا وهي تتعلق بفلذة كبدي الذي لست أظن نفسي سأجني الجميل منه بعد أن أفنيت سنوات عمري في تدليله والإغداق عليه بما يريده ويتمناه، فقد كنت سيدتي بعد وفاة زوجي الأم والأب معا لطفل لم اشأ أن أجعله ينشأ على الحرمان، أقتني له ما يريده وأتكفل بكلّ ما يحلم به، لدرجة أنني كنت أنفق كل ما أحوزه من مال عليه من دون تفكير في المستقبل . الجميع كان يصفني بالمجنونة والكل كان ينعتني بالمتهورة، ولطالما نصحني أهلي وأهل زوجي من أن أكفّ عن طيشي، لأن التربية الصالحة والإحتواء: ممارسة وفنّ دافئ تمنحه الأم بالفطرة وليس بالمال والدلال المادي.
ليتني أصغيت لمن يلومونني اليوم، فإبني المراهق سيدتي لم ينشأ على الإكتفاء ،كما أن شهيته للماديات كبرت وتوسعت لدرجة أنه بات يحمّلني أحيانا ما لا أطيق. كما أن صبره بات قليلا إن لم نقل أنه منعدم، وهو اليوم يعاقبني كردّ منه على كل ما منحته له بفشله الذريع في الدراسة عمدا، كما أنه خرج عن طوعي ولم يعد يأبه لا لأوامري ولا حتى لنصائحي وكأني به عدوّ.
سأخسر إبني سيدتي بعد أن أخبرتني إدارة المدرسة حيث يدرس أنه لا يكترث لدراسته ومن أنه لا يهتم لمستقبله، ومن الممكن أن يكون في خانة المعيدين للمرة الثانية بعد رسوبه السنة الماضية، وهذا ما دفعني للإستنجاد بك علني أجد لديك ما يمكنه أن ينجيني من حيرة ما بعدها حيرة. فما العمل؟
أم سيف الدين من الغرب الجزائري.
الرد:
من الصعب على أي أم تربي أبناءها لوحدها أن تجد نفسها في هالة من الحيرة بسبب فلذات كبدها، فالحياة أبدا ليست باليسيرة أو السهلة على من تلعب دور الأم والأب معا بسبب طلاقها أو ترمّلها، كما أنّ غياب الأب عن حياة الإبن الذكر من شأنه أن يرمي به في غياهب حيرة ما بعدها حيرة.
أخطأت سيدتي حين لعبت بمصير إبنك ومنحته من الدلال ما دفعه اليوم ليذلك ويتنصّل من كل جميل قمت به من أجله ، ولعلّ ما يجعلك اليوم تدفعين ثمن كل هذا وذاك أنك لم تسمحي لأهلك أو أهل زوجك التدخل في رسم معالم تربية هذا الطفل الذي أصبح اليوم مراهقا ، وعلى ما يبدو هو ينتهج معك سياسة ليّ الذراع حتى تخنعي لطلباته وأوامره.
لذا ومن هذا المنطلق سيدتي عليك أن تكوني حازمة، خاصة وأن مستقبل إبنك بات في الحضيض وقد يجد نفسه بين ليلة وضحاها مطرودا من المؤسسة التربوية فيزيد الطين بلة تواجده في البيت أو معاقرته لأصدقاء سوء قد يدفعون به إلى المهالك. وعليه فالمفروض عليك أن توكلي مهمة التدخل لأحد من أعمامه أو أخواله ليحدّوا من طيشه وغطرسته، لأنه الأمر إن زادت على ما هي عليه فإستقرار حياتك الذي لطالما ناشدته على كف عفريت.
من الضروري أن يكون لإبنك من يمارس عليه دور الحسيب والرقيب، ولتكن نهاية الدلال المفرط بعد أن وجدت مستقبله الدراسي يضمحلّ، ولتخبريه أن عودة الغنج وهيلمان البريستيج الذي كان يحياه مرهون منذ اليوم بنجاحه في الدراسة. سيكون الأمر صعبا في البدء، لكن صدقيني هو ما يجب أن يكون حتى تستب رجاحة العقل في شاب تعوّلين أن يكون في الغد رجلا تتكلين عليه.
قليل من الصبر وكثير من الإصرار سيحوّل رعونة إبنك إلى وداعة، فكيف عليه أن يتقاوى عليك وأنت من وهبته الحياة، وأنت من ضحيت بشبابك من أجل أن يحيا هو سعيدا مرتاح البال.كان الله في عونك أختاه وأتمنى من كلّ قلبي أن تكون السكينة من نصيبك بعد كل هذا القلق والحيرة.
ردت: س.بوزيدي.
أخبار متعلقة :