الأحد 09/فبراير/2025 - 02:02 ص 2/9/2025 2:02:42 AM
قليل من القادة والرؤساء من يدركون أن رأس الحكمة عقل اللسان، ويقول سيجموند فرويد مؤسس علم التحليل النفسيأن الحقيقة تظهر مع زلات اللسان وهي هفوات كلامية غير بريئة ولا تحدث بشكل عرضي كما يعتقد البعض، بل تعكس رغبات وأمنيات مدفونة في العقل الباطني، والتاريخ مكتظ بالعشرات من زلات اللسان لبعض القادة والحكام والتي أحرجت مركز الرئاسة وأثرت على الشعوب تأثيرا سلبيا عند اكتشاف الحقيقة من خلال زلات قادتهم التاريخية، والرئيس ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابع والثلاثون وبينما كان يقدم نصيحة علنية إلى زميل سياسي قال أنت لا تعرف كيف تكذب، إذا كنت لا تستطيع الكذب، فلن تذهب إلى أي مكان أبدًا، وهذه العبارات أحدثت دويا شعبيا في ذلك الوقت داخل أمريكا وأظهرت للشعب وللعالم أن نيكسون يدير الدولة العظمى الأولى في العالم من خلال سياسة الكذب، وربما تكون تلك المنهجية هي التي أدت في النهاية إلى استقالة نيكسون من منصب الرئيس في أغسطس عام 1974 على أثر فضيحة ووترجيت والتي تعد أكبر فضيحة سياسية في تاريخ أمريكا حين قرر نيكسون أثناء معركة التجديد للرئاسة عام 1972 التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترجيت فتفجرت أزمة سياسية هائلة وتوجهت أصابع الاتهامإليه وتمت محاكمته فاضطر للاستقالة بسبب تلك الفضيحة، وعندما وقعت حادثة 11 سبتمبرعام 2001 في نيويورك وواشنطن سارع الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إلى إصدار حكم سريع وقاطع بإدانة الإسلام. وأطلق يومها عبارته التي قال فيها إنّ الإسلام دين إرهابيّ ثم أكد للصحفيين أنه سيبدأ الحملة الصليبية على الإرهاب والتي ستستغرق فترة من الوقت وهي زلة لسان كشفت عن السياسة التي تدار من كواليس العقيدة، ووقتها جاء الردّ من الفاتيكانعلى لسان البابا يوحنا بولس الثاني الذي أدلى بتصريحأكد فيه أنه لا يوجد دين إرهابي، ولكن يوجد إرهابيون في كل دين، ثم كانت زلة بوش الابن الأسوأ على الإطلاق حديثا أثناء إلقائه خطابًا لدعمالانتخابات الشرعية في جميع أنحاء العالموذلك بمركز بوش في جامعة ساوثرن ميثوديست في دالاس بولاية تكساس حين تطرق إلى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، محاولا إدانتها، فقال بدلًا من ذلك: "الغزو الوحشي وغير المبرر كليًا للعراق"، وذلك الخطأ كشف عن عقدة داخلية لديه في أنه قد يكون مجرم حرب، ويبدو أن الوقت عادة أو السن قد لا يكونان في صالح الكثير من هؤلاء القادةوقد رأينا الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن والذي عُرف بزلات لسانه المتواترة، والتي لطالما أجبرت البيت الأبيض على التدخل، وكان بايدن يعاني من بعض الضعف الذهني جراء تقدمه في السن، لدرجة أن طاقم موظفيه قام بطبع بطاقات ملاحظات رسمية تتضمن توجيهات مفصلة لمساعدته على القيام بمهامه اليومية، وفي إحدى المناقشات التقط مصورو البيت الأبيض تفاصيل إحدى البطاقات في يد بايدن وجاء بالتوجيهات التي حملتها البطاقة: "تدخل غرفة روزفلت وتلقي التحية على المشاركين وتجلس في مقعدك"، وبالإضافة إلى تلك البطاقات التي يتم إعدادها حسب كل حدث، كان بايدن يحمل أيضًا ورقة عامة لمساعدته في تجاوز يومه دون "إهانة" نفسه، وتضمنت العديد من التوجيهات المكتوبة بشكل تفصيلي، بينها: اسمك جو بايدن، هذا العام ليس 1947، بل 2022، وعمرك 79 عاما، وأنت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وباراك أوباما لا يزال على قيد الحياة، وأنت هنا لأنك فزت بالانتخابات،كما جاء أيضًا بها أندكتور جيل هي زوجتك وليست ممرضتك وليست مدربة طبية، رون كلين هو كبير موظفيك وليس والدك، ونائبة الرئيس سيدة، اسمها كامالا هاريس،وفلاديمير بوتين رئيس روسيا " ألق باللوم عليه في خطابك". كل ما سبق وهو مثال على ما يمكن أن تحدثه زلات القادة والرؤساء من إسقاط لهيبة الدولة ومصداقيتها يدفعنا لدراسة الحالة عن الإسقاطات اللسانية في الفترة الحالية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي الأيام الماضية سقط ترامب في بركة التصريحات المنفلتة حين أعلن منفردا ودون الرجوع لفريق الإدارة في واشنطن عن نيته تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، ثم عاد رغم الرفض المصري والأردني الحاسم لتصريحاته وكرر هذا مرة أخرى بعناد الأطفال فاقدي الأهلية، ثم أعقب ذلك بسقوط آخر لانفلات اللسان الذي لا يحكمه عقل أثناء المؤتمر الصحفي مع بنيامين نتنياهو في واشنطن حين قرر أن تحتل أمريكا قطاع غزة وأنها ستقوم بتسويته بالأرض لإقامة مشروع ريفيرا الشرق الأوسط تحت الإدارة الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية، وبالطبع فإن هذه التصريحات بدت وكأنها تصدر عن شخص مخمور أو فاقد للأهلية وقد اعترض عليها العالم واعتبرها عودة للاستعمار من جديد ورفضتها مصر والأردن والدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وروسيا والصين ودول الإتحاد الأوروبي وسكرتير عام الأمم المتحدة، وأدارت مصر معركة دبلوماسية قوية جعلت ترامب يتراجع عن تصريحاته في مشهد لا يليق برئيس الدولة العظمى في العالم وذلك قبل زيارة الرئيس السيسي المرتقبة إلى واشنطن. وفي الوقت الذي تبذل فيه أمريكا وإسرائيل كل الجهود لإقناع المملكة العربية السعودية بعقد اتفاقية سلام وتطبيع للعلاقات مع إسرائيل، خرج رئيس الوزراء المنفلت بنيامين نتنياهو مؤخرا بتصريح في مقابلة مع "القناة 14" الإسرائيلية نصه إن لدى السعودية ما يكفي من الأراضي لتوفير دولة للفلسطينيين، ولدى سؤاله حول إقامة دولة فلسطينية كشرط للتطبيع مع السعودية، قال نتنياهو: "لن أبرم اتفاقا من شأنه أن يعرض دولة إسرائيل للخطر." والمدقق والمحلل في تصريحات ترامب ونتنياهو يكتشف زلل حقيقي لا يتفق مع أقل قواعد الحديث السياسي والدبلوماسي، فقد هدم ترامب في أقل من أسبوعين من توليه منصب الرئيس تلك الهيبة الرئاسية التي يحاول أن يصنعها لنفسه ليُصَدِر صورة عن قراراته بأنها لا رجعة فيها وأنه لا توجد قوة أو قانون أو نظام أو دولة في العالم يمكن أن يمنع إرادته من إجراء يفكر فيه، وهذا أضر كثيرا بالسياسة الأمريكية الجديدة حيث أصبح واضحا الآن وفي فترة قصيرة أن الزخم الدبلوماسي والغضب الشعبي والنظام العالمي يمكن أن يجبر أمريكا وعلى رأسها ترامب من الرجوع عنمواقفها والوقوف عند النقطة صفر في انتظار ما تقرره دول أخرى مهمة في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر، أما نتنياهو الغبي فقد أوقف كل الجهود المتعلقة بتطور العلاقات مع المملكة العربية السعودية بعد أن استخدم منطق الوقاحة الفكرية في الإعلان عن فكرة طرد شعب من أرضه إلى دولة أخرى وهي السعودية بحجة أنها تمتلك أراضي شاسعة تستوعب إنشاء دولة للفلسطينيين، ومما يدل على حماقة نتنياهو وغبائه السياسي أنه لم يؤيد علنا تصريحات ترامب بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن في محاولة لإطهار أنه بريء من هذا التخطيط الخبيث الذي أعلنه ترامب، لكنه بغبائه سقط بإقحام السعودية في مشهد التهجير في الوقت الذي يحاول مع ترامب إقناعها بالتطبيع وإقامة علاقات السلام، كما أنه تلقى لطمة قوية من مصر عقب بيان الخارجية المصرية التي رفضت بشكل كامل هذه التصريحات المتهورة، والتي تمس بأمن المملكة وسيادتها، وتعتبر ها خط أحمر لن تسمح مصر بالمساس به. هذه الحماقاتالسياسيةوغير المنطقية تجعل الشعوب في أمريكا وإسرائيل على حافة اللسان المنفلت لترامب في أمريكا ونتنياهو في إسرائيل، وتلك الزلات بطبيعتها تخلق غضبا شعبيا متزايدا في الدول العربية ضد أمريكا وضد أي استمرار للسلام حاليا أو مستقبلا مع إسرائيل، ومن جانب آخر غضبا معارضا في الداخل، ولا يخفى أن أمريكا وإسرائيللا تخلو منهما المظاهرات المعارضة لسياسات ترامب ونتنياهو الظالمة ضد الشعب الفلسطيني. أعتقد أن ترامب بدأ قبلة حياة مبكرة للحزب الديمقراطي الذي أدخله بايدن موتا إكلينيكيا مؤقتا وأن نتنياهو على وشك تفكيك ائتلافه الحاكم وعزله من رئاسة الوزراء.
أخبار متعلقة :