خليج نيوز

مي حمدي تكتب: الدراما والعنف... وأولادنا! - خليج نيوز

في حوار مع إحدى السيدات الفضليات من كوادر وزارة التربية والتعليم شكت لي مر الشكوى من العنف الذي يتجرعه الأطفال والمراهقين من خلال الأعمال الدرامية، مما أثر سلبيا على سلوكهم، بل وأدى إلى قيامهم بتقليد حركات عنيفة بعينها قام بها بعض الممثلون، مما قد يؤدي إلى إصابة زملائهم إصابات خطيرة وبالغة. ولا شك أن التعرض الدائم لمشاهد عنيفة ودموية، سواء من خلال الأعمال الفنية والدرامية أو الإنترنت أو  الألعاب الإلكترونية أو حتى المواد الإخبارية أو غير ذلك، يؤدي إلى اعتياد الأمر واستسهاله وتهيئة المخ له، واعتباره أسلوب حل النزاع، بل والشعور بلامبالاة تجاهه، ويزيد من خطورة الأمر ميل الأطفال والمراهقين بشكل عام إلى التقليد. فمشاهدة العنف وإن كانت تؤثر علينا جميعا، فهي تؤثر عليهم بشكل أكبر، لذا ينصح دائما الأطباء والخبراء النفسيون بابتعاد الأطفال عن مشاهدة العنف.

وحيث أن الأعمال الدرامية تنفذ بسهولة إلى بيوتنا وعقولنا وقلوبنا، وتعد أكثرتأثيرا من أي قوالب جامدة أو توجيهات مباشرة، وقد رأينا جميعا تأثيرها على المجتمع سواء في تعديل قوانين أو تشكيل نظرة مجتمعية، فلابد أن يتسم كل صناعها سواء منتجين أو مخرجين أو مؤلفين أو ممثلين بالوعي بآثار ما يقدمونه. أما عن التنويه المكتوب في بداية بعض المسلسلات عن كونها غير مناسبة للأطفال وأنها قد تحتوي على مشاهد عنيفة أو غير لائقة، فلا أجده يسمن أو يغني من جوع. وعلى الأسر منع الأطفال من مشاهدة الأعمال العنيفة،  والتي أجد نفسي ساذجة إذ أتمنى أن تمتنع القنوات عن عرضها بعيدا عن حسابات المكسب والخسارة وللأسف "الترند".

ومع تصاعد وتيرة العنف في المدارس مؤخرا بشكل لا يمكن التغاضي عنه، أصبح لزاما على كل منا في موقعه العمل على مواجهة هذه النزعة.  فلابد من كل مربي – سواء من الآباء أو الأمهات أو المدرسين أو الأخصائيين الاجتماعيين -  أن يتنبه بشكل مبكر إلى بوادر حدوث نزاع، والعمل على معالجته مبكرا قبل أن يصل الأمر إلى حد العنف، بل وتثقيف الأطفال والمراهقين وتوعيتهم بالعنف وآثاره ، وتعليمهم أساليب حل النزاع بشكل سلمي وتعزيز الحلول السلمية للنزاعات مسبقا، عن طريق الاعتراف بوجودها وتجنب التقليل من شأنها، وتذكير الأطفال والمراهقين بأن وجود النزاع أمر طبيعي، ولكن حلها بالعنف ليس مقبولا. يجب أيضا تشـــجيع الأطفـــال علـــى التعبير عن مشـــاعرهم، وتذكيرهم بأن الشعور بالغضب أحيانا والرغبة في التعبير عنه أمر طبيعي، ولكن لابد من الالتزام بضوابط محددة وعدم اللجوء للعنف. ويتحتم على المربي التدخل الفوري عند وقوع حدث عنيف جسديا أو لفظيا، وأيضا أن يكون نموذجا يحتذى به في استخدام الأسلوب السلمي لحل أي نزاع قد ينشأ، وأن يمتنع نهائيًا عن ممارسة أي فعل عنيف تجاه الأولاد.  

كما يمكن بمشاركة الأطفال إعداد خطوات حل النزاع وتعليقها في مكان واضح وتذكيرهم بالعودة إليها، وإدماجها في مدونة السلوك، حتى ان كان تحقيقها صعبًا في بعض الاوقات! وهذه الخطوات هي كما يلي؛ أولا:  التزام الهدوء، ثانيا: مناقشة الأمر مع أطراف النزاع واستكشاف الحلول الممكنة، ثالثا: الموافقة على حل يقبله الجميع، وأخيرا: وضع الحل موضع التطبيق.

لا شك أن هذه القواعد النظرية قد تكون مفيدة أحيانا، ولكنها لن تكون مجدية إذا استمر أولادنا في التعرض لمشاهد العنف بهذا الإصرار، والتي تتفنن للأسف الأعمال السينمائية والدرامية في عرض تفاصيلها بشكل بشع، وكأنها أسلوب توضيحي تعليمي! لذلك أوجه نداء إلى كل مسؤول، وكل مبدع وفنان بالتنبه إلى مسؤوليتهم أمام الله والمجتمع عن عقول أطفالنا وشبابنا، والعمل على إرساء ثقافة السلام، وتقديس حرمة النفس الإنسانية، ونبذ العنف وعدم الترويج له ولو بدون قصد، وحتى إن استلزم السياق الدرامي!     .
 

أخبار متعلقة :