مع تصاعد وتيرة التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله، تتجه إسرائيل إلى استهداف الأهداف الاقتصادية والمالية لحزب الله، في محاولة لتقويض مصادر تمويله. ومن أبرز هذه الأهداف جمعية “القرض الحسن“، التي تُعدّ العمود الفقري للنظام المالي لحزب الله، وهي تعمل خارج النظام المصرفي اللبناني الرسمي وتواجه عقوبات دولية. وهذه الضربات تأتي في ظل أزمة اقتصادية حادة تعصف بلبنان منذ عام 2019.
استهداف اقتصادي لحزب الله
وفي إطار توسع حملتها العسكرية في لبنان، شنت إسرائيل غارات جوية على عدة فروع لجمعية القرض الحسن، التي تعتبر المصدر المالي الرئيسي لحزب الله. واستهدفت الغارات فروع الجمعية في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعلبك، الهرمل، ورياَق شرقي لبنان. وتُصنف الجمعية ككيان إرهابي من قبل السعودية وتفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات مشددة، إذ تُعتبر بديلاً عن النظام المصرفي اللبناني وتعمل خارج سلطة البنك المركزي.
وبحسب تقرير “فويس أوف أميركا”، يواجه حزب الله أزمة مالية خانقة نتيجة الهجوم الإسرائيلي المستمر، والذي عطل ثلاثة من مصادره الرئيسية للتمويل، وهي: جمعية القرض الحسن، البنوك التجارية المفلسة، والطائرات التي تحمل الأموال إلى مطار بيروت. وتعزز هذه الضربات من الضغوط على حزب الله ولبنان، اللذين يعانيان بالفعل من أزمة اقتصادية وصفها البنك الدولي بأنها من أسوأ الانكماشات الاقتصادية في الـ150 عامًا الأخيرة.
وأوضح آدم سميث، المحامي الدولي والمستشار السابق في مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، في مقابلة مع قناة “الحرة”، أن جمعية “القرض الحسن” تلعب دوراً محورياً في البنية التحتية المالية لحزب الله. وأشار إلى أن الجمعية تتصل بالمنظومة المالية الدولية، وتمثل دولة داخل دولة، مما جعلها هدفاً للعقوبات الدولية منذ عشرين عاماً، والآن هدفاً عسكرياً لإسرائيل.
ورغم أن سميث أشار إلى أن حزب الله قد يلجأ إلى النظام النقدي أو شحنات الأموال النقدية لتجنب الأضرار الناجمة عن استهداف “القرض الحسن”، إلا أنه أكد أن الجماعة اللبنانية تحتاج إلى نظام مالي مثل “القرض الحسن” لإدارة عملياتها المالية. ومع تضييق الخناق على وسائل التمويل التقليدية، خاصة من إيران، يُتوقع أن تواجه الجماعة تحديات متزايدة في الحصول على تمويل كما كان في السابق.
أكدت إسرائيل في بيانها مساء الاثنين أنها ستواصل استهداف جمعية “القرض الحسن”، مشيرة إلى أن الجمعية تستخدم ودائع العملاء لتمويل هجمات ضد إسرائيل. وقد تعرضت ما لا يقل عن 15 فرعًا من فروع الجمعية للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت، جنوب لبنان، ووادي البقاع، وهي مناطق تشهد حضوراً قوياً لحزب الله.
ورغم الضربات المكثفة، حاولت الجمعية طمأنة عملائها، مؤكدة أنها أخلت كافة الفروع المستهدفة ونقلت الذهب والودائع إلى مواقع آمنة لتجنب أي خسائر مالية للعملاء. الجمعية التي تمتلك أكثر من 30 فرعًا في أنحاء لبنان، تلعب دورًا محوريًا في دعم حزب الله مالياً، ويُتوقع أن يستمر هذا الاستهداف كجزء من الاستراتيجية الإسرائيلية لشل قدرة الحزب على تمويل عملياته.
وتسعى إسرائيل عبر ضرباتها المتواصلة لجمعية “القرض الحسن” إلى تقويض البنية الاقتصادية لحزب الله في لبنان. ومع استمرار هذه الضربات، تتزايد الضغوط على الجماعة اللبنانية، التي تواجه تحديات مالية متصاعدة وسط أزمة اقتصادية خانقة تضرب لبنان منذ سنوات.
من جانبه، قال الدكتور عبدالله نعمة، المحلل السياسي اللبناني، إن إسرائيل تسعى من خلال تصعيدها العسكري الحالي ضد حزب الله إلى تحويل جنوب لبنان إلى “غزة ثانية”. ويأتي ذلك عبر تدمير البنية التحتية وضرب الاقتصاد اللبناني، ضمن استراتيجية تهدف إلى نشر الفزع بين المواطنين اللبنانيين. وتُعتبر جمعية “القرض الحسن”، التي تلعب دوراً مهماً في القطاع المالي اللبناني، أحد أبرز الأهداف لهذه الهجمات.
وأضاف نعمة في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمراكز “القرض الحسن” هو جزء من حربه الشاملة ضد حزب الله. وأوضح أن هذا الاستهداف ليس بجديد، فقد تم الحديث سابقاً عن وجود أموال وذهب تابعين للجمعية في المبنى الذي قُتل فيه حسن نصر الله. إلا أن حزب الله طمأن اللبنانيين مؤكداً أن أموال وذهب المودعين في الجمعية ما زالت آمنة.
وأشار نعمة إلى أن الهجمات الحالية على مراكز “القرض الحسن” تقتصر على تدمير المباني فقط، وهي في الغالب مبانٍ مملوكة لمواطنين لبنانيين قاموا بتأجيرها للجمعية. ويبدو أن الهدف الرئيسي من هذا التدمير هو بث الخوف بين المواطنين، كجزء من حرب إسرائيلية تدميرية شاملة تستهدف الشعب اللبناني بأكمله.
وأوضح أيضاً أن إسرائيل لا تستهدف حزب الله فقط، بل تسعى إلى خلق حالة من الفزع والترهيب لدى اللبنانيين. وتعتمد في ذلك على أساليب القمع والتدمير العشوائي، في إطار خطة أوسع لضرب الاقتصاد اللبناني وإرهاب المواطنين.
وشدد نعمة على أن هذه الهجمات تأتي ضمن محاولات إسرائيل المستمرة لزعزعة استقرار لبنان وإضعاف اقتصاده. ومع ذلك، أكد أن الشعب اللبناني لن يرضخ لهذه المحاولات وسيظل صامداً في مواجهة هذه الاعتداءات المتكررة، رغم ما يعانيه من ضغوط هائلة.