تعتبر المنطقة العربية من أكثر المناطق في العالم تعرضًا لأزمة الشح المائي، ما يفرض تحديات كبيرة على دولها ويستدعي تكاتف الجهود لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة، وتأتي أهمية التعاون الإقليمي، مثل التعاون بين مصر والإمارات، لبحث آليات مواجهة هذه التحديات عبر استراتيجيات تعتمد على استخدام المياه غير التقليدية.
أزمة الشح المائي
من جانبه، قال الدكتور نادر نور الدين أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، إن موارد مصر المائية تقدر بـ 62 مليار متر مكعب، تشمل 55 مليار متر مكعب من مياه النيل، و5.5 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، ومليار متر مكعب من الأمطار، مؤكدا أنه عند تقسيم هذه الموارد على عدد السكان الذي يبلغ 105 ملايين، يصبح نصيب الفرد حوالي 600 متر مكعب، مما يعني أننا نقترب من حد الفقر المائي المدقع، الذي يُحدد بـ 500 متر مكعب أو أقل.
وأضاف نور الدين لـ”صدى البلد”، أن الدولة تقوم بالعديد من المشروعات القومية لترشيد استهلاك المياه وإعادة استخدامها، حيث يتم إعادة استخدام حوالي 20 مليار متر مكعب من مياه المخلفات الزراعية والصرف الصحي والصناعي، موضحا أن مشروعات التبطين والري الحديث لها دور كبير في توفير كميات كبيرة من المياه التي كانت تهدر سابقًا، مما قد يرفع نصيب الفرد إلى 800 متر مكعب، ومع ذلك لا يزال تحت خط الفقر المائي الذي يقدر بـ 1000 متر مكعب.
وأشار إلى أهمية تحديد الاستخدامات المثلى للمياه العذبة المتجددة والمياه السطحية والجوفية، إضافة إلى أهمية تحقيق الترابط بين المياه والطاقة، مع ضرورة الإسراع في تطوير تكنولوجيات الطاقة المتجددة وتكنولوجيات التحلية والمعالجة للمساهمة في حل أزمة المياه التي تواجهها البلاد.
وعقد وزير الموارد المائية والري، الدكتور هاني سويلم، اجتماعًا مع السفيرة الإماراتية مريم خليفة الكعبي، لبحث سُبل تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات المياه وإدارة الموارد المائية، وتركز اللقاء على نقل الخبرات المصرية في معالجة المياه وإعادة استخدامها، إضافة إلى مناقشة فرص الاستثمار الإماراتي في قطاع المياه المصري، وتعزيز التعاون في مجال الري الحديث والتحلية باستخدام الطاقة الشمسية.
وأكد الوزير سويلم استعداد مصر لنقل خبراتها في مجال إدارة الموارد المائية للإمارات، مع الإشارة إلى قيام وفد إماراتي قريبًا بزيارة محطات معالجة مياه الصرف الزراعي بالدلتا الجديدة والمحسمة، وتناول اللقاء فرص التعاون في مشاريع التحلية للإنتاج الغذائي، كمحور مشترك بين الدولتين، في ظل التحديات المائية التي تواجهها المنطقة.
وتحدث الوزير أيضًا عن أهمية تعزيز التكامل بين قطاعات المياه والغذاء والطاقة، حيث يستهلك قطاع الزراعة كمية كبيرة من المياه، مما يستدعي تبني حلول مبتكرة من خلال تجارب دولية ناجحة مثل المغرب وإسبانيا وأستراليا، وتم مناقشة مشاركة مصر في المؤتمر العالمي لتحلية المياه المزمع عقده بالإمارات في ديسمبر 2024، وذلك لبحث الابتكارات العالمية وتبادل التجارب.
حصة الفرد من المياه
وفي ظل تراجع حصة الفرد المصري من المياه إلى 500 متر مكعب سنويًا، اعتمدت مصر خطة قومية للموارد المائية تستمر حتى عام 2050، وتشمل هذه الخطة مبادرات متعددة، منها منظومة “الري 2.0” والتي ترتكز على معالجة المياه والتحلية للاستخدام الزراعي، إضافة إلى التحول الرقمي لتحسين إدارة شبكات الري، وتوفير تطبيقات للمزارعين، وتطوير نظم تنبؤ بالأمطار.
وتسعى الدولة من خلال مجموعة من المشروعات القومية الكبرى إلى تعزيز ترشيد استهلاك المياه وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، ويأتي ذلك ضمن جهود وزارة الموارد المائية والري التي تعمل على تنفيذ مبادرات خلال العام الحالي لتحسين إدارة وتوزيع المياه، وتطوير أساليب الري وفقًا للاحتياجات المتزايدة في البلاد.
ويعد “المشروع القومي لتأهيل الترع” من أهم المشروعات التي تنفذها وزارة الري، حيث يهدف إلى تحسين عملية إدارة وتوزيع المياه للأراضي الزراعية. ويشمل المشروع إعادة تأهيل الترع لزيادة كفاءة نقل المياه وتقليل الفاقد، ما يسهم في توفير المياه بشكل أكثر فعالية للقطاع الزراعي.
وتعمل الوزارة على “المشروع القومي للتحول من الري بالغمر إلى نظم الري الحديث”، ويشمل هذا المشروع تشجيع المزارعين على استخدام تقنيات الري المتطورة مثل الري بالتنقيط والرش، ويساعد التحول إلى هذه الأنظمة في ترشيد استهلاك المياه بشكل كبير، بالإضافة إلى تقليل الفاقد في المياه المستخدمة للري، مما يحقق كفاءة أعلى ويعزز استدامة الموارد المائية.
وتشمل جهود الدولة في هذا المجال تنفيذ عدة مشروعات لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، من بينها مشروع الاستفادة من مياه مصرف بحر البقر بشرق الدلتا، ومشروع الاستفادة من مياه مصارف غرب الدلتا، وكذلك مشروع مصرف المحسمة، ويتم إنشاء أكثر من 100 محطة خلط وسيط، وذلك لدعم جهود إعادة الاستخدام وتوفير مصادر إضافية للمياه لمختلف الاستخدامات.
وضعت الدولة مشروع قانون الموارد المائية والري الجديد، والذي يُناقش حاليًا في مجلس النواب. يهدف هذا القانون إلى تحسين عملية تنمية وإدارة الموارد المائية في مصر وضمان توزيعها بشكل عادل على كافة الاستخدامات، ويسهم في تحقيق استدامة أكبر لهذه الموارد من خلال توفير أطر قانونية داعمة للتنمية المستدامة.
تعتبر هذه المشروعات خطوات أساسية ضمن استراتيجية الدولة لتحقيق الأمن المائي، حيث تسهم في تعزيز كفاءة استخدام المياه وضمان استدامتها للأجيال المقبلة في ظل التحديات المائية الحالية.