فلنتابع معاً عبر موقعكم ” خليج نيوز ” التفاصيل المتعلقة بخبر
(١)
لا ينكر أحدٌ أن الأيام القليلة الماضية كانت ثقيلة على كثيرٍ من المصريين لما أحاط بها من استهدافهم بموجة زاعقة من الحرب النفسية الموجهة،والتى ركزت هدفها هذه المرة وبشكل مباشر فى محاولة زعزعة الثقة والعلاقة القوية الخاصة بين هؤلاء المصريين وبين القيادة المصرية الأعلى ممثلة فى شخص الرئيس عبد الفتاح السيسى، وفى واحدةٍ من الركائز التى قامت عليها شرعية ثورة يونيو السياسية وهى تطهير مصر من الجماعة الإرهابية وبناء جمهورية عصرية مدنية.
ما حدث كان حكما قضائيا يتسق مع القانون المصرى القائم بالفعل ويخضع لكل مفردات وآليات هذا القانون من أخذٍ ورد قضائى خالص. لكن تم عن عمد الزج باسم الرئيس ثم تصوير الأمر على غير حقيقته بأنه انقلابٌ من الجمهورية الجديدة على نفسها وعلى ثوابتها وأسس شرعيتها وأن هذا مقدمة لتصالح قادم لا محالة مع الجماعة الإرهابية! حسنا فعل د.ضياء رشوان بحسم الأمر بصفته الوظيفية مما حسم كثيرا من اللغط،وطمأن المصريين بأن الأمر ليس سياسيا، ولا علاقة للقيادة المصرية أو الحكومة المصرية. ففهم المصريون أن الأمر برمته لم يكن سوى واحدة من جولات الحرب النفسية المتكررة الموجهة ضد المصريين منذ أن اتخذوا قرارهم الشجاع التاريخى بلفظ هذه الجماعة الإرهابية من مفردات الحياة السياسية والدينية والاجتماعية المصرية.
(٢)
نحن نعلم جميعا أن هناك حرب إعلامية موجهة ضد مصر والمصريين يتم إدارتها من خارج الحدود المصرية، وينفذ بعضفصولهاالبعض من داخل مصر. ارتكزت هذه الحرب فى آليتها الأهم على فكرة فرز الأخبار المصرية فى كل المجالات ومهما كانت بساطة الخبر بما فى ذلك صفحات المجتمع وأى فعاليات تقع على أرض مصر. ثم انتقاء أى خبر يمكنه أن يستثير مشاعر المصريين والعمل عليه بتغير بعض كلماته التى تغير محتواه، أو تقديمه بصورة إعلامية محترفة موجهة لإيصال فكرة معينة مقصودة. ثم إلقاء آلاف الشائعات المصاحبة للخبر بكثافة فى ساعات محددة ومن آلاف الصفحات والمنصات، وأخيرا يتركون المهمة بعد ذلك لنا لكى نكملها!
وفى كل مرة يبتلع بعضنا الطعم منقوصا أو كاملا ونلوم هذا البعض بقوة. لكن هذه المرة لا يمكن إطلاقا أن نلقى اللوم على ملايين المصريين فى رد فعلهم، وخوفهم المشروع تماما على بلادهم وما أنجزوه، خاصة مع هذا التعاطى الإعلامى الأول مع الخبر وتقديمه بشكل متعمد مقصود منه بذر هذه البذور الشيطانية من الشك، ثم التعاطى الرسمى المرتبك فى اليوم الأول لانطلاق الشائعة،والذى كان مفترضا أن يأتىمع الدقائق الاولى، وأن يكون بذلك الوضوح والقوة المتناسبين مع خطورة ما يتم تداوله.
(٣)
وأخطر من هذا كله هو ظهور وتداخل بعض القيادات الدينية الرسمية وبعض الوجوه الدينية المعروفة غير الرسمية فى المشهد بشكلٍ يصب فى اتجاه تأكيد الشائعة ويلقى بمزيدٍ من الوجوم والقلق لدى المصريين.
ولقد ربط البعض بين ما حدث فى الأيام الثلاثة الماضية وبين ما بثته قناة بى بى سى منذ أسابيع قليلة – وقمت بالإشارة إليه فى مقال سابق منشور بجريدة الدستور –عن إدعاءات بعض قيادات الجماعة فى لقاء مع القناة أن شخصية إعلامية معروفةقد بادرت بالتواصل مع تلك القيادات كمقدمة للتصالح بين الدولة وبين الجماعة. ولقد فندتُ فى المقال وقتها تهافت ادعاءات القناة ومن استضافته على شاشتها.
كل هذه المفردات أضافت كثيرا من الارتباك والضباب والقلق لدى مصريين ساندوا الدولة المصرية بقوة فى معركتها ضد الإرهاب المسلح وجماعته الأم، وبعض هؤلاء قدموا أبناءهم شهداء أو مصابين فى تلك المعركة، ومن لم ينل هذا الشرف الأكبر من التضحية،فقد ساند وطنه فى محنته وقام بما يتوجب عليه القيام به من تصدٍ لحملات الهجوم الإعلامى وبث الشائعات. أى أن الدولة والشعب شركاء فى المعركة،خاضوها معا من اليوم الأول إلى الآن، لذلك كانت الدهشة الكبرى أولا ثم الرفض الجارف قبل أن يتبين للجميع أنها مجرد شائعة.
(٤)
لأول مرة أشعر بمعنى هذه الحكمة التى نرددها أحيانا فى مواقف حياتية تافهمة..رب ضارة نافعة. هذه المرة أراها حكمة من الذهب الخالص،تامة الصدق والإخلاص. فى كل مرة يصد المصريون شائعة ما أو موجة تشكيك ما، ثم يستكملون مفردات حياتهم دون أن تكون هناك هذه الهزة والغربلة بالغة القوة.
ولأول مرة ربما منذ ثورة يونيو يكون هناك أشبه باستفتاء شعبى عفوى قوى جدا وصل صداه للجميع دون استثناء، وأول من وصل إليهم وصفعهم صفعة قوية هم من أطلقوا الشائعة نفسها من قيادات الجماعة الإرهابية وأتباعهم،كلٌ فى مخبأه الذى منحته إياه القوى التى استخدمته أو تتوهم عودته لمصر لاستخدامه مرة أخرى!
فبدلا من تصدير الإحباط للمصريين عبر خداعهم بأن دولة يونيو قد قبلت بعودة من استباحوا الدم الحرام واستقلال التراب الوطنى واستباحوا الخيانة،فقد انقلب الإفك والسحر على صاحبه وصُدِمت الجماعة بهذه الانتفاضة المصرية على صفحات التواصل وهذا الرفض الجمعى لمجرد خاطر التصالح. وبادر المصريون بإعادة نشر تلقائية جماعية لتاريخ الجماعة الأسود، وجرائمها ضد مصر والمصريين بصورة لم تحدث بهذه القوة والجماعية منذ ثورة يونيو.
(٥)
ما لفت النظر أن المصريين – حتى فى ذروة الغضب المشروع فى الساعات الأولى بعد نشر الشائعة – كانوا يؤكدون على تمسكهم برهانهم على شخص الرئيس والثقة المطلقة به. وتحولت المناسبة إلى تجديد شعبية الرئيس القائمة على ما قدمه فى تلك السنوات وعلى عدم خذلانه للمصريين فى أى مشهد.
وأعتقد أن قيادات الجماعة الإرهابية – وبعد ما واجهوه من رفضٍ مصرى شعبى للتسامح فيما اقترفته الجماعة من جرائم،ومن إعلان ثقة المصريين فى القيادة المصرية – يتمنون لو أنهم لم يقدموا على هذا الإفك وهذه المحاولة البائسة!
(٦)
ومن المفرح أيضا، ومن تجليات حكمة رب ضارة نافعة، أن المصريين فى مجملهم قد طلّقوا ثلاثا واحدةً من الصفات التى طالما تم استغلالها، وهى ضعف الذاكرة السياسية، والاستسلام للابتزاز العاطفى المتدثر كذبا وبهتانا بأثواب دينية!
لم يعد المصريون كما يتوهم البعض صيدا عقليا سهلا يتم السيطرة عليه بسهولة عبر بعض الشخصيات الدينية الرسمية وغير الرسمية!
ويتضح هذا من رد فعل المصريين على ما حاولت تلك الشخصيات ترويجه كذبا بأن ما حدث كان توجها رئاسيا!
لقد أتت السنوات الماضية بعض ثمارها فيما يتعلق بتقوية الوعى المصرى وتصويب بوصلة الهوية الوطنية المصرية الحقيقية، وإزالة ما علق بها من أتربة عبر العقود الماضية. لن يُخشَ على مصر بعد هذا المشهد من أى استدراج أو محاولات مستقبليةلغسيل العقول بمساحيق دينية أو غير دينية زائفة!
(٧)
من تمام تجليات هذا المشهد، أنه وبسرعة مذهلة ودون تروٍ أسقط أقنعة البعض. هذا البعض سقط فى فخ أكذوبة الجماعة دون أن يتحسس موضع أقدامه. بعض هذا البعض يتولى مناصب رسمية بادر إلى إصدار بيانات تخلط الحابل بالنابل، وتصور الأمر على غير حقيقته وكأن الدولة المصرية استيقظت ذات صباحٍ فقررت أن تفتح ذراعيها لمن نعرف جميعا أنهم أجرموا فى حقها!
إن من يرتكب جريمة سرقة ثم يقضى العقوبة ويندم ويقرر أن يبحث عن عمل شريف مشروع، يمكن أن نتحدث عن دمجه فى المجتمع، وأتاح القانون له أن يعفيه من إثم السابقة الأولى.
أما من يعتنق عقيدة باطلة سياسية أو دينية دفعته لاستحلال الدم والأرض والخيانة،فهذا شىءٌ آخر تماما. ونضيف لذلك أنهم أصلا لم يعلنوا أى تراجع – حتى من باب ذر الرماد فى العيون – عن معتقداتهم، ولم يعترفوا بأنهم مجرمون اقترفوا جرائم وهذا حدث بوضوح فى ذلك اللقاء مع قناة بى بى سى الذى أشرت إليه.
فكيف ولماذا أقدمت بعض هذه الأسماء على إصدار هذه البيانات بهذه السرعة، وهى التى طالما تلكأت وتباطأت وتململت ورفضت دعوات الدولة المصرية للانخراط فى دعوات تصويب مسارات فكرية ودينية؟!
إن الإجابة واضحة وضوح شمس أغسطس الحارقة. تتلخص فى المثل الشعبى العامى..القلب وما يريد!
إن أى مراجعة متجردة موضوعية لتاريخ وسيرة وتصريحات ومواقف كل من بادر وأصدر بيانا من هذا القبيل فى الأيام القليلة الماضية سوف يكشف تلك الحقيقة. لأن الشائعة وافقت هواهم فبادروا لمحاولة جعلها أمرا واقعا، سواء كانوا يعلمون بكذبها أو لم يكونوا يعلمون! تمنوا أن تصبح أمرا واقعا فبادروا بإعلان النشوة والانتصار حتى صدمهم موقف المصريين!
(٨)
فى بعض تصريحات هؤلاء وجب التوقف عند عبارات بعينها لأنها تحمل خطرا كبيرا، أحدهم حاول أن يصور رفض المصريين للجماعة،أو تطبيق القانون على مجرميها بأنه نوعٌ من الانتقام والتنكيل، وأن – حسب وهمه هو ومن سار على خطاه – تدخل الرئيس لرفع أسماء أساطين الجماعة من قوائم الإرهاب هو نوعٌ من منع الانتقام والتنكيل! ما هذا العبث والاستخفاف بالعقول والتجرؤ على الحق والحقيقة والتاريخ؟!
لقد كشف هذا المشهد كثيرا من الأقنعة، وكثيرا من هزلية المستوى الفكرى والعقلى لبعض النخبة. فحين يخرج سياسى شاب محسوب على النحبة الليبرالية ويتحدث عن (دمج) أسماء متورطة فى إرهاب بأى شكل كان فى المجتمع وربما قصد هنا الدمج السياسى، حتى دون أن يعلن هؤلاء ولو كذبا تراجعهم عن أى من عقائدهم الضالة، حين يحدث هذا فلا بد أن يتم إعادة تاهيل هذه القيادات السياسية تأهيلا علميا سياسيا معلوماتيا مرة أخرى.
لو لم يعلم هذا السياسى معنى كلمة جماعة دينية متطرفة، أو لا يعلم تاريخ جماعة الإخوان فى مصر، وأنها قد سبق وتم حلها ومطاردتها قانونا عدة مرات، ثم تسامح المصريون معها وسمحوا لها بالاندماج، وفى كل مرة يثبت خطأ نظرية الاندماج المزعوم هذا، لو لم يعلم هذا السياسى كل ذلك ويعتقد أنه يأتى بجديد فهو ولا شك يحتاج إلى إعادة تثقيف أو أن يترك مقعده لمن يستحق!
(٩)
لقد أوصل المصريون صوتهم ورسالتهم للجميع، وأعلنوا ثقتهم التامة فى قيادات الدولة المصرية وتوجهاتها ومبادئها التى تمثل ركائز شرعيتها، وأعلنوا أيضا استمرار مساندتهم لبلادهم.
وهذا يعنى أيضا أن ينتبه بعض العاملين بالسياسة والفكر والإعلام فى مصر لما يصدر عنهم وما يقومون بتبنيه من مواقف سياسية لأن المصريين الآن لديهم خطوط حمراء معلنة على هؤلاء أن يعوها جيدا. من لم تنفعه دروس التاريخ القديم والبعيد فلا مكان له فى العمل السياسى وعليه أن يبحث عن شىء آخر يفعله.
أقول هذا بمناسبة ما صدر من مواقف رسمية تمثل بعض الأحزاب الليبرالية وتصريحات بعض المفكرين لمواقع صحفية معروفة. الحديث عن أن ضخ حيوية سياسية فى مصر يتطلب تسامح الدولة مع قادة الفكر الدينى المليشياوى غير المؤمن بفكرة الدولة الوطنية، هذا الحديث لا يمكن أن يصدر عن مفكر حقيقى، وإنما هو دجلٌ صريح ومحاولة للتغرير بالمصريين مرة جديدة!
ترحيب حزب ليبرالى مهم بقرارات قضائية هو سقطة كبرى لأن قرارات القضاء العادية لا يصح – لحزب سياسى محترف وعريق – أن يعلق عليها مثل عوام الناس، فما بالك إن كانت هذه القرارات قابلة للتغيير والتبديل حسب إجراءات القانون. الخلط بين القانون والسياسة هو سقطة لأى حزب سياسى حقيقى لا يمكن تمريرها واعتبارها تعبيرا عن الرأى كعامة الناس.
على من يعتبرونأنفسهم من منظرى أو مفكرى مصر أو سياسييها الآن أو غدا أن يتعاملوا مع مصر بما يليق بها كدولة وطنية هى الأقدم فى التاريخ. الأرض هى كلمة سر وشرعية قيام وبقاء هذا الوطن. كان هذا منذ كلمة البدء وسيظل حتى كلمة النهاية. هو الأساس مهما تخللته منفترات عارضة. مصر دولة قائمة على الانتماء للأرض وليست قائمة على شرعية اعتناق ديانة معينة، وبالأحرى لن تقوم على الانتماء لأيدلوجيات دينية معينة. الجماعة الإرهابية حتى لو امتد عمرها لما يقرب من قرن من الزمان فهى حلقة عارضة فى عمر هذا الوطن، ولن يصبح العارض سرمديا أبدا مهما حاول البعض ذلك.
لو فهم الساسة والمفكرون هذه الحقيقة فسيختصر هذا كثيرا من الأثمان والوقت وتجنب إهدار الطاقات، وقد أوصل المصريون هذه الرسالة جيدا، فأتمنى أن يعيها المعنيون بها من أفراد النخب!