لبنان يختار الدبلوماسية لمواجهة إسرائيل - خليج نيوز

ماذا يعني انسحاب إسرائيلي غير مكتمل من جنوب لبنان؟ ولماذا اختار الاحتلال الاحتفاظ بخمسة مواقع حدودية إستراتيجية بدلاً من الانسحاب الكامل؟ وما دلالة تبنيه مبدأ «قاعدة عسكرية مقابل كل مستوطنة»؟

مع انتهاء المهلة الثانية الممددة في 18 فبراير، نفذت إسرائيل انسحاباً جزئياً، لكنها تركت وراءها وجوداً عسكرياً في خمسة مواقع، ما منحها تفوقاً أمنياً وجغرافياّ يمكّنها من مراقبة المستوطنات والمواقع العسكرية شمالاً.

هذا التمركز لم يكن مجرد صدفة، بل يعكس نوايا واضحة لترسيخ وجود أمني طويل الأمد، خصوصاً بعد إعلان الجيش الإسرائيلي اعتماد مبدأ «قاعدة عسكرية مقابل كل مستوطنة». فهل تسعى إسرائيل إلى فرض واقع جديد عبر إنشاء حزام أمني في المنطقة الحدودية؟ أم أن هذا الوجود مؤقت بانتظار التراجع إلى ما وراء الخطوط الدولية؟

أهداف إسرائيل من المواقع الـ5

لم يكن القرار الإسرائيلي بالإبقاء على هذه المواقع عشوائياً، فإضافة إلى البعد الأمني، تسعى إسرائيل إلى تحقيق ثلاثة أهداف؛ أولها: الضغط لإخراج حزب الله من جنوب الليطاني عبر فرض واقع ميداني يدفع باتجاه انسحاب كامل، يشمل تفكيك بنية الحزب العسكرية ومستودعاته في المنطقة. ثانيها: الضغط على الحكومة اللبنانية لوضع ملف نزع سلاح حزب الله على نار حامية، وهو الشرط الذي شدد عليه بنيامين نتنياهو بحضور وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، إذ طالب أن تحتكر الدولة اللبنانية السلاح ليس فقط جنوب الليطاني بل في شماله أيضاً. وفي حال امتناع الدولة عن تنفيذ هذا الشرط، فقد أوصلت إسرائيل رسالة في الساعات القليلة الماضية التي سبقت عملية الانسحاب، وأثبتت أنها قادرة على فرض إرادتها بالقوة، حين نفذت غارات متتالية على إقليم التفاح والبقاع وصيدا. وعادت وجددت رسائلها بعد 18 فبراير بتنفيذ عملية اغتيال لأحد كوادر حزب الله في بلدة عيتا الشعب. وثالثا: إدخال لبنان في مسار تفاوضي أوسع برعاية أمريكية يتجاوز الترتيبات الأمنية التقليدية التي تشرف عليها لجنة الناقورة، بل يمتد إلى تفاهمات سياسية أشمل، تتماشى مع التوجه الأمريكي والإسرائيلي لإلحاق لبنان أو دفعه نحو «اتفاقات إبراهام» والتطبيع التدريجي للعلاقات.

موقف الدولة اللبنانية

أمام هذا الواقع الحدودي المستجد، تحركت الدولة اللبنانية بموقف موحد صدر على شكل بيان من قصر بعبدا، عقب اجتماع للرؤساء الثلاثة؛ جوزيف عون، نبيه بري،

ونواف سلام. البيان الصادر عن الاجتماع أكد أن بقاء أي وجود إسرائيلي هو احتلال، وأن لبنان سيلجأ إلى كل الوسائل لضمان انسحاب القوات الإسرائيلية.

وتبرز أهمية هذا الموقف في نقطتين أساسيتين: أولاً، تبني خيار المواجهة الدبلوماسية على المواجهة العسكرية، إذ شدد الرئيس جوزف عون، عشية الانسحاب، على أن الحرب ليست خياراً مطروحاً وأن لبنان لم يعد يحتمل مواجهة عسكرية جديدة، لكنه أكد في المقابل أن الجيش جاهز لحماية الحدود.

أخبار ذات صلة

 

ثانياً، تكريس إجماع سياسي وغطاء رسمي للقرار، إذ أظهر البيان الرئاسي توافقاً وطنياً واسعاً، خصوصا مع موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لطالما كان حليفاً لحزب الله ومفاوضاً باسمه.

معادلة جديدة ومعقدة

بعدما حسمت الدولة اللبنانية قرارها، ووضعت المواجهة العسكرية جانباً واختارت بديلاً عنها المواجهة الدبلوماسية، تشخص الأنظار إلى حزب الله، خصوصا بعد تصريح أمينه العام نعيم قاسم، الذي أكد أن «أي بقاء إسرائيلي هو احتلال، والجميع يعرف كيف يتم التعامل مع الاحتلال». والسؤال المطروح: كيف سيتعامل الحزب مع الواقع الجديد، أي الاحتلال الإسرائيلي لخمس نقاط حدودية؟

لا شك أن بقاء الجيش الإسرائيلي في تلك المواقع يضع حزب الله في موقف حرج للغاية. فإذا التزم الصمت سيخسر شرعيته أمام جمهوره وحلفائه. وإذا لجأ إلى الخيار العسكري، فإنه يغامر بإشعال مواجهة غير محسوبة العواقب، وهو الخارج من الحرب الأخيرة بخسائر فادحة، فضلًا عن الضغوط الإسرائيلية المتزايدة.

الخيار العسكري ليس مطروحاً

المراقبون لا يتوقعون أن يتحرك حزب الله عسكرياً، وترجح مصادر مطلعة لـ«عكاظ»، أن يعتمد الحزب على المقاومة الشعبية؛ أي المدنية، كأداة للضغط، عبر تنظيم مظاهرات شعبية باتجاه المواقع الإسرائيلية المحتلة. وسيكون ذلك بالتوازي مع التحركات الدبلوماسية التي باشرتها الدولة اللبنانية في المحافل الدولية.

ووفقاً لمصادر مطلعة تحدثت لـ«عكاظ»، فإن اللجوء إلى الخيار العسكري لم يعد مطروحاً لدى حزب الله، نظراً للواقع الجديد المفروض عليه، إن بعد الضربات القاسية التي تعرض لها، أو الاتفاق الذي انتهى بشروط صعبة، فضلًا عن المتغيرات الإقليمية التي أرست معادلة التحالفات الجديدة.

في المحصلة، فإن حزب الله محاصر ضمن مساحة ضيقة من الخيارات بحيث لا يستطيع القبول بالوضع القائم، وفي الوقت ذاته غير قادر على تغييره، ويبدو السيناريو الأكثر ترجيحاً هو مواصلة الضغط السياسي والشعبي مع الحرص على تجنب أي تصعيد عسكري، قد يقود لبنان إلى حرب جديدة بتكاليف لا يمكن لأحد تحملها.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أنباء عن استدعاء سفيرها للتشاور.. السودان: كينيا ضالعة في العدوان على شعبنا - خليج نيوز
التالى «محادثات الدرعية» تذيب خلافات القطبين - خليج نيوز