قبل حوالي 2500 سنة, بمدينة "أور" و في ذروة مجد الإمبراطورية البابلية الحديثة (626-532 ق.م) ,قامت أميرة تدعى اينغالدي-نانا, بجمع عدد من القطع الأثرية بعناية,بما في ذلك تمثال, و حجر حدود (يُعرف باسم “كودورو” ويستخدم لترسيم الملكيات)، ورأس صولجان (رمز للسلطة والقوة). وهذه المقتنيات، التي تظهر عليها علامات الحفظ الواضحة، يعود تاريخها إلى فترات تمتد من حوالي 2100 ق.م إلى 600 ق.م. ويُعتقد عمومًا أن هذه المجموعة، التي تم تنظيمها وعرضها بشكل مقصود، كانت بمثابة أول “متحف” معروف في العالم.
ويروي كتاب “بين نهرين: بلاد ما بين النهرين القديمة وولادة التاريخ” -للباحثة المقيمة في أكسفورد موضي الرشيد- قصة بلاد ما بين النهرين القديمة (Mesopotamia – المنطقة التاريخية الخصبة الواقعة بين نهري دجلة والفرات) وهي فترة حاسمة في تاريخ العالم تُعرف أحيانًا بـ”العصر المنسي” ليس لقلة أهميتها بل لصعوبة الوصول إلى كنوزها المكتوبة بعد اندثار لغاتها لقرون طويلة.
وفي عرضها للمؤلَف، كتبت الأكاديمية لويز برايْك، الباحثة بقسم الكلاسيكيات والتاريخ القديم في جامعة سيدني الأسترالية، أن موضي تشير إلى العديد من “الأوائل التاريخية العالمية” التي شهدتها هذه المنطقة، والتي شكلت أسس الحضارة اللاحقة: أول نظام كتابة معروف للبشرية، وعجلة الخزاف، وأول سجل لإنتاج الجعة، وابتكارات زراعية كبرى كالري المنظم والمحراث.
المتحف الأول يُعد أول متحف معروف في العالم، وأمينته، إينيغالدي-نانا، من بين هذه الأوائل العديدة التي قدمتها بلاد الرافدين. وكانت إينيغالدي-نانا، ابنة آخر ملوك الإمبراطورية البابلية نبونيد، تشغل منصب الكاهنة العليا في معبد آلهة القمر “سين” في مدينة أور، وكانت تملك نفوذًا واهتمامًا ثقافيًا واضحًا.
وكان كل من الأميرة ووالدها مولعين بالتاريخ والآثار، حيث كان نبونيد من أوائل من مارسوا التنقيب المنظم وتركوا وصفًا دقيقًا لإكتشافاتهم. وقد وصفه بعض المستشرقين بأنه “أول عالم آثار” و من خلاله بإمكننا التعرف على قوة التاريخ البابلوني وقدرته على إلهام الحاضر، حيث يعرض كيف تعكس حياة شعوب الماضي واقعنا الحديث وتشكل حياتنا بطرق غير متوقعة.
.