من الأنقاض إلى الانتعاش: ازدهار العقارات في الصومال - خليج نيوز

العاصمة الصومالية تشهد تطورا عمرانيا في ظل العمل على بسط الأمن

في الوقت الحاضر، أينما ذهبت في العاصمة الصومالية مقديشو، ستجد مباني جديدة قيد الإنشاء وطرقًا جديدة يتم تمهيدها. لقد ولّت الخنادق التي كانت تقطع الأحياء بأكملها، وزالت الألغام التي كانت تملأ الطرقات، ولم يعد هناك قناصة متمركزون على أسطح المنازل.

باتت المدينة اليوم بالكاد تُعرف، فالمباني التي كانت مليئة بثقوب الرصاص استُبدلت بمجمعات سكنية جديدة. وقد شهدت أسعار العقارات في مقديشو ارتفاعًا هائلًا، حيث بلغ سعر المتر المربع في بعض الأحياء الراقية 4000 دولار أمريكي. كما ارتفعت أسعار الإيجارات أيضًا، فقبل عشر سنوات كان استئجار شقة بثلاث غرف نوم يكلف حوالي 150 دولارًا شهريًا، أما اليوم فقد تجاوز 600 دولار.

حتى عام 2011، كانت هذه المدينة ساحة حرب بين القوات الحكومية وجماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة. لكن بحلول أوائل عام 2012، تمكنت الحكومة من طرد المسلحين واستعادة السيطرة على مقديشو، مما أعاد الإحساس بالحياة الطبيعية تدريجيًا.

من الأنقاض إلى الانتعاش: ازدهار العقارات في الصومال

ورغم استمرار الهجمات الإرهابية ووجود نجاحات عسكرية حديثة لجماعة الشباب في المناطق الريفية، إلا أن السلام النسبي لا يزال قائمًا وساهم انتهاء الحرب الشاملة وعودة مئات الآلاف من الصوماليين من الخارج في تحفيز الاقتصاد بشكل كبير ففي عام 2015، صُنفت مقديشو كثاني أسرع مدينة نموًا في العالم، وبحلول عام 2018، أصبحت المدينة الأكثر كثافة سكانية في القارة الأفريقية واليوم، تشهد مقديشو طفرة عقارية غير مسبوقة.

العودة إلى مقديشو

محمد ديق، سائق توك توك يبلغ من العمر 34 عامًا، عاد مؤخرًا من جنوب إفريقيا بعد أن خسر متجره بسبب أعمال عنف معادية للأجانب. وكان قد غادر الصومال في عام 2011، لكنه اليوم لا يستطيع استيعاب التغيرات الهائلة التي طرأت على مقديشو.

يقول محمد: “عندما غادرت مقديشو في 2011، كنت أتذكر القصف العنيف وأعمدة الدخان الأسود الكثيف. لكن عندما أقود مركبتي في شوارع المدينة اليوم، لا أرى سوى المقاهي والمطاعم والمباني الجديدة. في بعض المناطق، لا يمكنك حتى أن تتخيل أن حربًا قد دارت هنا.”

يعكس اندهاش محمد من إعادة الإعمار السريعة في مقديشو النمو السريع في عدد السكان فعندما اندلع الصراع قبل أكثر من ثلاثة عقود، كانت المدينة تتكون من 16 حيًا، أما اليوم فقد توسعت إلى 20 حيًا، ويقدر عدد سكانها بحوالي 4 ملايين نسمة.

من الأنقاض إلى الانتعاش: ازدهار العقارات في الصومال

طفرة عقارية

علي هاشي عمر، من شركة COCEPCO للبناء والعقارات في مقديشو، أوضح لموقع “أخبار الآن” أن تكلفة المعيشة ارتفعت بشكل كبير. وقال: “هناك مقديشو مختلفة تمامًا اليوم.”

وأضاف: “في المناطق المحيطة بالمطار ووسط المدينة، يبلغ سعر الشقة العادية 1200 دولار، وحتى استئجار مكتب يمكن أن يتراوح بين 500 و600 دولار.”

ترجع معظم الاستثمارات التي تقود هذه الطفرة العقارية إلى رجال الأعمال والمغتربين الصوماليين، الذين تزايد عددهم في المدينة بسبب التراجع النسبي في أعمال العنف.

يتوقع علي أنه إذا استمر السلام في مقديشو، فقد تتحول إلى مدينة تجمع بين “كايب تاون الجديدة” و”نسخة من دبي”. وأضاف: “قبل الحرب، كانت مقديشو تُعرف بلؤلؤة المحيط الهندي، والآن لدينا فرصة لإعادة إحياء هذه الصورة.”

الهجرة العكسية: العودة إلى الوطن

رغم التحديات التي تواجه سكان المدينة في ظل إعادة الإعمار السريعة، إلا أن مقديشو تشهد هجرة عكسية، حيث يعود الكثير من أفراد الشتات الصومالي، خصوصًا من الغرب، للاستقرار في مدينتهم الأم.

هاناد علي، البالغ من العمر 37 عامًا، غادر مطار تورونتو بيرسون الدولي في كندا متجهًا إلى مقديشو في 2014، وكانت هذه زيارته الأولى لوطنه الأم منذ عام 1991.

يقول هاناد: “عندما أتيت في 2014، كانت المدينة مدمرة. لم يكن بإمكانك التنقل إلى بعض المناطق بسبب انعدام الأمن، لكن الأمور تغيرت الآن.”

على مدار السنوات التي تلت، شهد هاناد بنفسه كيف ساهم القطاع الخاص والمستثمرون ورجال الأعمال في تحويل هذه المدينة المخيفة سابقًا إلى منطقة عقارية واعدة.

استقر هاناد مؤخرًا مع أسرته في حي وابري الراقي في مقديشو، حيث يدرس أطفاله في المدارس المحلية، ويدير منظمة خيرية. يعيش في شقة من عدة طوابق بالقرب من أحد الشوارع الرئيسية، ويدفع 550 دولارًا شهريًا مقابل شقة من أربع غرف نوم.

يقول هاناد: “مقارنة بعقد مضى، أرى المزيد من المغتربين هنا الآن. الناس يشترون العقارات ويبنون الأبراج في كل شارع. كل هذا يعود إلى السلام النسبي، فالسلاح صمت إلى حد كبير، والناس يستفيدون من هذه الفرصة.”

ورغم هذا التطور، فإن تحسن الأمن أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، مما جعل الكثير من السكان المحليين غير قادرين على العيش في الأحياء التي نشأوا فيها بسبب ارتفاع الإيجارات.

من الأنقاض إلى الانتعاش: ازدهار العقارات في الصومال

نزوح داخلي بسبب ارتفاع الأسعار

عبد الله محمد، ميكانيكي يبلغ من العمر 44 عامًا، عاش طوال حياته في حي هودن بمقديشو. لكنه اضطر، بعد زواجه مؤخرًا، للانتقال إلى أطراف المدينة لعدم قدرته على تحمل تكاليف السكن في وسط مقديشو.

يقول عبد الله: “الإيجار يتراوح بين 350 إلى 450 دولارًا لشقة من غرفتين، وفي بعض المناطق يكون أغلى من ذلك بكثير. لا يمكنني تحمل هذه التكاليف.”

لذلك، انتقل عبد الله إلى منطقة “سنكا دير”، الواقعة في ضواحي مقديشو، حيث تكاليف المعيشة أقل.

يضيف: “هنا في (سنكا دير)، تجد العديد من العائلات التي انتقلت من مقديشو لبدء حياة جديدة. سترى معلمين وأطباء وعمالًا. لقد أصبحت الضواحي مدينة بحد ذاتها.”

بميزانية لا تتجاوز 80 دولارًا شهريًا، يؤكد عبد الله، مثل كثيرين آخرين، أنه لم يعد يتخيل العيش في الأحياء التي نشأ فيها، حيث أصبح السكن في مقديشو مجرد ذكرى من الماضي بالنسبة له.

مستقبل مقديشو: الحاجة إلى السلام والاستقرار

تنهض مقديشو من جديد، وتستعيد مكانتها كمدينة الذهب على الساحل الشرقي لأفريقيا. لكن للحفاظ على هذا الازدهار، تحتاج العاصمة الصومالية إلى سلام واستقرار دائمين.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق هل تتوسع الحرب لتطال لبنان؟ - خليج نيوز
التالى تسليم 330 وحدة سكنية ممولة من الصندوق السعودي للتنمية في تونس - خليج نيوز