وعزا أطباء أسنان لـ«عكاظ»، الفوبيا إلى تعرض المصابين في مراحل طفولتهم للعديد من التجارب المؤلمة التي انعكست على نفسياتهم، وجعلتهم يكرهون التوجه إلى عيادات الأسنان والحال نفسه ينطبق على آخرين استمعوا إلى مواقف لبعض مراجعي العيادات صوروا لهم ألواناً من الخوف واصفين لهم أن ما حدث لهم مؤلم ولا يُحتمل، فانعكس ذلك على نفسياتهم، وباتوا يعيشون في رهاب الفوبيا ويخسرون صحتهم وأسنانهم في مراحل مبكرة من حياتهم.
«عكاظ» ناقشت أسباب الخوف من عيادات الأسنان لدى البعض وكانت البداية:
«أنا لا أحب دكتور الأسنان» هكذا قال الثلاثيني عادل محمد: منذ طفولتي وأنا أخشى عيادات الأسنان، فما زلت أتذكر أول مرة دخلت فيها عيادة الأسنان كنت في السادسة من عمري بصحبة والدي -يرحمه الله- الذي أجلسني في حضنه ممسكاً بيدي، فيما كانت الممرضة تمنعني من إغلاق فمي حتى أنني في المرة الثانية التي عاودت فيها عيادة الأسنان كنت تحت الخوف من غضب والدي وأُصبت بجرح في فمي، وكانت تلك المرة هي الأخيرة في حياتي.
صرخات وآهات واستسلاميروي ناصر علي، مواقفه مع آلام وأوجاع الأسنان، ويقول: أنا مستعد أن أتحمل ألم السن والضرس على ألا أخطو خطوة واحدة إلى عيادة الأسنان وأجلس مستسلماً للطبيب وهو يحفر في أسناني، فقد ذهبت ذات يوم مع شقيقي الذي يكبرني بـ20 عاماً إلى طبيب الأسنان وكنت في الـ15 من عمري، رأيت وسمعت ما لم أرَه وأسمعه في حياتي من صراخ وتوسلات وخوف ورعب، ولمست ذلك عن قرب عندما دخلت مع شقيقي العيادة ورأيته وهو يتوسل الطبيب بأن يعطيه مخدراً ينسيه ألم الحفر ويجعله ينام، ولكن الطبيب حاول تهدئته وعالج أخي بطريقة الكرّ تارة والفرّ تارة.. أخي يصرخ فيتوقف الطبيب، ثم يعمل الطبيب وأخي يستسلم، «ومن يومها قلت توبة».
ويقول عبدالله الحربي: لا تذكروني بما حدث معي وشاهدته قبل سنوات في عيادة الأسنان، رأيت فيها ما لم أرَه في أفلام الرعب من روائح كريهة لحفر الأسنان وأصوات مكائن نشارة وحديد وحركات وتلوٍّ كالثعبان وآهات وصرخات.. هذه المواقف جعلتني أنأى عن الذهاب إلى عيادات الأسنان، وأتحمل ما يأتيني بين الحين والآخر من آلامها وأصبحت أداويها ببعض المسكنات.
فيما يقول نايف محمد: لا يمكن أن نستغني عن مراجعة طبيب الأسنان سواء لنا أو لأولادنا، وفي نظري أن طبيب الأسنان هو بوابة تجميل ابتساماتنا ومن الضروري أن نراجعه ونستسلم لكرسيه وعلينا أن نبتعد عن سماع المبالغات.
دوخة واضطراب بالمعدة
استشاري طب الأسنان الدكتور منير هرساني قال لـ«عكاظ»: إن رهاب الأسنان أو فوبيا طبيب الأسنان هو خوف شديد أو غير منطقي من زيارة طبيب الأسنان، أو أن الخضوع لعلاجات الأسنان قد يكون مرتبطاً بتجارب سابقة مؤلمة، الخوف من الألم، الإحساس بفقدان السيطرة، أو حتى الخوف من الأدوات والروائح المرتبطة بعيادات الأسنان، ومن أعراضه تسارع نبضات القلب، التعرق الزائد، ضيق التنفس، الغثيان أو اضطراب المعدة، الشعور بالدوخة أو الإغماء.
أما الأعراض النفسية فهي القلق الشديد قبل الموعد، ونوبات الهلع عند دخول العيادة.
وعن النصائح لتفادي الخوف من طبيب الأسنان يقول الدكتور هرساني: البحث عن طبيب متخصص في التعامل مع المرضى القلقين، طلب موعد في الصباح الباكر لتقليل فترة التوتر قبل الزيارة، ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل، الاستماع إلى الموسيقى أو تشغيل البودكاست«» أثناء الجلسة لتشتيت الذهن، اصطحاب شخص داعم مثل صديق أو فرد من العائلة، استخدام إشارات يتفق عليها مع الطبيب لإيقاف العلاج عند الشعور بعدم الراحة.
وعن كيفية التخلص أو علاج فوبيا أطباء الأسنان، يرى استشاري طب الأسنان الدكتور هرساني، أن ذلك يكون تدريجياً بداية من زيارة العيادة دون تلقي علاج، ثم التدرج في العلاج. ويشير إلى وجود بعض الأدوية المخففة في عيادات الأسنان التي تهدئ المريض، وعلى المريض اختيار طبيب متخصص في حالات القلق، والتحدث معه مسبقاً عن المخاوف، والاتفاق معه على طريقة لإيقاف
العلاج عند الشعور بعدم الراحة، واستخدام تقنيات التنفس والاسترخاء أثناء الجلسة، وعلى الطبيب أن يتحدث مع المريض بطريقة هادئة ويطمئنه قبل بدء العلاج، ويشرح له طريقة العلاج ويوضح له حالته الصحية مع أسنانه.
مشاهدة رسوم متحركةالدكتور هرساني أشار إلى طريقة لخلق بيئة تشجيعية للذين يعانون من صعوبة النوم في الليلة التي تسبق موعد فحص الأسنان، خصوصاً الأطفال من خلال إخبارهم بتجارب إيجابية عن طبيب الأسنان، وقراءة كتب أو مشاهدة رسوم متحركة عن أهمية العناية بالأسنان، واستخدام الألعاب التمثيلية على أن يلعب الطفل دور الطبيب، ومكافأة الطفل بعد الزيارة بهدية صغيرة أو نشاط ممتع، واختيار طبيب أسنان للأطفال يكون ودوداً ويستخدم أسلوباً مشجعاً. وعن الأوقات الأفضل لزيارة عيادات الأسنان، قال استشاري طب الأسنان الدكتور هرساني: يفضل تحديد المواعيد في الصباح الباكر، التي يكون فيها الشخص أكثر راحة وأقل توتراً، مع تجنب الفترات التي يكون فيها الشخص مرهقاً أو بعد يوم عمل طويل، فيما يفضل للأطفال اختيار الأوقات التي يكونون فيها نشطين وغير متعبين، فرهاب طبيب الأسنان حالة شائعة، لكنها قابلة للعلاج عبر إستراتيجيات بسيطة وعملية.
«الغاز المضحك»..
هل هو الحل؟
أخصائية طب أسنان الأطفال الدكتورة نور الهدى حجازي، عرّفت فوبيا طبيب الأسنان بالخوف المفرط، إذ يعانى بعض الأشخاص من القلق والاضطراب الشديد عند التفكير في الذهاب إلى طبيب الأسنان، ويعود ذلك إلى التاريخ العائلي، فالعامل الوراثي من بين الأسباب وكذا سماع البعض عن تعرض لصدمات مثل الأحداث المؤلمة من سوء معاملة أو عنف عند زيارة الطبيب. وتزرع العوامل البيئية الخوف لدى الأطفال في مرحلة طفولتهم وتستمر معهم، وفى الغالب تكون قصصاً خيالية مخيفة يسمعونها في أوساط العائلة والأقارب كوسيلة عقاب.
وعن أعراض الخوف من طبيب الأسنان النفسية والجسدية قالت أخصائية طب أسنان الأطفال الدكتورة حجازي لـ «عكاظ»: تتمثل في البكاء، القلق، الأرق ومشاكل النوم، الدوخة وفقدان الوعي، التعرق، خفقان القلب وصعوبة التنفس، وبعض اضطرابات المعدة، وتترتب على ذلك آثار صحية تتمثل في الإصابة بتسوّس متقدم في الأسنان والتهاب عصب السن، وخراجات، وفقدان الأسنان.
وعن دور طبيب الأسنان في التخلص من هذه الفوبيا قالت الدكتورة حجازي: التحدث مع المريض وتهدئته ومحاولة إزالة حاجز الخوف، وشرح الأجهزة والتقنيات الحديثة في طب الأسنان التي تساعد في العلاج دون ألم، وأن يشارك الطبيب المريض في الخطة العلاجية، ومع استخدام الغاز المضحك (nitrous oxid) للحد من قلق المريض ومساعدته على الاسترخاء، وفي بعض الأحيان اللجوء إلى علاج الأسنان تحت التخدير الكلي.
ويُنصح الآباء والأمهات بالوقوف والبقاء بالقرب من أطفالهم أثناء وجودهم وجلوسهم على كرسي العلاج داخل العيادة، وإذا استدعى الأمر الجلوس على كرسي العلاج واحتضان أطفالهم لتعزيز شعورهم بالدعم النفسي.
التخويف بالعيادة
أخصائي تقويم الأسنان الدكتور خالد شيبان، أرجع لـ«عكاظ»، خوف البعض من عيادات الأسنان إلى خوضهم بعض التجارب التي ربما تعرضوا لها خلال حياتهم أو سمعوا بها من بعض أقاربهم أو أصدقائهم، وتحولت تلك القصص والمواقف إلى مخاوف وصلت إلى درجة الرعب، وبالتالي بات هؤلاء يعيشون بحالة من الذعر عند التعرض لأي شيء يتعلق بالأسنان، ولا يطيقون طرق أبواب عيادات الأسنان إلا عند الضرورة القصوى، ومثل هؤلاء يحتاجون إلى استشارة نفسية للتغلب على معاناتهم، والأهم من كل ذلك ألا نلجأ كآباء وأمهات إلى تخويف أبنائنا من طبيب الأسنان وتصوير عيادته على أنها عيادات خوف لهم، فبعض الأمهات يلجأن إلى أسلوب التخويف «تجلس هادي وألا أوديك دكتور الأسنان يخلع ضرسك»، هذه طريقة خاطئة ومنفّرة وسلبية على نفوس أطفالنا، والحال نفسه ينطبق على اصطحاب الأطفال إلى عيادة الأسنان عند خلع سن أو ضرس.
ويرى الدكتور شيبان ضرورة أن تتوفر في عيادة الأسنان شاشة لعرض أفلام الكارتون للأطفال وحتى للكبار من خلال أفلام جاذبة أو موسيقى هادئة تلهيهم وتشتت انتباههم، وأن يراعي طبيب الأسنان عدم الشروع في العلاج وبالذات مع الأطفال؛ الذين يظهر عليهم الخوف والرعب من المرة الأولى، وأن يجعلها مراجعة تعارف وصداقة بين المريض والطبيب لكسب ودّه وإزالة الخوف والرعب.
أخبار ذات صلة