خلاف عون وسلام على الحاكم...أول الغيث أم محطة عابرة؟ - خليج نيوز

ما حصل في جلسة مجلس الوزراء أمس الأول يعيد القارئين إلى ما في اتفاق الطائف من هفوات يُفترض أن تُعَالج قبل أن تتطور الأمور إلى غير ما أراده النواب الذين اجتمعوا في مدينة الطائف قبل ما يقارب خمس وثلاثين سنة. ومن بين البنود التي يجب أن ينكّب مجلس النواب على تعديلها مادة من بين مواد كثيرة، وهي تتعلق بالاستشارات النيابية التي تلزم رئيس الجمهورية بتسمية الشخصية، التي يجمع عليها النواب، لتولي تشكيل الحكومة بالتوافق والتنسيق مع رئيس الجمهورية.   

Advertisement

ما جاء في الطائف من بنود قد حدّت من سلطة رئيس الجمهورية، أيًّا يكن هذا الرئيس، سيقود حتمًا إلى سلسلة من التوترات بين الرئيس الأول والرئيس الثالث في التراتبية الهرمية للسلطة. وما لجوء مجلس الوزراء إلى التصويت في مسألة تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وحصول الدكتور كريم سعيد على 17 صوتًا مقابل 7 أصوات  لوزراء اعترضوا أو تحفّظوا عليه سوى عيّنة غير مشجّعة على مسرى العلاقات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية في ربيع السنة المقبلة.
فهذه الإشكالية بين الرئيسين عون وسلام مرشحّة لأن تتفاعل في القرارات الحسّاسة، التي ستضطّر الحكومة الى اتخاذها، وهي كثيرة وتتطلب توافقًا بينهما، والتي تنعكس طبيعيًا على أجواء مجلس الوزراء غير المتجانس حتى ولو التقت مصلحة كل من وزراء "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" و"حزب الله" وحركة "أمل"، وعددهم سبعة عشر وزيرًا، أي الثلثين زائد واحد، في حين لم يتمكّن رئيس الحكومة من تأمين الثلث المعطّل، وهو ثمانية وزراء، لكي يستطيع أن يفرض رأيه على الفريق الآخر.
وفي ظلّ هذا الانقسام الحاد داخل قاعة مجلس الوزراء كانت إسرائيل تقصف وتدّمر وتقتل وتهجّر من جديد. فإذا لم يستطع كل من الرئيسين عون وسلام التوافق على اسم واحد لتولي مسؤولية حاكمية مصرف لبنان فكيف ستكون عليه الأمور في حالات قد تكون حسّاسة ودقيقة أكثر من هذه المسألة، التي كان يُعتقد أنها سهلة المنال. ولكن تبيّن للقاصي والداني أن القصة ليست قصة "رمانة" تعيين كريم سعيد حاكمًا لمصرف لبنان بقدر ما هي ربما "قلوب مليانة"، خصوصًا أن اللهجة التي خاطب بها الرئيس سلام اللبنانيين بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء لا توحي بأن أمور البلد تسير على السكّة الصحيحة، وبالتحديد عندما أعلن "أن على الحاكم الجديد التقيد بسياسة الحكومة المالية وحفظ الودائع، وإعادتها إلى اصحابها." فهل يمكن اعتبار أن رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، ومن خلفهما مجموعة "كلنا إرادة"، قد خسرا اول منازلة سياسية مع رئيس الجمهورية؟
 وعلى رغم الحملات التي شنتّها الجيوش الالكترونية التابعة لهذه المجموعة، هي شبيهة بالحملة التي قامت بها عشية الاستشارات النيابية الملزمة، والتي أدّت إلى سير الكتل النيابية، وحتى تلك التي تُعتبر سيادية ككتلة "الجمهورية القوية"، في ركب الموجة غير المسبوقة، والتي أدّت إلى تسمية وازنة لنواف سلام.
فتعيين سعيد حاكمًا لمصرف لبنان هو أول اختبار جدي للعلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، والتي اهتزّت أمس الأول، وهي مرشحة للتفاعل أكثر، خصوصًا أن سلام كوّن في "جلسة كريم سعيد" فكرة واضحة عمّا ستكون عليه جلسات التعيين اللاحقة، وقد جاءت نتيجة التصويت لغير ما أرد أن يكون عليه المسرى الحكومي. وهو قد عبّر بالتصريح المكتوب الذي تلاه بعد الجلسة العاصفة عن امتعاضه من هذه النتيجة غير المرضية بالنسبة إليه وفريقه السياسي.
ولكن من جهة أخرى، فإن بعض الأوساط السياسية، والتي تلعب دورًا محوريًا في تقريب وجهات النظر، ترى أن التباين بين عون وسلام لن يؤثر على سير عمل الحكومة ولن يكون سبباً لتعطيل عملها. فرئيس الجمهورية يريد تسيير شؤون المؤسسات والشعب، ويبذل قصارى جهده للتوافق، لكن إذا لم يحصل التوافق فسيلجأ إلى التصويت، إذ لا يمكن لوزير أن يعارض أمراً ما ويبقي البلاد معلقة لكي يرضى، في حين أن آليات الدستور واضحة لاتخاذ القرار، لذلك لن يقبل الرئيس عون بتعطيل عمل الحكومة.
فما حصل داخل قاعة مجلس الوزراء في القصر الجمهوري هو أمر طبيعي من حيث تطبيق حرفي للمادة 65 من الدستور، ولكن أن يقول سلام بأنه تحفّظ على تعيين سعيد لأنه "حريص على حقوق المودعين، وعلى أصول الدولة" فأمر آخر، وكأنه أراد أن يقول بأن الرئيس عون ومعه 17 وزيرًا غير حريصين على حقوق المودعين. وهذا ما أزعج أوساط قصر بعبدا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق هذا ما بقي من ذكرى 8 و14 آذار..."وكأن شيئًا لم يكن" - خليج نيوز
التالى نظام "فيرسيوس".. أحدث الأنظمة الجراحية الروبوتية في لبنان - خليج نيوز