Advertisement
معطيات كثيرة تُعرف عن هذه الحرب، لكنه في المقابل هناك أسرار أخرى ما زالت "مخفية"، فكثيرون لا يعرفونها، حتى أنَّ من عاصرها بشكلٍ مباشر لا يعرفون أشياء كثيرة عما كان يجري في الكواليس.
حينما يُحكى عن الحرب، تعود الذاكرة إلى ما كانت تفعله الأحزاب اللبنانية التي شاركت فيها، لكن ما من مرةٍ حُكَي عمَّا عن دور الجيش آنذاك وتحديداً في بدايات الحرب، والذي انقسمَ لاحقاً بين القوى اللبنانية وباتَ جيشاً فئوياً لا وطنياً.
فما هي الأسرار التي تحدّث عنها جابر في الذكرى الـ50 للحرب؟ وأي دور كان للجيش آنذاك في ظل اقتتال داخلي دام 15 عاماً، من الـ1975 ولغاية 1990؟

نارٌ تحت الرماد
في حديثٍ مطول عبر "لبنان24"، يقول جابر إن سبب الحرب الأهلية اللبنانية كان الوجود الفلسطيني المُسلح، مشيراً إلى أنه تمّ التحضير لها قبل سنوات من اندلاعها، وقال: "قبل بدء الحرب عام 1975، حصلت اشتباكات بين الجيش والفلسطينيين عام 1973. في الواقع، كان الوجود الفلسطيني المسلح داخل لبنان قد تزايد بكثافة اعتباراً من العام 1970 عقب اتفاق القاهرة عام 1969 والذي أباح الوجود الفلسطيني في لبنان".
يقولُ جابر أيضاً أن الأحزاب اللبنانية كانت تتحضر أيضاً لخوض الحرب، مشيراً إلى أن التسليح كان قائماً، فيما الذخيرة كانت تتدفق إلى المخازن الحزبية، ويقول: "النار كانت تحت الرماد، والأجواء للحرب كانت جاهزة لتندلع عام 1975 ليشهد لبنان صراعاً مميتاً حكمته الميليشيات، فيما البلاد أنهكت بشكل كامل".
ماذا حصل بين 13 نيسان و 13 أيلول 1975؟
يعود جابر بذاكرته إلى يوم 13 نيسان 1975، ويستذكر ما حصل معه آنذاك وكيف تلقى خبر حادثة بوسطة عين الرمانة والتي تعتبر شرارة بداية الحرب اللبنانية.
في حديثه عبر "لبنان24"، يقول جابر: "حينها، كان يوم 13 نيسان قد صادف يوم الأحد.. كنت ضابطاً في الجيش وأذكر أنني كنت في مسقط رأسي النبطية. فجأة، تم استدعائي للالتحاق بقيادة الجيش على عجل. كنتُ آنذاك برتبة نقيب، وطُلب مني أن نذهب مجموعة من الضباط لتشكيل مكتب ارتباط عسكري في منطقة المتحف بعد حادثة عين الرمانة. حينها، استشعرت أن الحرب قد بدأت، فالأحداث التي حصلت بعدها كانت عديدة وكثيرة".
هنا، يقول جابر: "المصادفة أنه ذاك النهار كان يوم أحد أيضاً.. كنتُ في جنوب لبنان وحينها صُودف يوم مولدي. تلقيت اتصالاً من العقيد ديب كمال للاتحاق فوراً ببيروت، وطُلب مني الالتحاق فوراً بطرابلس لأن هناك مسلحين نفذوا هجمات ضد المسيحيين".
سرّ لقاء "الخصوم" على الغداء
ويتابع: "اللقاء كان ودياً جداً، واستمر لساعات، وتبادل كل طرف وجهات النظر مع الآخر.. كان الكلام واضحاً بأن المؤامرة التي هددت لبنان كبيرة، لكن كل جهة تريد الدفاع عن نفسها وعن وجودها".
سرٌّ آخر.. اتصالٌ من كمال جنبلاط
ويُكمل: "فعلياً، اهتميت بالأمر بشدة، فاتصلت ببيت الكتائب وتحديداً بالقيادي في الحزب جوزيف شادر، فأبلغني الأخير أن الشخص من آل عساكر كان يعمل جاسوساً لصالح جنبلاط ولن يتم إطلاق سراحه. عندها، أبديت موقفاً اعتراضياً على الأمر، فقلت لشادر حينها إنه لا داعي بعد ذلك للاتصال بي والطلب مني تحرير مخطوفين من قبضة الفلسطينيين. هنا، عاد شادر وكرر أنه لن يقوم بتحرير عساكر، مبدياً إصراراً على موقفه".
وتابع: "بعد ذلك، اتصلتُ ببشير الجميل، والأخير أبدى ليونة شديدة ومطلقة وتكفل بمتابعة الأمر.. وبعد وقتٍ قصير، تم تحرير عساكر بالفعل، وجرى إرساله إلى منطقة المتحف ومن هناك تمّ إيفاده إلى منزل كمال جنبلاط".
وتابع: "حينها، من شهد على هذا الاتصال من كمال جنبلاط كان عقيداً من آل الدحداح. الحديث استمرّ نصف ساعة وحينها سرد لي جنبلاط أسباب الحرب وخلفياتها، أما أنا فلم أنطق الا ببضع كلمات طيلة ذاك الوقت. ما حصل أيضاً هو أن الدحداح عمد إلى تسجيل تلك المكالمة لأرشفتها لكن الوثيقة ضاعت واختفت خلال الحرب وحاولت مراراً البحث عنها من دون أي جدوى".
سر وقف إطلاق النار
وأردف: "حينها، ساد الهدوء أرجاء الجبهة لغاية الساعة 4 فجراً، وفجأة، تمّ إطلاق قذائف مدفعية من نوع هاون عيار 120 من حرش بيت مري باتجاه بيروت الغربية، وما تبين هو أن الفاعل من جماعة الصاعقة التي لا يمون عليها أبو حسن سلامة. تلك الخطوة أعادت إشعال الجبهة، علماً أن مقاتلي الصاعقة الذين قصفوا بيروت الغربية، عمدوا أيضاً إلى إطلاق 4 قذائف على بيروت الشرقية".
حادثة "تطويق القناص"
لا يخفي جابر سراً آخر يرتبطُ بقناصٍ كان يقتل المواطنين المارين في بيروت، ويضيف: "كان القناص ذاته يقتل المسلمين والمسيحيين، لاسيما في شارعي عمر بيهم وسامي الصلح".
ويتابع: "حينها، وصلتنا معلومات عن هذا القناص ومكانه، وأمرت ضابطاً في قوى الأمن الداخلي يُدعى زيدان بالتحرك لتطويق القناص واعتقاله، وقلت للقوة إنه في حال لم تنجح عملية التوقيف، فيجب قتل المهاجم فوراً".
وتابع: "لم استحمل الأمر إطلاقاً، فاتصلت بوزير الداخلية آنذاك سعيد نصرالله الذي كان أيضاً رئيس أركان الجيش، فقال لي إن الموضوع يتجاوزه، وما تبين هو أن القناص تم إرساله من أحد الدول العربية وما عُلم أنه أتى إلى لبنان ومن الممنوع قتله".
جلسة عسكرية وكلام "الإنقلاب"
يتحدث جابر عن جلسة عسكرية شهدها خلال شهر أيلول 1975، وتحديداً عندما اندلعت الاشتباكات مُجدداً في بيروت، وقال: "حينها، كنتُ في وزارة الدفاع باليزرة.. كنا نبيت هناك ونسمع أصوات الاشتباكات في بيروت. ضباط الجيش كانوا يقفون على أسطح المباني لمشاهدة الاشتباك ليلاً.. كنتُ أتأثر كثيراً بما كان يحصل، وفي ذات مرة قررتُ النزول إلى مكتب رئيسي العقيد جميل تقي الدين، وكان ذلك خلال فترة الليل".
وقال: "ما إن وصلت إلى هناك، حتى فوجئت بوجود 4 ضباط برتبة عقيد في المكتب، وجميعهم من مختلف الطوائف. عندها، قمتُ بتأدية التحية، فسألني تقي الدين ماذا أريد، فقدمت له وجهة نظري التي كانت تقول إنه على الجيش التصرف لوقف إطلاق النار من دون أن ينحاز لأي فريق. عندها، قال تقي الدين إن رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية يريد تدخل الجيش ضد الفلسطينيين، بينما رئيس الحكومة آنذاك رشيد كرامي كان يخاف دخول الجيش في المعارك كي لا يتم قتل عناصره".
هنا، يختم جابر بالقول: "هناك أسرار كثيرة عن دور الجيش الذي لا يجب أن يأخذ طرفاً مع أحد، وفي حال حصل ذلك، عندها ستنقسم المؤسسة العسكرية وسيضيع لبنان".