الشرع يراهن على الخليج … فهل يخاصم أنقرة؟ - خليج نيوز

زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية حملت رسائل واضحة حول إعادة ترتيب التحالفات في المنطقة، لكن وقعها كان أكثر تأثيراً على المشهد السوري المتقلّب، حيث يواصل الرئيس السوري أحمد الشرع إعادة تموضعه الإقليمي بطريقة تُثير الكثير من التساؤلات. فبعيداً عن الجدل المتكرر حول خلفيات صعوده إلى السلطة بعد سقوط النظام السابق، فإن الشرع اليوم يظهر كمنفصل تدريجياً عن تركيا، في انتقالٍ لافت نحو الحضن الخليجي بدعم ورعاية مباشرة من الولايات المتحدة الاميركية.

Advertisement


المؤشرات على هذا التبدّل لم تعد مجرّد تحليلات، بل باتت حقائق سياسية تتكشّف تباعاً، حيث إنّ لقاء الشرع بترامب، الذي تمّ التوافق عليه في كواليس محسوبة ومدبّرة من العواصم الخليجية، لم يكن ليحصل لولا شبكة التفاهمات المتسارعة التي وفّرت له غطاءً سياسياً جديداً، والذي تُرجمت أولى نتائجه برفع العقوبات الأميركية عن الحكومة السورية الجديدة. 

ورغم ما نُقِل عن مشاورات جرت بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن الملف السوري،خصوصاً في ما يتعلّق بإمكانية رفع العقوبات، فإن الواقع يُظهر أن التفاهمات الفعلية قد تمّت خارج هذا المسار. إذ إن المبادرة إلى ترتيب لقاء ترامب بالشرع وتوفير الغطاء السياسي له، جاءت بشكل واضح من العواصم الخليجية، ما يعكس انتقال مركز الثقل في الملف السوري أقلّه في هذه المرحلة. وترى مصادر دبلوماسية مطّلعة أن هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل ضمن سياق إقليمي جديد تسعى فيه الولايات المتحدة الاميركية إلى إعادة هندسة توازن القوى، مانحةً الحلفاء الخليجيين هامشاً أوسع للتحرك السياسي والدبلوماسي في ساحات النزاع، وعلى رأسها سوريا.

لكنّ هذا التحوّل لم يكن بلا مقابل؛ إذ ثمّة حديث متنامٍ في الأوساط الدبلوماسية عن تنازلات قدّمها الشرع في الملف الإسرائيلي، منها انفتاحه على تسوية قد تشمل اتفاق سلام مشروطاً أو تطبيعاً محدوداً مقابل انسحاب إسرائيلي شبه كامل من الأراضي السورية المحتلة، باستثناء الجولان. وهنا تطرح تساؤلات جدية: هل سيقبل الشرع بالتخلي عن الجولان؟ وهل ستكافئه إسرائيل بخطوة تعزز موقعه داخلياً وإقليمياً؟ هذه أسئلة مشروعة في ظل دينامية سياسية لا تزال تخضع للتفاوض والتشكيل.

المفارقة أن الرهان على الدعم الخليجي، وإن كان قد وفّر للشرع قنوات تمويل وتأثير إقليمي، إلا أنه في الوقت نفسه قد يعرّضه لفقدان ورقة استراتيجية ثقيلة تتمثل بالنفوذ التركي الواسع في الشمال السوري. فتركيا ليست فقط صاحبة اليد الأقوى ميدانياً، بل تملك أيضاً قدرة على تحريك المعادلات داخل سوريا. ومن هُنا، فإن قطع الجسور مع أنقرة قد يرتدّ سلباً على استقرار الشرع السياسي، ما لم يكن هناك اتفاق ثلاثي أميركي - سعودي - تركي يضمن احتواء التصعيد والتنافس بين هذه الأطراف.

زيارة ترامب التي بدأت خليجية بامتياز، تعكس إلى حدّ بعيد التوجّه الأميركي نحو إعطاء الأولوية للحلفاء التقليديين في الخليج على حساب شركاء آخرين في المنطقة. ومن الواضح أن هذا التموضع الأميركي الجديد أتاح للمحور الخليجي التحرك بحرية أكبر في رسم خرائط النفوذ داخل ساحات ملتهبة كسوريا، حيث بدا الشرع مستعداً للمراهنة على هذا الانفتاح رغم مخاطره المحتملة.

يبقى أن نتابع ما قد يحمله هذا التقارب من نتائج ملموسة، خصوصاً في ما يتعلق بموقف إسرائيل، التي باتت، بحكم الأمر الواقع، عنصراً حاسماً في مستقبل السلطة السورية. فإذا ما قُدّم لها عرض جذّاب من الشرع، هل ستردّ بمكاسب حقيقية أم تكتفي بإدارة اللعبة من خلف الستار؟ هذا ما ستكشفه الأسابيع المقبلة، في مشهد إقليمي يتغير بسرعة لافتة. 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تقرير لـ"Responsible Statecraft": هذه دلالات رفع العقوبات الأميركية عن سوريا - خليج نيوز
التالى دراسة جديدة.. أدوية شائعة تحمي من هذا المرض - خليج نيوز