"حزب الله" بربطة عنق؟ - خليج نيوز

لم يكن ينقص رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" الحاج محمد رعد، الذي زار في أقل من أسبوع القصر الجمهوري والسراي الحكومي، على رأس وفد من الكتلة، سوى أن يعقد ربطة عنق. وحتى من دون هذه الربطة بدت لغته عقب اجتماعه مع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة مختلفة عن لغته السابقة، شكلًا ومضمونًا. كان في كلامه رجلًا ديبلوماسيًا إلى أقصى الحدود. وهذا لم يعهده أحد به من قبل. دخل إلى السراي مبتسمًا. وخرج منها أكثر ابتسامًا. وإذا أراد الباحثون في لغة الجسد وتعابير الوجوه إجراء مقارنة بين لقاء رئيس الحكومة مع رئيس مجلس النواب ولقائه مع وفد كتلة "الوفاء" لخلصوا إلى أكثر من استنتاج.

Advertisement


ومن بين هذه الاستنتاجات أن لقاء "عين التينة" سبقته جدلية ثنائية بين الرئاستين الثانية والثالثة على خلفية المواقف، التي لم يترك رئيس الحكومة أي مناسبة، سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية، إلاّ وكان يتطرق فيها إلى ملف سلاح "حزب الله". وقد قوبلت هذه المواقف بردود فعل متفاوتة من قِبل "الثنائي الشيعي". وهذه الحدّة في المقاربات المتباعدة بين رئيس الحكومة وكل من كتلتي "الوفاء للمقاومة" و"التنمية والتحرير" دفعت رئيس الجمهورية إلى التدخّل شخصيًا في محاولة منه لتبريد الجو بعدما بلغ درجة مرتفعة من الحماوة. ولعل كلام الرئيس بري "بتسخّن منسخّن. بتبرّد منبرّد" أكبر دليل على ما كانت قد وصلت إليه هذه المواقف من حدّة متفاوتة في طريقة التعبير.

ولكي لا تذهب مساعي الرئيس عون الهادفة إلى معالجة موضوع سلاح "حزب الله" بهدوء وروية سدىً، نشطت الاتصالات بين بعبدا والسراي الحكومي بهدف التوصّل إلى ما يُعرف باللغة اللبنانية بمقولة "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، خصوصًا بعدما بلغت هذه المساعي مرحلة متقدمة إذا ما صحّت المعلومات الصحافية، التي تتحدّث عن بعض الإيجابيات، ولكن غير الواضحة حتى الآن في انتظار إنضاج الظروف المحلية والدولية والإقليمية الملائمة لمقاربة هذا الملف بما يؤدّي إلى نتائج عملية.

وعليه، فقد زار رئيس الحطومة "عين التينة"، واستقبل في السراي الحكومي وفدًا من "حزب الله". وعلى رغم أن اللقاء الأول كان متشنجًا، وهذا ما عكسته عدسات المصورين، حيث بدا رئيس الحكومة متجهمًا وعبوسًا، فإن أجواء اللقاء الثاني كان على عكس الأول، وإن ظاهريًا، حيث تبادل الطرفان الابتسامات الإيحائية.
فليس بالعبوس والتجهم ولا بالابتسامات العريضة، كما تراها أوساط سياسية متابعة، يمكن التوصّل إلى حلول ممكنة في ما خصّ ملف السلاح، وهو ملف شائك ومعقّد، وله خلفيات إقليمية أكثر مما له أبعاد محلية.

فـ "حزب الله" لا يبدو حتى الساعة على استعداد لتقديم أي تنازل إضافي في هذا الملف ما لم يضمن ما يمكن أن تحقّقه الديبلوماسية اللبنانية في شأن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كل شبر من الأراضي اللبنانية المحتلة، وبالتالي وقف اعتداءاتها المستمرّة على ما تعتبره تل أبيب "أهدافًا عدائية".

وجوابًا عن سؤال "حزب الله" عن الضمانات الممكنة، التي يمكن أن تقدّمها الدولة اللبنانية إليه في مقابل تسليمه سلاحه يُعاد ما قيل لغيره قبل سنوات بعيدة عندما سألوا عن الضمانات مقابل تسليم السلاح. فجاء الجواب يومها بصيغة سؤال عن الضمانات في حال بقي السلاح في أيدي الميليشيات. هذا الجواب – السؤال  يُعاد طرحه على "حزب الله" اليوم، الذي يؤخذ عليه بأن سلاحه لم "يحمِ لا لبنان ولا بيئته من ردع إسرائيل عن القيام بما قامت به من مجازر وتدمير وتهجير".

وإلى أن تقتنع القيادتان السياسية والعسكرية والأمنية في "حزب الله" بأن سلاح الجيش هو وحده الذي يحمي لبنان وجميع اللبنانيين وغير اللبنانيين الموجودين على الأراضي اللبنانية، وأن أي سلاح آخر، سواء أكانت هويته لبنانية أو فلسطينية أو سورية، ليس سوى حجة إضافية تُعطى لإسرائيل لكي تستمرّ في عدوانها المتعدّد الأوجه والأهداف، وإن كانت لا تحتاج إلى أي ذريعة لكي تقوم بما تقوم به من اعتداءات موصوفة.

وعلى رغم أن بعض المعلومات تحدّث عن أن لقاء السراي لم يتطرّق إلى موضوع السلاح لا من قريب ولا من بعيد، وإن كانت "ملائكته" كانت حاضرة، فإن هذا الأمر لا يعني بالضرورة أنه لم يكن حاضرًا في خلفية المواضيع الأخرى، التي طرحها وفد "حزب الله"، ومن بينها بالطبع موضوع إعادة إعمار ما دمرّته إسرائيل.
ولكن مقاربة هذا الموضوع، في رأي الأوساط السياسية نفسها، مرتبط حكمًا بما ستؤول إليه الاتصالات، التي تقوم بها الديبلوماسية اللبنانية مع الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول المؤثرّة للضغط على إسرائيل لكي تسحب جيشها من التلال الخمس وتوقف اعتداءاتها المتواصلة منذ اليوم الأول لاتفاق وقف إطلاق النار، وتوازيًا لإقناع "الحزب" بتسليم سلاحه، وخلع بزّته المرقّطة واستبدالها بـ "ربطة عنق".

هي حلقة مفرغة على ما يبدو. فهل ينجح الرئيس عون في ملء فراغات هذه الحلقة؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الطعن بانتخابات اتحاد بلديات المتن - خليج نيوز
التالى اعتصام في طرابلس رفضاً لعرض كوميدي - خليج نيوز