Advertisement
ووسط هذا الجدل، تبرز تساؤلات عدّة: هل يمتلك حاكم مصرف لبنان الصلاحية لاقرار مثل هذا المشروع؟ من هي الجهات التي سيشملها؟ وما هي الآلية التي يمكن أن تُعتمد في حال تم السير به فعلياً؟
وهنا، يشرح الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور نسيب غبريل لـ "لبنان 24"، أن إمكانية تحويل هذا المشروع إلى قانون رسمي "هو من صلاحية مجلس النواب، وليس من صلاحية حاكم مصرف لبنان."
وأشار إلى أن مشروعاً مماثلاً كان قد قُدّم في العام الماضي من قبل الحكومة، ينصّ على فرض ضريبة بنسبة 17% (وهي ضريبة الأرباح المعتمدة في قانون الضرائب) على الفرق الذي استفادت منه بعض الشركات. هذه الشركات كانت قد حصلت على قروض بالدولار من المصارف، وسدّدتها إما بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، أو عبر شيكات مصرفية تقلّ قيمتها الفعلية عن قيمة القرض، ما يُعد ربحاً غير مباشر. لكن هذا المشروع لم يشهد أي تقدّم، وواجه حملة إعلامية واسعة.
وأوضح غبريل أنه في حال تقرّر تحويل المشروع إلى قانون رسمي، فالمسار يبدأ بإحالته إلى مجلس النواب حيث يُدرس في اللجان النيابية المشتركة، ثم يُعرض على الهيئة العامة لمناقشته، وفي النهاية يُطرح على التصويت من قبل النواب.
وبالعودة إلى الأقام، بلغت القروض المصرفية للقطاع الخاص في لبنان نحو 55.5 مليار دولار في عام 2019، منها حوالى 37.5 مليار دولار بالعملات الأجنبية و18 مليار دولار بالليرة اللبنانية. إلا أن هذه المحفظة تقلّصت مع نهاية عام 2024 إلى نحو 7 مليارات دولار، بعد أن قام عدد كبير من المقترضين بتسديد قروضهم بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف 1500 ليرة، أو عبر شيكات مصرفية بقيمة أدنى من القروض الأصلية.
وفي هذا السياق، يؤكد غبريل أنّ الأفراد الذين سدّدوا قروضهم بالدولار على سعر صرف 1500 ليرة، لا يُفترض أن تشملهم الضريبة، شرط الالتزام بتعميم مصرف لبنان الصادر في 26 آب 2020، بعد انفجار مرفأ بيروت. هذا التعميم سمح بتسديد القروض السكنية والشخصية والتعليمية وقروض السيارات بالليرة، بشرط ألا يتجاوز القرض 800 ألف دولار وألا يكون للمقترض حساب بالدولار في المصرف. وفي حال التقيّد بهذه الشروط، فإن هؤلاء الأفراد يُستثنون من أي إجراء ضريبي، حتى وإن كانت المبالغ المسدّدة مرتفعة نسبياً. أما في الحالات التي تخطّت هذا السقف، فستكون موضع بحث مختلف.
وأوضح أن التركيز الفعلي ينصبّ على الشركات التي سدّدت قروضها بالدولار إما بالليرة أو بشيكات مخفّضة القيمة، إذ يُفترض أن تدفع ضريبة أرباح على الفروقات، وفق مشروع قانون يفرض 17% على الفرق بين قيمة التسديد والقرض الأصلي. ويستند هذا المقترح إلى تقرير صندوق النقد الدولي (حزيران 2023)، الذي قدّر حجم هذه القروض بنحو 15 مليار دولار، ما يعني أن الإيرادات المتوقعة من هذا الإجراء قد تصل إلى نحو ملياري دولار.
أما في ما يخصّ آليات التنفيذ، فيؤكد غبريل غياب أي خطة واضحة حتى الآن، مشيراً إلى أن الشركات التي سددت قروضها بالدولار من ودائعها لا تُعد معنيّة. في المقابل، يتطلب حصر المستفيدين من الشيكات أو التسديد الجزئي بالليرة صدور تعميم جديد من مصرف لبنان يُلزم المصارف بتقديم البيانات اللازمة للسلطات المعنية.
ومن ناحية فوائد هذا القانون، يرى غبريل أن الإيرادات المتوقعة من هذا القانون يُفترض أن تُخصّص للمودعين، كخطوة رمزية لتعويض جزء من خسائرهم، إذ أن ما جرى منذ بداية الأزمة المالية مثّل عملية نقل للثروة من المودعين إلى المقترضين، بحسب توصيف صندوق النقد الدولي. غير أن التحدّي الأبرز يظل في تحديد الجهات التي استفادت فعلياً من هذه التسويات لتطبيق القانون بعدالة وفعالية.
باختصار، إذا أُقرّ هذا القانون، فإن الأفراد الذين التزموا بشروط تعميم مصرف لبنان الصادر في آب 2020 لن تشملهم الضرائب، بينما يُركّز المشروع على الشركات التي سدّدت قروضها بالدولار، إما بالليرة اللبنانية أو بشيكات بقيمة أقل من القرض الفعلي.
صحيح أن استرجاع جزء، ولو بسيط، من أموال المودعين عبر هذه الآلية قد يُشكّل خطوة رمزية في الاتجاه الصحيح، إلا أن تحميل المقترضين وحدهم تبعات ما جرى لا يُنصف الواقع. فالمطلوب ليس فقط تصحيح مسار الأرباح غير المستحقّة، بل وضع مقاربة شاملة تعيد توزيع المسؤوليات بشكل عادل.
وإذا كان الهدف تحقيق عدالة فعلية، فالأجدى أن تبدأ المحاسبة من المصارف التي استفادت من الأزمة، ومن الدولة التي تخلّت عن دورها الرقابي، بدلاً من الاستمرار في تحميل كلفة الانهيار للمودعين والمقترضين على حد سواء.