Advertisement
إلا أن هذه الخطوات التصعيدية، ورغم رمزيتها العالية، لا تعني بالضرورة أن ضربة عسكرية باتت وشيكة. فالمخاطر لا تزال مرتفعة، لكن الخيارات العسكرية تبقى مستبعدة لأسباب بنيوية تتعلّق بمصالح واشنطن وحساباتها الدقيقة، خاصة في المرحلة الراهنة.
أول هذه الأسباب هو الانشغال الأميركي الداخلي، وتحديدًا تركيز الرئيس الأميركي دونالد ترامب على القضايا الاقتصادية وإعادة رسم أولويات سياسته الداخلية، في ظل الانقسام الحاد داخل المجتمع الأميركي، وعودة ملفات الاقتصاد والهجرة والجريمة إلى الواجهة. الدخول في حرب مفتوحة مع إيران في هذه اللحظة قد يكلّف ترامب ما لا يستطيع تحمّله سياسيًا.
ثانيًا، تأتي الأزمة الاقتصادية العالمية – وخصوصًا الضغوط التضخمية والركود الذي يُخيّم على بعض الاقتصادات الغربية – كعامل كابح للمغامرات العسكرية، خصوصًا تلك التي قد تؤدي إلى تعطيل إمدادات النفط أو ارتفاع حاد في أسعار الطاقة عالميًا. فالحرب مع إيران ليست كأي مواجهة تقليدية، بل تعني تهديدًا مباشرًا للممرات الحيوية مثل مضيق هرمز، ما يعني أن التداعيات الاقتصادية ستكون كارثية حتى على الدول غير المنخرطة مباشرة في الصراع.
ثالثًا، تدرك واشنطن أن إيران، رغم أزماتها الداخلية، قادرة على الردّ الموجع، من خلال استهداف مصالح أميركية مباشرة، ما يجعل خيار الضربة العسكرية محفوفًا بعدم اليقين من حيث النتائج والقدرة على السيطرة على التصعيد.
وبالتالي، فإن المشهد الحالي يمكن وصفه بأنه محاولة ضغط سياسي وعسكري أميركي شديد قبل جولة المفاوضات، الهدف منه إما تحسين شروط التفاوض في أي محادثات مقبلة أو دفع إيران إلى تقديم تنازلات محددة، لا أكثر. وفي المقابل، يبدو أن طهران تعي هذا التوازن جيدًا، فتُظهر صلابة إعلامية وعسكرية، من دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة.
لا مؤشرات ملموسة على حرب وشيكة رغم التصعيد الظاهري. فالساحة لا تزال تُدار بلغة الرسائل والضغط المتبادل، مع إدراك الطرفين بأن أي مواجهة شاملة ستكون باهظة الكلفة وغير مضمونة العواقب.