مهما حاول أهل السلطة وضع المساحيق لتجميل ما في الواقع اللبناني من بشاعات وتشوّهات فإنهم، على ما يبدو، غير قادرين على إقناع اللبنانيين بأن لبنان سيكون في منأى عن تداعيات حرب الكبار، وهم يشاهدون بأم العين كيف تمرّ الصواريخ من فوق رؤوسهم في سماء مكشوفة أمام كل أنواع الصواريخ الإيرانية، التي تستهدف العمق الإسرائيلي، مع استمرار تحليق المسيرات الإسرائيلية التجسسية على مدى ساعات الليل والنهار، إضافة إلى ما حمله تصريح الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم من إيحاءات ملتبسة بالنسبة إلى انخراط "الحزب" في "حرب الكبار"، على رغم تأكيدات الرئيس نبيه بري بأن هذا الاحتمال غير واقعي.
ففي ظل اشتداد المواجهة المفتوحة بين هاتين الدولتين، اللتين عانى لبنان منهما ما لم يعانه أي بلد آخر من حروب مباشرة قامت بها إسرائيل على مدى سنوات، حتى أنها وصلت في العام 1982 إلى بيروت، وهي العاصمة العربية الوحيدة، التي احتُلت، وهو البلد الوحيد الذي فُرض عليه أن يكون، وغصبًا عنه، ساحة بديلة لما قبل هذا الصراع الحاصل اليوم، يقف لبنان في موقع شديد الحساسية، وسط هذا الصراع الإقليمي، الذي قد تتجاوز نيرانه ساحات الاشتباك المباشر لتهدّد أمنه واستقراره الداخلي. فلبنان، المتشابك سياسيًا وجغرافيًا مع المحور الإيراني عبر "حزب الله"، يجد نفسه مرة جديدة في عين العاصفة، وسط مخاوف متزايدة من أن تتحول المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية إلى شرارة تُشعل فتيل أزمة لبنانية شاملة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
فهذه الحرب قد أعادت تظهير الانقسام العمودي داخل الساحة اللبنانية بين محور "الممانعة" الذي يرى في ما يجري جزءًا من معركة كبرى ضد الهيمنة الإسرائيلية – الأميركية، وبين قوى أخرى تطالب بسياسة حياد أو "النأي بالنفس" عن صراعات المحاور. هذا الانقسام من شأنه أن يزيد الجمود السياسي تعقيدًا، ويعيق أي فرصة لإحداث خرق في الملفات الداخلية. كما أن تصاعد الاستقطاب السياسي قد يعيد إنتاج الخطاب التحريضي الذي سبق انفجار الحرب الأهلية في السابق.
ويضاف إلى المأزق السياسي ما يعانيه الاقتصاد المنهك أساسًا فيجد لبنان نفسه عاجزًا أمام أي هزات إضافية. ففي ظل غياب الإصلاحات، وتضاؤل المساعدات الخارجية، تأتي هذه الحرب لتُجهز على ما تبقى من مؤشرات تعافٍ. فمجرد تصاعد التوتر في الجنوب، أو إطلاق تهديدات متبادلة بين "حزب الله" وإسرائيل، من شأنه أن يُربك الحركة الاقتصادية، ويُضعف الثقة بلبنان كبيئة استثمارية، ويضغط على سعر صرف الليرة. أما ارتفاع أسعار النفط عالميًا، وتراجع حركة الاستيراد، فسيُترجمان بارتفاع محتمل في أسعار المواد الأساسية وزيادة نسب البطالة والفقر.
أمّا على الصعيد الأمني، فإن خطر توسع الحرب ليشمل الأراضي اللبنانية بات على قاب قوسين أو أدنى، خصوصًا بعد التصريح الحمّال الأوجه للشيخ نعيم قاسم. فجنوب لبنان، الذي كان خاضعًا لمعادلة ما يسمّى بـ "توازن الردع" بين "حزب الله" وإسرائيل، قد يتحول إلى ساحة مواجهة مباشرة، إذا ما قررت تل أبيب توجيه ضربات استباقية، أو إذا قرر "الحزب" الدخول على خط المواجهة دعمًا لإيران. ويضاف إلى ذلك خطر تسلل خلايا إرهابية قد تستغل الفوضى الإقليمية لتنفيذ عمليات داخل لبنان، فضلًا عن احتمالات الفلتان الأمني المحلي نتيجة تراجع هيبة الدولة.
ويضاف إلى كل هذه المخاوف التي قد تنتج عن أي تصعيد عسكري، حتى وإن لم يشمل كل الأراضي اللبنانية، موجات نزوح جديدة من المناطق الحدودية والضاحية الجنوبية، ما سيُفاقم الضغط على الخدمات الأساسية والبنى التحتية في المدن. كما أن التوتر الأمني وانهيار الاقتصاد سيزيدان من معدلات الفقر والبطالة، ويُفاقمان من ظواهر التفكك الأسري، والهجرة القسرية، والانكفاء الاجتماعي، فضلًا عن القلق النفسي والخوف الوجودي، مما يجعل اللبنانيين يعيشون في دوامة دائمة من الترقب والقلق.
إن الحرب الإسرائيلية – الإيرانية ليست شأناً خارجيًا بالنسبة إلى عدد لا بأس به من اللبنانيين، بل هي بالنسبة إليهم أزمة متفجرة تهدد استقراره من كل النواحي. والخشية الكبرى هي أن تتحول هذه الحرب من صراع على الإقليم إلى صراع في الإقليم، وأن يُدفع لبنان مرة جديدة إلى موقع الضحية في لعبة الأمم. وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبقى الرهان على وعي داخلي يضع مصلحة البلاد فوق كل المحاور، ويُنتج حدًا أدنى من التماسك الوطني يحصّن الساحة الداخلية من الانفجار.
Advertisement
فهذه الحرب قد أعادت تظهير الانقسام العمودي داخل الساحة اللبنانية بين محور "الممانعة" الذي يرى في ما يجري جزءًا من معركة كبرى ضد الهيمنة الإسرائيلية – الأميركية، وبين قوى أخرى تطالب بسياسة حياد أو "النأي بالنفس" عن صراعات المحاور. هذا الانقسام من شأنه أن يزيد الجمود السياسي تعقيدًا، ويعيق أي فرصة لإحداث خرق في الملفات الداخلية. كما أن تصاعد الاستقطاب السياسي قد يعيد إنتاج الخطاب التحريضي الذي سبق انفجار الحرب الأهلية في السابق.
ويضاف إلى المأزق السياسي ما يعانيه الاقتصاد المنهك أساسًا فيجد لبنان نفسه عاجزًا أمام أي هزات إضافية. ففي ظل غياب الإصلاحات، وتضاؤل المساعدات الخارجية، تأتي هذه الحرب لتُجهز على ما تبقى من مؤشرات تعافٍ. فمجرد تصاعد التوتر في الجنوب، أو إطلاق تهديدات متبادلة بين "حزب الله" وإسرائيل، من شأنه أن يُربك الحركة الاقتصادية، ويُضعف الثقة بلبنان كبيئة استثمارية، ويضغط على سعر صرف الليرة. أما ارتفاع أسعار النفط عالميًا، وتراجع حركة الاستيراد، فسيُترجمان بارتفاع محتمل في أسعار المواد الأساسية وزيادة نسب البطالة والفقر.
أمّا على الصعيد الأمني، فإن خطر توسع الحرب ليشمل الأراضي اللبنانية بات على قاب قوسين أو أدنى، خصوصًا بعد التصريح الحمّال الأوجه للشيخ نعيم قاسم. فجنوب لبنان، الذي كان خاضعًا لمعادلة ما يسمّى بـ "توازن الردع" بين "حزب الله" وإسرائيل، قد يتحول إلى ساحة مواجهة مباشرة، إذا ما قررت تل أبيب توجيه ضربات استباقية، أو إذا قرر "الحزب" الدخول على خط المواجهة دعمًا لإيران. ويضاف إلى ذلك خطر تسلل خلايا إرهابية قد تستغل الفوضى الإقليمية لتنفيذ عمليات داخل لبنان، فضلًا عن احتمالات الفلتان الأمني المحلي نتيجة تراجع هيبة الدولة.
ويضاف إلى كل هذه المخاوف التي قد تنتج عن أي تصعيد عسكري، حتى وإن لم يشمل كل الأراضي اللبنانية، موجات نزوح جديدة من المناطق الحدودية والضاحية الجنوبية، ما سيُفاقم الضغط على الخدمات الأساسية والبنى التحتية في المدن. كما أن التوتر الأمني وانهيار الاقتصاد سيزيدان من معدلات الفقر والبطالة، ويُفاقمان من ظواهر التفكك الأسري، والهجرة القسرية، والانكفاء الاجتماعي، فضلًا عن القلق النفسي والخوف الوجودي، مما يجعل اللبنانيين يعيشون في دوامة دائمة من الترقب والقلق.
إن الحرب الإسرائيلية – الإيرانية ليست شأناً خارجيًا بالنسبة إلى عدد لا بأس به من اللبنانيين، بل هي بالنسبة إليهم أزمة متفجرة تهدد استقراره من كل النواحي. والخشية الكبرى هي أن تتحول هذه الحرب من صراع على الإقليم إلى صراع في الإقليم، وأن يُدفع لبنان مرة جديدة إلى موقع الضحية في لعبة الأمم. وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبقى الرهان على وعي داخلي يضع مصلحة البلاد فوق كل المحاور، ويُنتج حدًا أدنى من التماسك الوطني يحصّن الساحة الداخلية من الانفجار.