قبل نحو 24 ساعة من موعد الجلسة المفترضة لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري عند الساعة الحادية عشرة من صباح الخميس، يستأثر مشهدان "متناقضان" إلى حدّ بعيد بالمشهد، أولهما الاستنفار غير المسبوق الذي يحيط بها، والذي غاب عن كلّ الجلسات السابقة، مع "زحمة" الموفدين الدوليّين الذين حطّوا في بيروت لمواكبة الجلسة، وربما لما هو أكثر من مجرّد المواكبة، وفق ما يتوجّس البعض.
Advertisement
أما المشهد الثاني، فيختصره الانقسام السياسي المستمرّ قبل ساعات من الجلسة، في ظلّ تجاذبات لا تتوقف بين هذا المعسكر وذاك، وربما تقاذف للكرة اعتاد عليه مختلف الأفرقاء، وهو ما يجسّده بوضوح السجال بين رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وخصومه في "الممانعة" كما يسمّيهم، في إشارة إلى "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر"، وذلك على خلفية الموقف من ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون.
ولعلّ آخر تجلّيات هذا السجال تمثّل في البيان اللافت الذي أصدره جعجع، وطالب بموجبه فريق "الممانعة" بإعلان رسميّ وواضح وصريح بدعم العماد جوزيف عون، ليس ليدعمه في المقابل، بل "لينظر بإمعان في هذا الأمر"، وفق ما جاء في بيانه، فكيف يُفهَم مثل هذا الموقف عن رئيس حزب "القوات"، وهل يرمي بموجبه الكرة في ملعب "حزب الله" وحلفائه، أم أنه يطلق ببساطة "رصاصة الرحمة" على ترشيح عون، وربما على جلسة الخميس عن بكرة أبيها؟!
ماذا يريد جعجع؟
بالنسبة إلى المحسوبين على "القوات اللبنانية"، والمؤيّدين لوجهة نظر جعجع، فإنّ ما فعله الأخير في بيانه، لم يكن "ضربة" لترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، كما حاول بعض خصومه الإيحاء، أو "طعنة" للمجتمع الدولي، الداعم لهذا الترشيح كما أصبح واضحًا، ولكن بكلّ بساطة، الإضاءة على أنّ "العقبة الحقيقية" التي تعترض وصول عون إلى قصر بعبدا، تكمن في موقف "فريق الممانعة" غير المؤيّد لترشيحه، ولو ادّعى خلاف ذلك.
يقول هؤلاء إنّ جعجع سمّى في بيانه الأسماء بمسمّياتها، فهو أراد التصدّي لمحاولة خصومه رمي الكرة في ملعبه، وكأنّه من يرفض انتخاب العماد عون، في حين أنّه كان المبادر إلى تسميته أساسًا والانفتاح عليه منذ اليوم الأول، في وقت تؤكد الأرقام وفق كل التقديرات، أنّ وصول قائد الجيش إلى بعبدا، متعذّر من دون تأييد معسكر "حزب الله" وحلفائه، إضافة إلى "التيار الوطني الحر"، الذين يشكّلون مجتمعين، وبالأرقام، ثلثًا معطّلاً جدّيًا.
ويلفت المحسوبون على "القوات" إلى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري واضح في رفضه انتخاب عون، وهو يجزم بأنّ ذلك يتطلب تعديلاً دستوريًا غير متاح، وكذلك رئيس "التيار الوطني الحر" الذي يعتبر عون "خصمًا شخصيًا" له"، في حين أنّ "حزب الله" يصرّ على أنّ أصواته ستذهب لصالح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، رغم إدراكه انعدام حظوظه، ما يعني أن هذا الفريق يشهر "الفيتو" في وجه عون، ولو قال إنّ "لا فيتو".
محاولة "غير موفّقة"
إذا كان جعجع يستند في كلامه على "ثلث معطّل" يقول إنّ "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" يمتلكونه في وجه ترشيح عون، فإنّ ما فعله في بيانه الأخير برأي كثيرين، كان أن "عقّد" المهمّة، بدل أن يسهّلها، خصوصًا أنّ المرونة والليونة التي يبديها "الثنائي الشيعي" تحديدًا في الآونة الأخيرة، معطوفة على كلام "حزب الله" عن عدم وجود فيتو على عون، فُهِمت إشارات ضمنية بإمكانية "تمرير" انتخابه، إن استطاع جمع 86 صوتًا.
وفي وقتٍ ذهبت بعض التقديرات إلى الحديث عن حاجة عون إلى "صوت واحد" من أصوات "ثلاثي" الحزب والحركة والتيار، وقد بدأ العمل على إيجاد هذا "الصوت"، بدفعٍ من "الخماسية" الدولية التي جاءت إلى لبنان دعمًا لعون بصورة أو بأخرى، جاء بيان جعجع ليعيد خلط الأمور بالمستوى السلبي، من خلال الشرط الذي وضعه، والذي وصفه كثيرون بـ"التعجيزي"، لناحية مطالبة فريق "الممانعة" بإعلان ترشيح عون رسميًا، وهو ما ليس في الوارد بطبيعة الحال.
يقول بعض المحسوبين على هذا الفريق إنّ جعجع "كشف نفسه بنفسه" من خلال هذا البيان، وأكد المؤكّد لجهة أنّه لا يريد انتخاب عون رئيسًا من الأساس، وهو يحاول رمي الكرة في ملعب غيره بسبب الضغوط التي يتعرض لها داخليًا وخارجيًا، علمًا أنّ اللافت، أو ربما "الظريف" في بيانه، أنّه لم يُرِد أن يُلزِم نفسه بأيّ موقف، حتى قال إنّه في حال أعلنت "الممانعة" تأييد عون، "سينظر في الأمر"، ولم يقل صراحةً إنه عندها سيذهب إلى انتخابه فعلاً.
بالنسبة إلى المحسوبين على جعجع، فإنّ خصومه يحاولون "محاصرته"، واتهامه بتعطيل الرئاسة، في وقت يمسكون بالثلث المعطّل الذي يمنع إنجاز الاستحقاق عبر انتخاب عون في المقام الأول. وفي المقابل، ثمّة من يعتبر أنّ جعجع هو الذي يضع العصيّ في الدواليب، استنادًا إلى "رهان" لديه بأنّ الفرصة ستتاح له للوصول شخصيا إلى بعبدا، ولو بعد تأجيل "بسيط".. "رهان" يراه كثيرون مجرّد "وهم" غير قابل للتحقّق مهما حصل!
0 تعليق