1صفر 656 من الهجرة، تاريخ بائس لا ينسى، إنه يوم سقوط بغداد بيد المغول( التتار). و تاريخ 25 رمضان 658 من الهجرة تاريخ مشرق لا ينسى، إنه يوم الانتصار الكبير على التتار في معركة عين جالوت، انتصار محا بؤس 1 صفر 656 من الهجرة.
و حديث هذه الأسطر عن عين جالوت، ليس بغرض سرد حكاية تقص، أو قصة تحكى، تسلية، أو فخرا، او تخديرا، بل إن الوقوف أمام مثل هذه الذكريات ، لا يقف بنا عند التغني بأمجاد الماضين، و لكن لنقف عند روح و إرادة هذه الأمة ، التي مهما تراجعت و تعثرت، فإنها سرعان ما تنهض و تقوم، و لنا فيها عَبْر التاريخ عظات و عِبر.
إن أمة تتجاوز انكساراتها، و تهزم هزائمها، و تنتصر بإرادتها، إنما يعني أنها أمة حية تحتفظ بعنفوان يستعصي على الذوبان، و قوة تتأبّى على التلاشي و الاضمحلال.
هذه أمة قد تغفل و تتغافل، و قد يتسلل إليها الوهن، كما قد يتسلل إليها متربصون بها تهيئ لهم الغفلة ، و يقودهم التغافل و المغفلون إلى مواقع القرار، و إلى عمق حاشية الحاكم المتخم، و السلطان العابث اللاهي.
عندما اقترب التتار بجيشهم من بغداد، كانوا قد وصلوا الى بلاط الخليفة المستعصم العباسي بالوزير الأول له المدعو مؤيد الدين العلقمي، الوزير الشيعي الذي كان يوجه قرار الخليفة لما من شأنه خدمة التتار . يكفي أن نعرف أن هذا الوزير أقنع الخليفة بتخفيض الجيش في بغداد من مائة ألف إلى عشرة آلاف فقط، بالرغم من مخاطر التتار التي أخذت تقترب من بغداد عاصمة الخلافة ! ثم أخذ يحبذ للخليفة الصلح مع التتار، ليُقتل الخليفة بعدها رفسا بالأقدام بعد أن سلم بغداد للتتار !! و أصبح ابن العلقمي رئيسا لما يسمى مجلس حكم بغداد من قبل التتار.
لا تعجبوا من موقف الوزير الشيعي مؤيد الدين، فقبله أراد الحشاشون و هم فرقة من فرق الشيعة اغتيال صلاح الدين الأيوبي.
هنا - في بغداد- كان الوهن و كانت الغفلة و التغافل، و هناك في مصر التي كان التتار قد و صلوا إلى حدودها و بعثوا لحاكمها رسالة تهديد و وعيد كان التوثب و اليقظة، و كان الإعداد و الاستعداد.
وبينما كان ابن العلقمي الوزير يخذل و يخون و يتآمر على الدولة، كان العز بن عبد السلام، سلطان العلماء، يستنهض الهمم و يشحذ الإرادات، و يرص الصفوف جنبا إلى جنب مع المظفر قطز سلطان مصر .
كان إعلام التسخط و التذمر و الانهزام يعمل بصورة غير مباشرة في خدمة التتار، إلى جوار إعلام التتار نفسه ؛ فقد انتشرت من منطقة ما وراء أفغانستان الى بغداد فالشام إلى مصر مقولة : اذا سمعت بأن التتار قد انهزموا فلا تصدق !
و جاءت رسالة التتار إلى سلطان مصر المظفر قطز تزمجر بالتهديد وتهدد بالوعيد، و الأجواء متوترة، و الرعب من التتار يملأ الآفاق . التتار الذين اكتسحوا مساحة تمتد من حدود الصين إلى حدود مصر، هاهم يطرقون و يهددون أبواب مصر، و يجمع المظفر قطز أركان و قيادات مملكته للتشاور و قد وصلتهم رسالة التتار التي تطالبهم بالتسليم، فيجد استرخاء من كثيرين منهم، فيقول و الله لأقاتلنهم و لو كنت وحدي. فيشدهم إليه بعزيمته و إصراره، و بدلا من أن ينتظر التتار لحين دخولهم مصر ، خرج من مصر بجيشه لملاقاتهم على أرض فلسطين.
ويلتقي الجيشان على سهل عين جالوت بفلسطين على أمر قد قدر، و إذا بالجيش الذي لا يهزم يترنح تحت ضربات جيش المظفر قطز، و ينهزم صبيحة يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658 للهجرة؛لتتلاحق بعدها هزائم التتار، و تعود بغداد عاصمة للخلافة من جديد.
قد يدرك هذه الأمة هنا أو هناك ضعف أو انكسار، لكن الأيام تعرف، و التاريخ يشهد أن هذا الضعف و الانكسار، شيئ طارئ، و أمر عارض مصيره إلى زوال .
تحيا الأمة و تعود إلى مجدها، بروح الجهاد، و يقظة الإرادات، و رص الصفوف، و عدم الإحباط و اليأس ، و التحرك نحو الهدف بعزيمة و إصرار، غير عابئ بأصحاب المشاريع الوهمية، و لا بأدوات الاستعمار في المنطقة، و لا بأجندات السفهاء العابثة، لأن روح الأمة و الإرادة الحرة للشعوب كفيلة بتوفيق الله بطي تلك المشاريع لتشرق شمس الحرية و التحرر و التحرير كما أشرق فجر يوم عين جالوت.
0 تعليق