خليج نيوز

اليونيسف لأخبار الآن: نصف أطفال البقاع يعانون الجوع الحاد وربعهم خارج المدرسة - خليج نيوز

أطفال لبنان.. بين أنقاض الحرب والجوع واليأس!

في بلدٍ أنهكته الأزمات لعقود، جاءت الحرب الأخيرة لتسقط ما تبقى من مقومات الحياة، تاركةً خلفها جيلاً بأكمله على حافة الضياع. أطفال لبنان اليوم لا يحلمون باللعب أو التعليم، بل يكافحون للحصول على وجبة تسد جوعهم أو فرصة للعودة إلى المدرسة وسط الركام. تقرير اليونيسف يكشف حجم الكارثة: نصف الأطفال في بعلبك والبقاع يعانون من الجوع الحاد، ربعهم خارج المدرسة، وعائلات بأكملها محرومة من المياه والتدفئة والرعاية الصحية. ومع تقلص المساعدات الدولية، يزداد الخطر المحدق بمستقبلهم.

أجرت أخبار الآن لقاءً مع إيتي هيجنز، نائبة ممثل منظمة اليونيسف في لبنان، حيث كشفت عن معاناة الأطفال المستمرة رغم وقف إطلاق النار. وفقًا لتقرير اليونيسف، فإن أكثر من 80% من العائلات بحاجة ماسة إلى أساسيات الحياة، بينما يتضاعف الفقر الغذائي بين الأطفال الصغار. كما يعاني العديد منهم من القلق والاكتئاب بسبب النزوح والخسائر التي لحقت بهم.

قالت: “التقرير الذي أصدرته اليونيسف اليوم يسلط الضوء على نتائج دراستنا الأخيرة، حيث تحدثنا إلى آلاف العائلات في جميع أنحاء لبنان. وتُظهر هذه النتائج أن الأطفال يواجهون أزمة عميقة بعد الحرب التي اندلعت في البلاد العام الماضي. وعلى الرغم من توقيع وقف إطلاق النار في نوفمبر، لا يزال الأطفال يعانون من التأثير المأساوي للحرب والتبعات الثقيلة التي خلفتها على حياتهم. فعلى سبيل المثال، وجدنا أن أكثر من 80% من العائلات التي تحدثنا إليها بحاجة ماسة وملحة إلى الضروريات الأساسية مثل الغذاء، والرعاية الصحية، والتعليم، بما في ذلك المياه”.

“كما تكشف النتائج عن صورة قاتمة للغاية لوضع تغذية الأطفال، لا سيما في شرق البلاد، في منطقتي بعلبك والبقاع، اللتين ظلتا مكتظتين بالسكان خلال النزاع. فهناك، على سبيل المثال، يعاني أكثر من نصف الأطفال دون سن الثانية من فقر غذائي شديد، وهو معدل يزيد بأكثر من الضعف مقارنة بالعام الماضي”.

“وعلى الرغم من توقف القصف إلى حد كبير في معظم أنحاء البلاد، إلا أننا ما زلنا نرى أن 72% من مقدمي الرعاية الذين تحدثنا إليهم قالوا إن أطفالهم كانوا يشعرون بالتوتر أو القلق أثناء الحرب، ولا يزالون يعانون من الاكتئاب أو الحزن الآن، في كثير من الحالات بسبب العواقب طويلة الأمد للنزوح، وفي بعض الحالات بسبب الإصابات التي تعرضوا لها. أما في حالات أخرى، وبكل أسف، فإن الأطفال الذين فقدوا أحد والديهم أو أفرادًا من عائلاتهم لا يزالون يعيشون تحت وطأة تداعيات الحرب أيضاً”.

الجوع يفتك بأطفال بعلبك والبقاع

في بعلبك والبقاع، تعاني العائلات من ندرة الغذاء، حيث يقتات البعض على وجبة وحيدة يوميًا بلا خضروات أو بروتين. المستشفيات المدمرة وارتفاع تكاليف النقل يحولان دون حصول الأطفال على الرعاية الطبية، مما يعمّق الأزمة الصحية.

قالت هيجنز في حديثها لـ “أخبار الآن” “لقد تحدثنا إلى عائلات من مختلف أنحاء البلاد، لكن بشكل خاص في بعلبك والبقاع. في هاتين المنطقتين، لاحظنا أن الصعوبات التي واجهناها خلال الحرب، لا سيما فيما يتعلق بإمكانية الوصول، أثرت بشدة على قدرة الأطفال في الحصول على التغذية الكافية لنموهم الصحي ولضمان نموهم بمعدل طبيعي. ولسوء الحظ، بسبب هذه التحديات، لم تتمكن بعض العائلات، في بعض الحالات، حتى من توفير الطعام لأطفالها في اليوم السابق لمقابلتنا معهم. حتى أن بعض العائلات أخبرتنا أنها تقلل وجباتها إلى وجبة واحدة يوميًا، أو أنها قادرة فقط على تحمل تكلفة نوع واحد من الطعام”.

“الفقر الغذائي الحاد أنهم لا يحصلون على التنوع الغذائي الضروري الذي ينبغي أن يحصلوا عليه. في بعض الحالات، أخبرونا أنهم يأكلون الأرز المسلوق فقط دون أي خضروات أو منتجات لحوم أو بروتينات. وفي حالات أخرى، سمعنا أن الأطفال، بسبب نقص الغذاء، أصبحوا أكثر عرضة للأمراض، لكن عائلاتهم لم تتمكن من نقلهم إلى المستشفيات أو مراكز الرعاية الصحية الأولية، إما لأن تلك المستشفيات أو المراكز الصحية قد دُمرت أو تضررت خلال الحرب، أو لأنهم لم يتمكنوا من تحمل تكاليف النقل، أو بسبب الأوضاع الأمنية التي حالت دون وصولهم إلى المرافق الصحية”.

“نحن نرى أن لهذه الأوضاع عواقب عميقة على جميع جوانب حياة الأطفال. ولا يقتصر الأمر على بعلبك والبقاع، بل يشمل جميع أنحاء البلاد، حيث انقطع الأطفال عن التعليم. وللأسف، نرى الآن أن واحدًا من كل أربعة أطفال ممن تحدثنا إليهم الشهر الماضي لا يزال خارج المدرسة. ويضاف هذا إلى نصف مليون طفل في لبنان هم بالفعل خارج نظام التعليم. إن الأمر يشكل مأساة، ليس فقط بسبب الأزمة الحالية، بل أيضًا لمستقبل هؤلاء الأطفال وقدرتهم على المساهمة في إعادة بناء لبنان ومساعدته على التعافي من هذه الحرب المأساوية”.

التعليم.. حلم بعيد المنال

وأوضخت هيجنز أنّ تدمير المدارس، الفقر المدقع، وعمالة الأطفال يمنعون عشرات الآلاف من العودة إلى صفوف الدراسة. واحد من كل أربعة أطفال خارج المدرسة، ما يزيد من كارثة التعليم المتفاقمة في لبنان قائلةً: “تعرضت العديد من المدارس للتدمير أو الضرر، لا سيما في الجنوب، مما منع الأطفال من استئناف تعليمهم. بالإضافة إلى ذلك، تعاني العائلات من صعوبات مالية تمنعها من تغطية تكاليف الدراسة، ويُجبر العديد من الأطفال على العمل أو الزواج المبكر. حاليًا، لا يزال طفل من كل أربعة أطفال تمت مقابلتهم خارج المدرسة، مما يزيد من عدد الأطفال غير الملتحقين بالتعليم في لبنان، والذي يبلغ نصف مليون طفل”.

البنية التحتية المنهارة تهدد حياة الأطفال

محطات ضخ المياه والمدارس المدمرة تترك الأطفال وعائلاتهم في ظروف قاسية. محطة مياه في صور دُمّرت بغارة جوية، تاركة 35 ألف شخص بلا مياه. نقص التمويل يعمّق المعاناة ويجعل إعادة الإعمار شبه مستحيلة.

هيجنز: “تشمل الاحتياجات الأكثر إلحاحًا إعادة بناء البنية التحتية الأساسية مثل محطات ضخ المياه والمدارس. تم تدمير العديد من المنازل، مما أجبر العائلات على العيش في ظروف غير مستقرة. لم تتلقَ اليونيسف تمويلًا لإعادة بناء المرافق الحيوية. على سبيل المثال، تعرضت محطة ضخ مياه في صور لضربة جوية أسفرت عن مقتل عاملين وقطع إمدادات المياه عن 35,000 شخص. تحتاج المحطة إلى استثمار بقيمة 4 ملايين دولار لاستئناف عملها. بدون تمويل عاجل، ستظل العائلات عالقة في هذه الأوضاع، وسيظل الأطفال غير قادرين على إعادة بناء حياتهم”.

نداء استغاثة وسط أزمة متفاقمة

اليونيسف تحتاج 658.2 مليون دولار لإنقاذ الأطفال، لكن التمويل شحيح. الجوع والزواج المبكر وعمالة الأطفال في تزايد، فيما يواجه نصف مليون طفل خطر فقدان المساعدات النقدية التي يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة.

قالت هيجنز :”زاد عدد الأطفال المحتاجين بشكل ملحوظ، حيث تجاوز المليون طفل الآن. في الوقت نفسه، انخفض التمويل الذي تتلقاه اليونيسف. حتى الآن، تم تأمين 26% فقط من الأموال المطلوبة. لهذا النقص في التمويل عواقب وخيمة، حيث يُجبر المزيد من الأطفال على العمل القسري، الزواج المبكر، والمعاناة من سوء التغذية. الأطفال دون سن الثانية يعانون من الجوع بمعدلات مثيرة للقلق، مما يؤثر على نموهم البدني والعقلي. علاوة على ذلك، بسبب التخفيضات في التمويل، لن يتلقى ما يصل إلى نصف مليون طفل في لبنان المساعدات النقدية التي تعتمد عليها عائلاتهم في شراء الطعام، دفع الإيجار، والحصول على الرعاية الطبية. إذا لم يتم تأمين المزيد من التمويل، فإن الوضع سيتدهور خلال الأشهر المقبلة”.

أخبار متعلقة :