خليج نيوز

لبنان على مفترق طرق.. الحل الدبلوماسي أو الاقتتال على الحدود الشرقية والجنوبية - خليج نيوز

في ظل المتغيرات الجيوسياسية الكبيرة التي تحصل في المنطقة تعود مسألة تحديد الحدود الشمالية والشرقية للبنان مع سوريا كما والحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة إلى الواجهة من جديد. فالأحداث الأمنية التي حصلت على الحدود الشمالية الشرقية بين الجيش اللبناني والعشائر من جهة والجيش السوري الجديد من جهة ثانية في قرية حوش السيد علي، وقبلها في الحويك وجرماش ،والنزاع الحدودي القديم الجديد بين لبنان وسوريا على عشرات النقاط المتنازع عليها، إضافة إلى عدم تقيد العدو الاسرائيلي ببنود اتفاق وقف اطلاق النار وإنسحاب قواته من النقاط السبع التي ما تزال تتمركز فيها، تفترض كلها إعادة تحديد الحدود اللبنانية مع كامل المحيط.

Advertisement


وفيما يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم في باريس الرئيس جوزاف عون، وسيعقد أيضاً اجتماعاً ثلاثياً معه ومع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الذي سينضم إليهما من بعد، لبحث قضية الأمن على الحدود السورية – اللبنانية،استضافت السعودية أمس اجتماعاً يضم وفدا البلدين في مدينة جدة غرب السعودية، إذ تتركز مباحثات الاجتماع حول تبادل المعلومات الأمنية بين سوريا ولبنان، ورفع مستوى التنسيق الأمني، فضلاً عن ترسيم الحدود، وتبحث الوساطة السعودية بين البلدين سبل التهدئة، وتوفير الاستقرار عقب مواجهات مشتركة شهدتها حدود البلدان في الأيام الماضية.

وأصدرت قيادة الجيش أوامرها للوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود الشمالية والشرقية بالرد على مصادر النيران التي تُطلق من الأراضي السورية وتستهدف الأراضي اللبنانية.

ما يجري على الحدود اللبنانية - السورية يحمل أبعادا تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية. يبلغ طول الحدود بين سوريا ولبنان نحو 375كيلومترا. وتشمل مناطق متعددة تتميز بتضاريسها الصعبة والمعقدة، مما يجعل من الصعب تحديد الحدود بشكل دقيق ومنظم من دون تعاون رسمي بين البلدين لإنهاء الملفات الحدودية العالقة، لا سيما وأن مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا تعود إلى ما قبل عهد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي في البلدين،علما أن البعض يقول أن الحدود حددت بالدستورين اللبناني والسوري، لكنها لم ترسم على الأرض وهنا تكمن الاشكالية.

في موضوع الحدود اللبنانية – السورية

يقول العميد شربل أبو زيد إن عملية الترسيم مرت بمراحل ومحاولات عدة منذ 1920 ولغاية يومنا هذا، من لجنة "أشارد 1922" التي بدأت عملية تحديد وترسيم الحدود بين دولة لبنان الكبير وحكومة دمشق كما بين لبنان الكبير ودولة العلويين، مروراً بالقرار 3007/ 1924 القاضي بتعيين لجنة مهمتها حل النزاع الحدودي بين الدولتين بمشاركة الأستاذ سليم تقلا متصرف البقاع والنقيب مارلييف والنقيب لاكروا، إلى لجنة لوبيسييه 1925، وكل القرارات اللاحقة وأعمال التحديد والترسيم التي تتابعت حتى عام 1939. وكانت الاعمال كلها تصطدم بعوائق كثيرة أهمها الأحداث الدامية والإضطرابات التي كانت تحصل بين اللبنانيين والسوريين على ملكية الأراضي والمراعي والمياه، عدم استعمال الحزم والدقة في الترسيم، والتركيز على الحدود الشمالية بشكل أفضل والتراخي على الحدود الشرقي منها.

بعد الإستقلال 1943 تجددت الحوادث من مزارع شبعا إلى المجيدية ودير العشاير وأكروم وغيرها ما أدى، بحسب العميد ابو زيد، إلى إنطلاق مرحلة جديدة من عملية ترسيم الحدود بين البلدين وتشكلت لجان متعددة لبنانية سورية مهمتها دراسة الحدود حسب الإتفاقيات الدولية والمقررات السابقة، وتنفيذ التحديد والترسيم ووضع الخرائط ذات الصلة. وتوالت أعمال اللجان وتشعبت وبقيت المشكلات هي نفسها، ولم تتوصل اللجان إلى وضع الخرائط والمحاضر بالنقاط الحدودية وبالتالي لم ترسل محاضر إلى الأمم المتحدة. المهم بالأمر أن ما تم إنجازه محفوظ ويمكن الركون اليه في أي عملية ترسيم جديدة.

كان آخر هذه المحاولات القرار الأممي 1680/ 2006 الذي نص بوضوح لا لبس فيه في البند الرابع:" يشجّع مجلس الأمن الحكومة السورية بقوّة على التجاوب مع مطلب الحكومة اللبنانية الداعي، تماشياً مع الاتّفاقات التي جرى التوصّل إليها في الحوار الوطني اللبناني، إلى تحديد الحدود المشتركة بين البلدين ولا سيّما في المناطق ذات الحدود الملتبسة أو المتنازع عليها، وإلى إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة وتمثيل ديبلوماسي كامل بين البلدين..."

اليوم وبعد سقوط النظام السوري السابق عادت الأمور لتفرض نفسها بعد الأحداث الدامية التي حصلت على الحدود الشمالية الشرقية في الحويك وجرماش ومحيطها، حيث تدخل الرئيس العماد جوزف عون واتصل بالرئيس السوري الموقت أحمد الشرع لوقف الصدام الحاصل، لكن الإشكال ما لبث أن تجدد في قرية حوش السيد علي ما استدعى تدخل وزراء دفاع البلدين لوقف النزاع بعد أن أبرز الجانب اللبناني خرائط ووثائق دقيقة تثبت ملكية القرية، بيد أن الأمور لم تنته، كما يقول الجنرال أبو زيد، بالشكل المفروض والنهائي بسبب إتهامات الطرف السوري الجاهزة حول تهريب المخدرات والسلاح الناتجة عن تدخل قوى لبنانية سابقاً بأحداث سوريا ما رجح كفة الميزان للحكم السابق على الفصائل المعارضة.

وفيما يبدو أن هناك تشدّد من الجانب السوري، فإن المملكة العربية السعودية، بحسب الجنرال أبو زيد، والتي لطالما سعت لحل الخلافات العربية بالتوافق، تعود اليوم لتلعب هذا الدور ما بين لبنان وسوريا، لما لها من علاقات مميزة مع لبنان في حين تسعى لمساعدة سوريا الجديدة بشتى الوسائل للعودة إلى الحضن العربي.

في السياق ذاته، يقول الجنرال أبو زيد، أن السلطة السورية الموقتة التي استلمت الحكم منذ 9 ديسمبر 2024 غير ملمّة بكافة الملفات ذات الصلة خاصة في موضوع الحدود، ما قد يستوجب بعض الوقت إلّا أن الآمال معلقة على الجانبين السعودي والفرنسي الذين لعبا دوراً مهما في الوصول إلى إنتخاب رئيس للجمهورية، في تذليل الصعاب وتقريب وجهات النظر ومنع تفاقم الأحداث على جانبي الحدود.

وفي سياق متصل بالحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، يشدد الجنرال أبو زيد على أن الحدود مرسّمة بشكل دقيق من قبل لجنة بوليه- نيوكومب منذ 1923، وأعيد التأكيد عليها بعد اتفاق الهدنة 1949، وفي عام 1961 عادت لجنة الهدنة واجتمعت لتحديد النقاط الحدودية والنقاط المساعدة والوسيطة. وبعد الإنسحاب الإسرائيلي عام 2000 وضع الخط الأزرق كخط إنسحاب مع فروقات عن خط الهدنة، وبعد حرب 2006 زادت الفروقات بين الخط الأزرق والحدود المعترف بها دولياً.

اليوم وبعد الحرب الاسرائيلية الأخيرة أضيفت نقاط خمس أو سبع إلى الخروقات السابقة يتعنت العدو الإسرائيلي من الإنسحاب منها والعودة حتى إلى الخط الأزرق. الموضوع برمته،وفق العميد شربل أبو زيد، سياسي بإمتياز ويهدف إلى الضغط على لبنان من أجل التفاوض المباشر مع اسرائيل للتطبيع والخضوع للشروط الدولية التي تفرض عليه. من هذا المنطلق يعوّل الرئيس جوزاف عون مع الرئيس نواف سلام على الدبلوماسية من أجل الوصول إلى إنسحاب العدو الإسرائيلي حتى جنوب الخط الازرق. وعليه يُعوّل على زيارة الرئيس عون لفرنسا في تحريك الأمور دبلوماسياً نحو الحل، في الوقت الذي ينتظر فيه لبنان زيارة مساعدة موفد الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس بداية نيسان المقبل والتي يقال بأنها ستتعامل بجدية كبيرة وحاسمة مع ملف الصراع اللبناني الإسرائيلي انطلاقًا مما سبق وطرحته من تأليف اللجان الثلاث وموضوع ملف النقاط الخمس المحتلة وملف الأسرى اللبنانيين وملف ترسيم الحدود البرية.

أمام لبنان إستحقاقات كثيرة ومهمة وخطيرة قد تضعه على سكة الحل دبلوماسياً أو قد تعيده إلى الفوضى والإقتتال على الحدود الجنوبية والشمالية والشرقية.

 

أخبار متعلقة :