خليج نيوز

التمويل الرقمي: كيف يستخدم الحوثيين العملات المشفرة للتهرب من العقوبات الدولية؟ - خليج نيوز

كيف تبني جماعة الحوثي اقتصادًا موازيًا من العملات المشفّرة؟

في ظل تصاعد العقوبات الأمريكية والضغوط الدولية على جماعة الحوثي في اليمن، يُظهر المشهد المالي للجماعة تغيّرًا جذريًا على خلفية استخدامهم للعملات الرقمية المشفرة كأداة لتهريب واستقبال الأموال وتمويل المعارك، بالإضافة إلى استغلالها للمؤسسات المصرفية اليمنية لتعزيز قدراتها المالية والتهرب من الرقابة الدولية.

في 19 ديسمبر الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة على أفراد وشركات متورطة في تمويل الحوثيين وغسيل الأموال لصالحهم، شملت شركات صرافة يمنية مثل الحزمي، الثور، سويد ودافوس، إضافة إلى سعيد الجمل، الوسيط المالي بين الحوثيين والحرس الثوري الإيراني، كما طالت العقوبات كبار المسؤولين الماليين في الجماعة، أبرزهم هاشم إسماعيل المداني، محافظ البنك المركزي في صنعاء، وأحمد الهادي، المسؤول عن تنسيق حركة أموال الحوثيين. وشملت القائمة أيضًا شركات شحن متورطة في نقل الأموال، منها ميركور إنيرجي، بلو شيبينغ، وتيفكاس مارين.

تحويلات مشفّرة بملايين الدولارات

إلا أن اللافت في البيان هو الإعلان عن حظر وتجميد محافظ إلكترونية للعملات المشفرة تتبع كانت قد قامت بعمليات تحويل مالي متعدد، بمبالغ مالية كبيرة خلال الفترة منذ بداية يناير 2024 وحتى ديسمبر من العام ذاته، حيث يكشف تحليل المحافظ الخمسة المدرجة في قائمة الحظر، تلقى الجمل أكثر من 178 مليون دولار بأكثر من 1700 عملية نقل، يبلغ متوسط ​​مبلغ تحويل حوالي 638،000 دولار، عند حذف عمليات النقل أقل من دولار واحد، كان أكثر من 200 عملية نقل مبالغ تزيد عن 500000 دولار، و 121 من التحويلات كانت بمبالغ تزيد عن مليون دولار، وكان أكبر عملية تحويل منفردة بمبلغ 6.8 مليون دولار في 7 أكتوبر 2024.

حظر وتجميد محافظ إلكترونية للعملات المشفرة تتبع سعيد الجمل

لأخبار الآن تقول وفاء صقر – أستاذ القانون الجنائي في جامعة طنطا” من الواضح أن العملات المشفرة مثل البيتكوين واللايتكوين توفر بيئة خصبة للأنشطة الإجرامية بسبب طبيعتها اللامركزية وغياب الرقابة التنظيمية، تُستخدم هذه العملات بشكل متزايد في تمويل الإرهاب وغسل الأموال، خاصة عبر الإنترنت المظلم، حيث يصعب تتبع المعاملات وهويات المتعاملين، وهنا يجب التشديد على ضرورة تطوير الأطر القانونية والتشريعية لمواكبة هذا التطور التكنولوجي، بهدف الحد من استغلال العملات المشفرة في الأنشطة غير المشروعة”.

من “البلوك تشين” إلى ساحات القتال

يوضح وحيد الفودعي – الباحث والخبير الاقتصادي، بأن تلك العمليات تتم من خلال “استخدام محافظ رقمية غير معرفة (Anonymous Wallets) حيث تُنشأ محافظ رقمية دون الحاجة إلى هوية حقيقية، ويتم إرسال واستلام العملات الرقمية فيها عبر شبكة “البلوك تشين” و منصات التداول اللامركزية (DEXs) و هذه المنصات لا تطلب توثيق هوية (KYC)، مما يتيح التداول بحرية، وقد تتم عبر ما يسمى خلط العملات (Mixers / Tumblers)، والتي تُستخدم لتشويش مصدر الأموال الرقمية وإخفاء أثرها عبر مزجها مع تحويلات أخرى”.

مضيفًا إلى استخدام “عملات خصوصية (Monero / Zcash)، وهذه العملات توفر درجة عالية من التشفير والخصوصية، ويصعب تتبعها حتى مقارنة بـ البيتكوين، ومن ثم تقوم شركات وهمية أو واجهات خارج اليمن، ويتم من خلالها تحويل العملات الرقمية إلى أموال نقدية، أو شراء سلع قابلة للتحويل إلى نقد، وهي الطرق التي أصبحت معظم المليشيات والجماعات المسلحة تعتمدها في التمويل، والتحايل على الرقابة الدولية”.

وعن كيفية تتبع ومراقبة وزارة الخزانة الأمريكية للتحويلات في عالم العملات الرقمية المشفرة، يشرح الفودعي احتمالات للأساليب المتبعة، مشيرًا إلى أنه بالرغم التشفير، توجد وسائل لرصد وتتبع هذه العمليات، “أولاً، عن طريق تحليلات البلوك تشين (Blockchain Analytics)، وهناك شركات مثل Chainalysis و Elliptic تطور أدوات معقدة لتحليل سلاسل الكتل وربطها بهويات محتملة، وقد يكون هذا ما استخدمته وزارة الخزانة الأمريكية لرصد المحافظ المرتبطة بسعيد الجمل، ثانيًا، عبر تقنيات تتبع الأنماط والتوقيتات، يمكن تتبع أنماط معينة في التحويلات، وعندما تُربط بمعاملات مالية حقيقية كالسحب من صراف أو الدفع مقابل خدمات حقيقية، يُمكن تقفي أثرها”.

تعاون خفي مع القاعدة؟

يتهم مصدر حكومي يمني (رفض ذكر اسمه)، جماعة الحوثي بتمويل ودعم تنظيم القاعدة في جنوب اليمن لإحداث الفوضى واستهداف الجيش، وقد وثقت أخبار الآن عدد من أساليب التعامل بين التنظيم والحوثيين، إلا أن الحكومة اليمنية تقول بأن هناك أساليب جديدة للتخادم، أحدها تمويل التنظيم عن طريق العملات الرقمية.

يقول محمد بن فيصل – الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية لـ أخبار الآن “مؤخرًا بدأ تنظيم القاعدة وداعش باللجوء إلى استخدام العملات الرقمية، وذلك من خلال جمع تبرعات عبر العملات الرقمية لعناصرهم داخل اليمن، وكذلك عبر حملات يدعي التنظيم أنها لغزة، وصار جل جمعهم للتبرعات عن طريق العملات الرقمية، وقد يكون هناك امكانية تعامل مالي بين تنظيم القاعدة والحوثيين، إلا أن ذلك صعب كشفه تتبعه بناء على طبيعة عمل العملات الرقمية المشفرة”.

العملات المشفرة بديلًا عن البنوك

تسببت سيطرة جماعة الحوثي على النظام المالي والمصرفي في اليمن في تفاقم الوضع الاقتصادي، بالرغم من الثبات الوهمي لسعر الصرف في مناطق سيطرة الحوثيين، فقد اعتمدت على إيهام المواطنين باستقرار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، إلا أن ذلك ليس حقيقيًا ولا يعبر عن حالة السوق،حيث تم إجبار شركات الصرافة والبنوك باعتماد ذلك السعر، من خلال السطو على الاصول لتلك البنوك وهو ما أدى ركود مالي، أضر بالبنوك التجارية في اليمن، كان أخرها إدراج بنك اليمن والكويت في قوائم العقوبات، والتي بدورها أثرت على المواطنين.

في هذا السياق يرى عبد الواحد العوبلي –  الباحث في الإقتصاد اليمني، فإن الحوثيين اتجهوا نحو العملات المشفرة للهروب من المركزية المالية بعد تدميرهم للقطاع البنكي والمصرفي في البلد، وذلك يعزز من استقلالهم المالي عن النظام المصرفي اليمني والدولي. ويقول لـ أخبار الآن “هذا يعني قدرتهم على تمويل العمليات العسكرية دون المرور بالقنوات التقليدية الخاضعة للرقابة التقليدية، وهذا يشير إلى زيادة صعوبة استعادة السيطرة المالية من قبل الحكومة الشرعية، ما يهدد بوضع مؤسسي هش، واقتصاد موازٍ خارج إطار الدولة، ويزيد من احتمالات فرض عزلة مالية دولية على اليمن”.

فمنذ اندلاع الحرب في اليمن، شهدت البلاد انتشار واسع لشبكات الصرافة وشبكات التحويل، في ظل إنهيار اقتصادي وارتباط تلك الشبكات بجماعة الحوثي بشكل أو بآخر، إلا أنه في الفترة الأخيرة بدأت تنكشف مهام تلك الشبكات، التي استخدمتها جماعة الحوثي في عملية تهريب وغسيل الأموال، وذلك بحسب التقارير المالية الصادرة عن البنك المركزي اليمني، وتقارير وزارة الخزانة الأمريكية، حيث تم إدراج العديد من تلك الشبكات في قوائم العقوبات لتمويلها جماعة الحوثي وتسهيل نقل الأموال لهم.

يقول عبدالله العامر – أحد المواطنين في صنعاء بأنه لا يستطيع سحب أي مبلغ من حسابه البنكي في بنك اليمن الدولي، “من الصعب انك كمواطن لا تستطيع التصرف بـ أموالك التي ادخرتها لوقت الحاجة، منذ سنة تقريبا أحاول سحب مبلغ من حسابي البنكي بعد أن توقف عملي، إلا أنهم يخبرونا بالبنك أنهم لا يوجد لديهم سيولة، وكل شهر يسمح لي بسحب مبلغ اقل من 100 دولار، لا يكفي مصاريف أسبوع واحد”.

وبالرغم من ذلك يحاول البنك المركزي اليمني في عدن السيطرة على ما يصفها “الفوضى المالية والمصرفية” التي تسببت بها جماعة الحوثي، من ضمن الإجراءات محاولة دعم البنوك التجارية، وقد بدأت بعض البنوك التجارية في مقرات عملياتها من صنعاء إلى عدن، كاجراء احترازي بعد تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة ارهابية خارجية.

أخبار متعلقة :