خليج نيوز

استهداف الضاحية: تصعيدٌ بوجه عون ومعادلة الاستقرار - خليج نيوز

لم يكن العدوان الأخير الذي طال الضاحية الجنوبية لبيروت أمس مجرّد حدث أمني عابر، بل يحمل دلالات سياسية عميقة تتعدّى التوقيت والمكان. فالاستهداف هذه المرة موجّه بشكل مباشر نحو الجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية جوزاف عون، والمسار الذي يحاول شقّه بعناء شديد وسط الانقسامات اللبنانية الحادة، خصوصاً في مقاربته المتوازنة لملفّ السلاح والدعوة إلى حوار وطني يجنّب البلاد الانزلاق نحو المزيد من التوتّرات، مدركاً أن هذا الملف الشائك لا يُحلّ بالشعارات ولا بالمزايدات، بل بتفاهم وطني واسع يتأسس على الإقرار بأن قوة لبنان الدفاعية هي جزء لا يتجزأ من وحدة أبنائه. من هنا يبدو العدوان الإسرائيلي محاولة يائسة لتعطيل أي فرصة داخلية لإطلاق حوار جدّي حول مستقبل المقاومة ودورها ضمن استراتيجية وطنية شاملة.

Advertisement


العدو الإسرائيلي، الذي لا يفوّت فرصة لضرب مرتكزات الأمن اللبناني، لا يخفي انزعاجه من أي محاولة داخلية لتثبيت معادلة الاستقرار المبني على توازن الردع، وقلقه من أي مقاربة لبنانية ترى في القوة الدفاعية عنصر توازن، وليست عائقاً أمام السيادة. فالعدوّ يدرك أنّ أيّ تحصين داخلي للجبهة اللبنانية، أيّاً كان شكله، يعني تحجيم قدرته على ابتزاز لبنان أمنياً وسياسياً. لذلك يأتي هذا التصعيد كمحاولة لإحباط مسعى الرئيس عون نحو تسوية تحمي سيادة البلاد من دون التفريط بأي من عناصر صمودها.

وترى مصادر سياسية مطّلعة أنّه "مع كل عدوان إسرائيلي، يتبيّن بوضوح أكثر أن أصحاب "النظريات السيادية" لم يقدّموا بديلاً حقيقياً عن خيار المقاومة، ولا مشروعاً واقعياً يحمي لبنان من أطماع العدو. وفي هذا السياق، تلفت المصادر الى أنه "لا بدّ من التمييز بين مشروع رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي يسعى إلى تثبيت قواعد حوار وطني عقلاني، وبين بعض القوى المشاركة في الحكومة التي تستغل موقعها لتحويل الملفات الاستراتيجية إلى أدوات تصفية حسابات سياسية داخلية، خصوصاً تلك التي تسعى إلى الاستثمار في الانقسام الداخلي لتحقيق مكاسب ضيقة لا تمتّ للمصلحة الوطنية بِصِلة". 

في مقابل هذا المشهد، يجد رئيس الحكومة نواف سلام نفسه مكبّل اليدين أمام تحديات تتخطى قدرته على المبادرة، ويظهر بصورة الشاهد الصّامت على ما يجري. الرجل الذي حمل ذات يوم آمال "التغيير"، بدا أسير توازنات محلية وخارجية فرضت عليه الاكتفاء بإدارة الأزمة من دون القدرة على فرض أي توجّه سيادي فعليّ أو محاولة لترميم الإجماع الوطني المتآكل.

وعلى الضفة الأخرى، لا تزال إسرائيل، من خلال تصعيدها الأخير، تعترف ضمنياً بأن قدرة المقاومة على الردّ لم تُكسر، وأن ميزان الردع ما زال حاضراً. وتشير المصادر نفسها إلى أنه "لو كانت المقاومة قد فقدت تأثيرها، لما ترددت إسرائيل في فرض واقع جديد على الأرض من دون حساب". وتضيف، "الظروف الميدانية ما زالت عرضة للتدهور في أي لحظة. وعليه، فإن التسرع في إعلان نهاية المواجهة هو في الأساس خطأ استراتيجي". 

في مواجهة هذه التحدّيات، تشكّل سياسة الصبر الاستراتيجي خياراً إلزامياً حكيماً. والمفارقة أن الغطرسة الإسرائيلية، التي تتجاهل الالتزامات الدولية وتنسف التفاهمات السياسية، إنما تخدم الخيار الوطني عبر كشف الرهانات على تطويق المقاومة وإظهار زيف الوعود التي طالما قُدّمت للبنان.

اليوم أكثر من أي وقت مضى، يجب أن نتمسك بحقيقة ثابتة: الحرب لم تنتهِ بعد، والأطماع الإسرائيلية في المياه والثروات لم تتراجع، وأمن لبنان لا يُستجدى من الخارج، بل يُبنى بإرادة اللبنانيين ووحدتهم وصلابة خياراتهم في الدفاع عن أرضهم وكرامتهم.

أخبار متعلقة :