رسالة جديدة ولافتة من القاعدة تحرّض ضد تركيا وحكام سوريا الجدد
أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ٢٣ أبريل إلى ٥ أيار ٢٠٢٥. إلى العناوين:
- رسالة جديدة ولافتة من القاعدة تحرّض ضد تركيا وحكام سوريا الجدد
- في ذكرى قتل بن لادن، غاب أسامة وحضر سيف العدل
- منشقون: لم يبق أمام داعش إلا ”الجبهة الإفريقية“ قارب نجاة
ضيف الأسبوع، الأستاذ حسن أبو هنية، باحث في مجال الفلسفة السياسية والفكر الإسلامي، وخبير في مجال الحركات الإسلامية، صاحب كتاب (الجهادية العربية – إندماج الأبعاد: النكاية والتمكين بين “الدولة الإسلامية” و”قاعدة الجهاد”.
ذكرى قتل بن لادن
صادف في ٢ مايو، الذكرى الرابعة عشرة لقتل أسامة بن لادن في أبوت أباد، باكستان. ومرة أخرى تغيب المناسبة غياباً تاماً ليس فقط في الإعلام الدولي، ولكن أيضاً في إعلام القاعدة الرسمي وحتى الرديف.
في العام الماضي، انشغل إعلام القاعدة الرسمي بالترويج لأفكار القائد الفعلي للقاعدة سيف العدل حول الحرب في غزة. لكن الإعلام الرديف أو إعلام الأفراد نشر المرثيات واستذكر ”خطى أسامة،“ وكيف ”واجه“ أسامة أمريكا.
وفي موازاة هذا الحضور في الإعلام الرديف، أفردت شبكة”المرصاد“ الموالية لطالبان زاوية بجّلت فيها بن لادن وكيف حماه الملا عمر ”مضحياً بحكومته من أجله.“
أما الإعلام الأمريكي، والعالمي حقيقة، فلم يبالي بالمناسبة؛ وعلّق الباحث آرون زيلين من معهد واشنطن: ”القاعدة لم تعد تحمل وزناً في مجريات حياة الأمريكيين هذه الأيام.“ هذا العام، حتى زيلين لم يعلّق.
لكن يلفت هذا العام أن أنتجت نتفلكس وثائقياً عن الأحداث التي أفضت إلى غارة أبوت أباد ٢٠١١، بعنوان ”مطاردة أمريكية.“ الوثائقي كان معداً للبث في مارس، ولكن تأخر الموعد إلى ١٤ مايو. يأتي في ثلاثة أجزاء مستعرضاً ”المهمة“ التي استمر ت عشرة أعوام لمطاردة بن لادن من خلال حشد الجهود ”الدولية.“
غاب أسامة وحضر سيف
إذاً، كما العام الماضي، غاب أسامة وحضر سيف العدل. حضر سيف العدل برسائل غير مباشرة ولكن قوية.
في ٣ مايو، نشرت مؤسسة السحاب الذراع الإعلامية للقيادة العامة لتنظيم القاعدة كلمة صوتية أرشيفة لعطية الله للليبي القيادي الرفيع في التنظيم الذي قُتل في باكستان في أغسطس ٢٠١١. الكلمة بعنوان ”رسالة للحكام الجدد“ والمقصود هنا إدارة أحمد الشرع في سوريا.
السحاب أعادت تدوير كلمة الليبي بحيث يكون لها إسقاطات على سلوك إدارة الشرع. فأضافت عنواناً فرعياً: ”ما أشبه اليوم بالأمس! سوريا على مفترق طريق ليبيا.“
سجلت الكلمة بعد انطلاق الثورة الليبية وتأسيس المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي في أواخر فبراير ٢٠١١. المختصر هو أن دعا الليبي شخوص المجلس إلى رفض التعاون مع الغرب وأمريكا تحت بند ”مكافحة الإرهاب،“ وعدم مشاركتهم ”في حرب المجاهدين.“ يقدم الليبي لهذه الدعوة باستبشاره خيراً ”بالثورات“ في العالم العربي والتعهد ”بالمشاركة“ فيها و“فتح جبهات“ في العالم وخاصة سوريا.
بإسقاط هذا الكلام على الحالة السورية اليوم، نتساءل لماذا هذا التحوّل في خطاب القاعدة تجاه سوريا الجديدة؟ هل أدركت القاعدة اليوم أن لحكام سوريا الجدد توجهاً مختلفاً تجاه الجهاديين“؟ هو توجه قديم يعود إلى ٢٠١٧، عندما فكت هيئة تحرير الشام الارتباط مع القاعدة؛ بل ولاحقت فلولهم – ضمن تنظيم حراس الدين – حتى قضت عليه عملياً في صيف ٢٠٢٠. يُضاف إلى ذلك أن الإسقاط في كلمة الليبي يأتي مختلفاً عن بيان حل حراس الدين المؤرخ في ٢٨ يناير ٢٠٢٥. بيان الحل الذي جاء ”بقرار أميري من القيادة العامة لتنظيم قاعدة الجهاد،“ أشار إلى ”اكتمال مرحلة من مراحل الصراع بين الحق والباطال“ عندما انتصر ”أهل الشام .. هذا الشعب المسلم السني على طاغية من أظلم طواغيت العصر الحديث.“
هل أفاقت القاعدة اليوم على أمر لم تدركه سابقاً؟ لنتذكر أن أفرع القاعدة كانت باركت أحداث ٨ ديسمبر في الشام. ومن ذلك أن مؤسسة الملاحم التابعة لتنظيم القاعدة في اليمن ومن خلال خدمة ”شاهد“ نشرت في يناير ٢٠٢٥ مرئياً قصيراً امتدح ”طائفة تُعد وتستعد بطائرات الشاهين“ حتى ”استنشق شعب سوريا عبير الحرية.“ ونقول إن الذي أعد مسيرات شاهين هم نفسهم حكام سوريا الجدد اليوم.
يصبح هذا السؤال أكثر إلحاحاً عندما تنشر السحاب في ٥ مايو العدد ٤٣ من ”النشرة التوعوية“ النفير. هذا العدد تضمن خطاباً لافتاً غير معهود في إصدارات القاعدة – حملة على تركيا ورئيسها رجب طيب إروغان.
المطوية بعنوان ”حليف الصلبان“ والمقصود هنا الرئيس التركي، تتضمن كلاماً لاذعاً وشديد اللهجة إلى ما تقول إنه دور تركيا في ”اغتيال مجاهدي وقيادات قاعدة الجهاد في الشام، وكأنهم هم ( أي تركيا) من كان يحكم من قصر دمشق.“ ثم تعرج على دور تركيا في الصومال وحتى في غزة. فالقاعدة لا ترى أن تركيا تدعم غزة؛ بل بالعكس، تدعم من يقتل غزة.
لا نستطيع أن نقرأ هذا بمعزل عن التوتر بين تركيا وإيران حول سوريا انطلاقاً من ردع العدوان التي أفضت إلى إسقاط نظام الأسد وخروج إيران تماماً من الشام. وعليه يصبح الجواب منطقياً بالنظر إلى العلاقة بين القاعدة وطهران من خلال سيف العدل؛ وبمعزل عن العلاقة بين القاعدة والحوثيين المدعومين إيرانياً في اليمن؛ وبمعزل عن العلاقة بين الحوثيين وشباب القاعدية في الصومال.
”أفضل الصمت لشدة حزني“
بعد أقل من شهر على أحداث الساحل الدموية في سوريا، يُنكب هذا البلد بمأساة أخرى: البشاعة ذاتها ولكن في مستوى مختلف من التعقيد. ابتداء من ٢٩ أبريل، اندلعت اشتباكات بين مسلحين دروز وقوات الأمن الحكومية في المنطقة ذات الأغلبية الدرزية جنوب دمشق. لاحقاً تحول الاقتتال إلى ريف السويداء بين مسلحين دروز ومسلحين من البدو. كما برز انقسام بين القياديين الدروز حول الموقف من الدولة، تماماً كما كان في اختلاف الرأي بين العلويين في أحداث الساحل.
ما زاد على أحداث الساحل وعقّد الأمور أمران. أولاً، تدخلت إسرائيل بذريعة حماية الأقلية الدرزية فقصفت مناطق في دمشق. وهكذا لم يعد ممكناً احتواء المسألة داخلياً – على بشاعتها – بل امتدت إلى بلد عدوٍّ. ثانياً، وإن كان التوتر بين أجهزة الدولة الجديدة والدروز ليس جديداً، إلا أنه هذه المرة تعمق بعد انتشار تسجيل صوتي نُسب إلى شخصية درزية فيه إساءة إلى الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام. فلم تعد المسألة تتعلق بلحمة وطنية وإنما بعقيدة دينية.
في ردود الفعل، المعارضون التقليديون لحكام سوريا الجدد اعتبروا أن المسؤول عن تفاقم أحداث من هذا النوع هو تهاون إدارة أحمد الشرع في التعامل مع أولياء النظام السابق؛ حتى صارت الحبة ”قبة“ كما جاء في حساب ”أبو يحيى الشامي“ على التلغرام. آخرون قالوا إن على الدولة أن تتعامل بحزم أيضاً مع الأقليات حتى لا تتشكل ”دولة داخل دولة.“ فريق ثالث أطلق حكم ”التكفير“ على الطائفة بما لا يدع مجالاً لصلح خير.
لكن مفتي الجمهورية السورية، أسامة الرفاعي، وصف ما حدث بأنه ”فتنة“ يجب وأدها ”حقناً لدماء جميع السوريين“ داعياً إلى ”ترك العدالة تأخذ مجراها.“
وفي فضاء سوري آخر، لفت تعليق للدكتورة رحاب منى شاكر على الفيسبوك عن التعامل مع من يتعرّض بالكلام المسيئ للمقدس الديني. تقول: ”كلما غضبت أكثر، زادت الرغبة (عند المسيئ) بالتعبير بتلك الطريقة الخرقاء. إلا إذا استخدمت السلاح طبعا ودمرت ما تبقى من البلد … أنا ضد الشتائم بكل أنواعها وأشكالها، ولكني مع أن الحل الوحيد لها هو تجاهلها بشكل كامل … أخشى أننا وصلنا اليوم بهذه القضية إلى نقطة خطيرة، لأنه إذا قدرنا يوما سحب السلاح من يد الناس، فلا يمكننا ربط لسانهم، وخاصة في هذا العالم المتصل ببعضه إلكترونيا، وما أسهل انتشار الأخبار الخبيثة. واستمري يا قلاقل… هذا هو رأيي، مع إني كنت أفضل الصمت لشدة حزني.“
داعش .. الوجهة إفريقيا
القلاقل التي تواجهها الإدارة الجديدة في دمشق، هل تخلق مناخاً مناسباً لداعش في سوريا؟ ربما. لن يكون داعش كما كان في السنوات من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٧، ولكن خطره قائم. فلن يتوانى فلول التنظيم عن إشغال القوات الأمنية على المستوى المحلي والوطني؛ ولن يتوانى عن أن يكون ذخيرة لطرف ثالث بهدف زعزعة استقرار ذلك البلد.
من هنا لفت باحثون إلى ارتفاع وتيرة هجمات التنظيم في سوريا في الآونة الأخيرة.
الصحفي يعقوب بوزوال المتخصص في ملف الجماعات الجهادية في BBC Monitoring لاحظ أن هجمات داعش في شهر أبريل الماضي كانت الأكثر منذ سقوط النظام في ديسمبر ٢٠٢٤؛ متركزة في دير الزور شرقاً ومستهدفة عناصر قسد.
الباحث آرون زيلين من معهد واشنطن علّق بأن هذا الارتفاع لا يزال في مستويات متدنية بالرجوع إلى أرشيف هجمات التنظيم عبر السنوات الماضية؛ لكنه يأتي مع بدء الانسحاب الأمريكي من المنطقة. وعليه، يرى زيلين، أن هذا الارتفاع دليل على خطأ قرار الانسحاب.
هل يعني هذا أن التنظيم يتعافى في العراق والشام؟ حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي المتخصص في كشف خبايا التنظيم يرى خلاف ذلك. يقول إن التنظيم يمر بأزمة حقيقية في المنطقة والشاهد هو الاستنزاف المهول في قياداته وشغور المناصب العليا وذلك مرده إلى اتساع شبكة عملاء داخل التنظيم. وعليه، يرى الحساب أنه لم يبق للتنظيم ”سوى الجبهة الإفريقية كقارب نجاة.“
أخبار متعلقة :