خليج نيوز

انتكاسة بلدية "للوطني الحر" .. والانهيار يتسارع - خليج نيوز

يبدو أنّ التيار "الوطني الحر"، برئاسة النائب جبران باسيل، يعيش حالة إنكار سياسي واضحة، أو في الحد الأدنى انفصالاً كاملاً عن الواقع. إذ يتعاطى مع الانتخابات البلدية وكأنّه في موقع القوّة، ويسوّق لانتصارات عبر بعض الوسائل الإعلامية المقرّبة، في وقتٍ تتوالى عليه الضربات القاسية من نتائج الانتخابات البلدية ومن مزاج الناس المتبدّل، ناهيك عن موقعه المتراجع على الخارطة السياسية اللبنانية.

Advertisement


في قضاء المتن، تلقى "التيار" ضربة موجعة. والمفارقة هنا أن النواب الأربعة الخارجين من عباءته، بعد انشقاقهم عنه، تمكّنوا من حصد عدد لا بأس به من البلديات قد يفوق ما حقّقه "التيار" نفسه في كل من المتن وجبيل وبعبدا. ولعلّ هذا التحوّل لا يعبّر فقط عن تراجع في الحضور الشعبي، بل يُظهر تفككاً واضحاً داخل بيئة "التيار" نفسها.

أما في البترون، المعقل التاريخي لباسيل، فالخسارة كانت مدوّية. حيث خسر "التيار" في كل قرى القضاء تقريباً، باستثناء مدينة البترون التي لم تشهد معركة أصلاً نتيجة توافق مسبق وتحالف مع "القوات اللبنانية"، الخصم السياسي الأبرز، في خطوة يمكن فهمها كاستباق للهزيمة أو تهرّبا من اختبار شعبي مباشر. لكن الواقع يشي بأنه حيث وقعت المعركة خسر "التيار"، وحيث تحالف مع خصومه، نجا شكلياً.

وفي الكورة أيضاً، لا تقل الصورة قتامةً؛ النتائج تُظهر أزمة ثقة متفاقمة، وأداءً متردّياً على الأرض، وخسارة متراكمة لرصيد شعبي كان "التيار" على مدار سنوات طويلة يفاخر به.

سياسياً، يبدو "التيار" محاصراً أو معزولاً، بمعنى أدقّ. فكل محاولاته للعودة إلى المشهد عبر تنازلات استراتيجية كفكّ التحالف مع "حزب الله" أو التصويت لرئيس الحكومة نواف سلام لم تُثمر أبداً، بل على العكس، إذ لم يتأخر سلام في عزله مباشرة عن المشهد الجديد. ومع غياب أي تحالف جدّي يؤمّن له مظلّة وطنية، يصبح "التيار" اليوم خارج التوازنات الكبرى، على الرغم من تموضعه المائع وتذبذبه بين خيارات متناقضة.

وما يزيد المشهد تعقيداً، أن ثمّة معلومات متقاطعة تتحدث عن توجّهات إقليمية "آتية من خلف البحار"، وفق توصيف بعض المصادر، تهدف صراحة إلى تقزيم "التيار" وكسر شوكته داخل الحياة السياسية اللبنانية. هذا المسار، الذي يبدو أنّ قوى نافذة في الداخل والخارج تتبنّاه، يأتي في سياق ترتيب جديد للأوزان والأدوار حيث لا مكان لمن لعب كلّ الأوراق وخسرها.

أمام كل هذا التخبّط، لم تسعف "التيار" شعاراته الشعبوية ولا خطاباته العالية النبرة. فالكلام المستهلك الذي اعتاد مخاطبة القواعد الشعبية به، لم يعد يجذب الجمهور، والسقف المرتفع فقد تأثيره والتحريض لم يعُد يُترجم أصواتاً. إذ يبدو أنّ القاعدة الجماهيرية تغيّرت، فيما الخطاب بقي على حاله، وربّما أسوأ.

من الواضح أنّ التيار "الوطني الحر" اليوم بات غارقاً في مأزق؛ مأزق بنيوي وشعبي وسياسي، وإذا استمرت المعادلات على هذا النحو فإن الانتخابات النيابية المقبلة قد تحمل له ضربة جديدة، وربما قاضية، تُعيد خلط الأوراق من جديد وتفتح الباب أمام إعادة تشكيل التوازنات المسيحية في لبنان، بين احزاب صاعدة و"تيار" يتهاوى على وقع شعاراته القديمة وتحالفاته الضائعة. 

أخبار متعلقة :