لا تشبه زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى لبنان زياراته السابقة، أو زيارات أسلافه التي تكرّرت على امتداد السنوات الأخيرة، في الشكل كما في المضمون، وهو ما عكسته محطّات الزيارة، التي شملت وزير الخارجية يوسف رجّي أولاً، وفق البروتوكول، ومن ثمّ رؤساء الجمهورية جوزاف عون، ومجلس النواب نبيه بري، والحكومة نواف سلام، إضافة إلى التصريحات التي أطلِقت على هامشها، وتقاطعت على عنوان "الاحترام المتبادل".
لعلّ ذلك تجلّى بوضوح في حديث الوزير الإيراني صراحةً عن "صفحة جديدة" تريد إيران فتحها على مستوى العلاقات الثنائية مع لبنان، تقوم على "قاعدة الاحترام المتبادل، وعدم تدخل أي دولة بشؤون الأخرى"، وهو تعمّد أن يكرّر في معظم تصريحاته للصحافيين "ثابتة" دعم إيران التام لاستقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه، كما أعرب أيضًا عن دعم طهران لـ"الحوار الوطني في لبنان بين الطوائف والمجموعات والاتجاهات المختلفة"، وفق تعبيره.
ولعلّ عراقجي "تناغم" بتصريحاته هذه، مع "مقاربة" العهد للعلاقة مع إيران، وقد عبّر عنها رئيس الجمهورية مثلاً بحديثه عن تطلّع لبنان إلى "تعزيز العلاقات من دولة إلى دولة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وكذلك رئيس الحكومة الذي أكّد أن "لبنان حريص على العلاقات الثنائية مع إيران على قاعدة الاحترام المتبادل والحفاظ على سيادة البلدين"، فهل يمكن القول إنّ زيارة عراقجي تؤسّس فعلاً لـ"صفحة جديدة" في العلاقات؟!
ظروف دقيقة واستثنائية
قبل تحليل "مضمون" تصريحات عراقجي، ومحاولة استقراء "الصفحة الجديدة" التي تحدّث عنها، لا بدّ من التوقف عند الأهمية التي تنطوي عليها الزيارة من حيث التوقيت أولاً، فهي تأتي في ظروف استثنائية ودقيقة، سواء على المستوى اللبناني، بعد المتغيّرات التي أحدثتها الحرب الإسرائيلية التي لم تنتهِ فصولاً على لبنان، أو حتى على المستوى الإقليمي، والإيراني تحديدًا، في ضوء المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، والتي تبدو في مرحلة من "الجمود".
فعلى المستوى الداخلي، ربطًا بالتطورات في لبنان، يسجّل العارفون أهمية الزيارة، من حيث كونها تأتي في سياق مختلف عن كلّ الزيارات الإيرانية السابقة، فطهران تدرك أنّ المعادلات الداخلية تغيّرت بعد الحرب الأخيرة، وتراجع نفوذ "حزب الله" الذي لطالما صُنّف "أداتها التنفيذية"، حتى إنّ العلاقات الثنائية بين لبنان وإيران تأثّرت بنتائج الحرب، خصوصًا بعد ما سُمّيت بـ"أزمة الطائرات"، إثر قرار وقف الحركة الجوية بين البلدين.
لكن، على أهمية هذا البعد الداخلي، ثمّة من يعطي الزيارة أهميتها من حيث البعد "الإقليمي"، الذي تنطوي عليه، فالزيارة تأتي على وقع المفاوضات الأميركية الإيرانية، ولو بدت "متعثّرة" في المرحلة الأخيرة، وثمّة من يعتقد في هذا الجانب أنّ إيران تريد أن تثبت للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، "حسن نواياها"، من خلال تغيير طريقة تعاطيها مع لبنان، ولذلك دلالاته، حتى لو لم يكن مُدرجًا على "أجندة" المفاوضات الحاليّة، المحصورة بالملف النووي.
هل من "صفحة جديدة"؟
عمومًا، وبعيدًا عن السياق، يسجّل العارفون "تغييرًا" فعليًا في "اللهجة" عكسته تصريحات وزير الخارجية الإيراني خلال الزيارة التي قام بها إلى بيروت، ولو أنّ الدبلوماسيين الإيرانيين لطالما حرصوا على تأكيد احترام سيادة لبنان واستقلاله، فهو على سبيل المثال تعمّد أن يتحدّث عن الحوار الوطني، واضعًا إيران "على مسافة واحدة" من الأفرقاء بصورة أو بأخرى، وكذلك حرص على الحديث عن "ظروف جديدة"، ما فُسّر إقرارًا ضمنيًا بالمتغيّرات الطارئة.
وفيما كان لافتًا أنّ وزير الخارجية الإيراني لم يأتِ على ذكر "المقاومة" كما دأب الموفدون الإيرانيون على أن يفعلوا، حتى حين أدان احتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية، معبّرًا عن دعم الجهود التي يبذلها لبنان "حكومة وشعبًا" لإخراج المحتلّ، لوحظ أيضًا ربطه الحديث عن استعداد إيران للمشاركة في إعادة الإعمار، بالحكومة اللبنانية أيضًا، في حال رغبتها بذلك أولاً، ومن خلالها ثانيًا، وليس من خلال أيّ قناة أخرى، وهو أيضًا يشكّل نقطة مهمّة يجدر الوقوف عندها.
استنادًا إلى ما تقدّم، يقول العارفون إنّ زيارة وزير الخارجية الإيراني تؤسّس عمليًا لـ"صفحة جديدة" في العلاقات الثنائية، فهي عكست في مكانٍ ما ذهنية جديدة، أو بالحدّ الأدنى مقاربة مختلفة عمّا كان سائدًا سابقًا للعلاقة مع لبنان، تقوم على مبدأ الندّية في المقام الأول، وبالتالي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، إلا أنّ هذه الذهنية التي كرّسها الموفد الإيراني في الأقوال، تبقى محكومة بالخواتيم، وهي هنا الأفعال، وفق العارفين.
تتضارب الرؤى إذًا حول "الصفحة الجديدة" التي تفتحها إيران مع لبنان. ثمّة من يرى أنّها تعكس حرص طهران على "التناغم" مع عناوين "العهد الجديد" في سبيل تعزيز العلاقات الثنائية. وثمّة في المقابل، من يرى فيها إقرارًا ضمنيًا بـ"خلل" كان قائمًا، حين غلّبت علاقتها مع "طرف" على "الدولة". وبين هذا الرأي وذاك، يبقى السؤال، عن "أفق" العلاقة الجديدة، وقبل ذلك، عن المقاربة الغربية لها، وهنا بيت القصيد!
Advertisement
لعلّ ذلك تجلّى بوضوح في حديث الوزير الإيراني صراحةً عن "صفحة جديدة" تريد إيران فتحها على مستوى العلاقات الثنائية مع لبنان، تقوم على "قاعدة الاحترام المتبادل، وعدم تدخل أي دولة بشؤون الأخرى"، وهو تعمّد أن يكرّر في معظم تصريحاته للصحافيين "ثابتة" دعم إيران التام لاستقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه، كما أعرب أيضًا عن دعم طهران لـ"الحوار الوطني في لبنان بين الطوائف والمجموعات والاتجاهات المختلفة"، وفق تعبيره.
ولعلّ عراقجي "تناغم" بتصريحاته هذه، مع "مقاربة" العهد للعلاقة مع إيران، وقد عبّر عنها رئيس الجمهورية مثلاً بحديثه عن تطلّع لبنان إلى "تعزيز العلاقات من دولة إلى دولة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وكذلك رئيس الحكومة الذي أكّد أن "لبنان حريص على العلاقات الثنائية مع إيران على قاعدة الاحترام المتبادل والحفاظ على سيادة البلدين"، فهل يمكن القول إنّ زيارة عراقجي تؤسّس فعلاً لـ"صفحة جديدة" في العلاقات؟!
ظروف دقيقة واستثنائية
قبل تحليل "مضمون" تصريحات عراقجي، ومحاولة استقراء "الصفحة الجديدة" التي تحدّث عنها، لا بدّ من التوقف عند الأهمية التي تنطوي عليها الزيارة من حيث التوقيت أولاً، فهي تأتي في ظروف استثنائية ودقيقة، سواء على المستوى اللبناني، بعد المتغيّرات التي أحدثتها الحرب الإسرائيلية التي لم تنتهِ فصولاً على لبنان، أو حتى على المستوى الإقليمي، والإيراني تحديدًا، في ضوء المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، والتي تبدو في مرحلة من "الجمود".
فعلى المستوى الداخلي، ربطًا بالتطورات في لبنان، يسجّل العارفون أهمية الزيارة، من حيث كونها تأتي في سياق مختلف عن كلّ الزيارات الإيرانية السابقة، فطهران تدرك أنّ المعادلات الداخلية تغيّرت بعد الحرب الأخيرة، وتراجع نفوذ "حزب الله" الذي لطالما صُنّف "أداتها التنفيذية"، حتى إنّ العلاقات الثنائية بين لبنان وإيران تأثّرت بنتائج الحرب، خصوصًا بعد ما سُمّيت بـ"أزمة الطائرات"، إثر قرار وقف الحركة الجوية بين البلدين.
لكن، على أهمية هذا البعد الداخلي، ثمّة من يعطي الزيارة أهميتها من حيث البعد "الإقليمي"، الذي تنطوي عليه، فالزيارة تأتي على وقع المفاوضات الأميركية الإيرانية، ولو بدت "متعثّرة" في المرحلة الأخيرة، وثمّة من يعتقد في هذا الجانب أنّ إيران تريد أن تثبت للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، "حسن نواياها"، من خلال تغيير طريقة تعاطيها مع لبنان، ولذلك دلالاته، حتى لو لم يكن مُدرجًا على "أجندة" المفاوضات الحاليّة، المحصورة بالملف النووي.
هل من "صفحة جديدة"؟
عمومًا، وبعيدًا عن السياق، يسجّل العارفون "تغييرًا" فعليًا في "اللهجة" عكسته تصريحات وزير الخارجية الإيراني خلال الزيارة التي قام بها إلى بيروت، ولو أنّ الدبلوماسيين الإيرانيين لطالما حرصوا على تأكيد احترام سيادة لبنان واستقلاله، فهو على سبيل المثال تعمّد أن يتحدّث عن الحوار الوطني، واضعًا إيران "على مسافة واحدة" من الأفرقاء بصورة أو بأخرى، وكذلك حرص على الحديث عن "ظروف جديدة"، ما فُسّر إقرارًا ضمنيًا بالمتغيّرات الطارئة.
وفيما كان لافتًا أنّ وزير الخارجية الإيراني لم يأتِ على ذكر "المقاومة" كما دأب الموفدون الإيرانيون على أن يفعلوا، حتى حين أدان احتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية، معبّرًا عن دعم الجهود التي يبذلها لبنان "حكومة وشعبًا" لإخراج المحتلّ، لوحظ أيضًا ربطه الحديث عن استعداد إيران للمشاركة في إعادة الإعمار، بالحكومة اللبنانية أيضًا، في حال رغبتها بذلك أولاً، ومن خلالها ثانيًا، وليس من خلال أيّ قناة أخرى، وهو أيضًا يشكّل نقطة مهمّة يجدر الوقوف عندها.
استنادًا إلى ما تقدّم، يقول العارفون إنّ زيارة وزير الخارجية الإيراني تؤسّس عمليًا لـ"صفحة جديدة" في العلاقات الثنائية، فهي عكست في مكانٍ ما ذهنية جديدة، أو بالحدّ الأدنى مقاربة مختلفة عمّا كان سائدًا سابقًا للعلاقة مع لبنان، تقوم على مبدأ الندّية في المقام الأول، وبالتالي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، إلا أنّ هذه الذهنية التي كرّسها الموفد الإيراني في الأقوال، تبقى محكومة بالخواتيم، وهي هنا الأفعال، وفق العارفين.
تتضارب الرؤى إذًا حول "الصفحة الجديدة" التي تفتحها إيران مع لبنان. ثمّة من يرى أنّها تعكس حرص طهران على "التناغم" مع عناوين "العهد الجديد" في سبيل تعزيز العلاقات الثنائية. وثمّة في المقابل، من يرى فيها إقرارًا ضمنيًا بـ"خلل" كان قائمًا، حين غلّبت علاقتها مع "طرف" على "الدولة". وبين هذا الرأي وذاك، يبقى السؤال، عن "أفق" العلاقة الجديدة، وقبل ذلك، عن المقاربة الغربية لها، وهنا بيت القصيد!
أخبار متعلقة :