حين وُلدت تجربة المصارف الخاصة في سوريا مطلع الألفية، كانت البنوك اللبنانية أول من قرأ اللحظة وأدرك حجم الفرصة. فالقانون رقم 28 لعام 2001، الذي أنهى احتكار الدولة للقطاع المصرفي، لم يكن مجرد إصلاح إداري، بل نافذة استراتيجية نادرة للاندماج المالي الإقليمي. ومنذ عام 2004، رسّخت المصارف اللبنانية حضورها في دمشق وحلب واللاذقية، ليس كفروع عابرة بل كشركات مالية سورية ذات رأس مال لبناني وشراكات محلية، تخضع للرقابة المصرفية السورية ولكنها تُدار بعقلية لبنانية مصرفية راكمت خبرات طويلة في الأسواق الحرة وتكنولوجيا الخدمات المالية.
لكن ما بُني على أمل التحرير، تآكل لاحقاً تحت وطأة العقوبات الدولية، والتقلبات السياسية، والحرب التي مزّقت البنية التحتية والمؤسسات، وأسقطت مشاريع اقتصادية كثيرة كانت تحمل وعوداً بنمو تشاركي بين بيروت ودمشق. ومع انهيار الاقتصاد السوري تدريجياً، تراجعت قدرة هذه المصارف على لعب دورها التنموي، وتحولت إلى مؤسسات محافظة، أقرب إلى حراس للودائع الصغيرة منها إلى محركات للتمويل والاستثمار.
اليوم، ومع التحولات العميقة التي شهدها النظام السياسي السوري، والديناميكيات الإقليمية المستجدة التي تعيد رسم التوازنات بين دمشق وعواصم القرار، تعود أسئلة الماضي إلى الواجهة: ما هو الدور الجديد الذي يمكن للمصارف اللبنانية أن تؤديه في سوريا؟ وهل تمتلك البنية القانونية والمالية في البلدين ما يسمح بإعادة وصل ما انقطع؟
إن المتابع لتاريخ المصارف اللبنانية في سوريا يدرك أن ما ميّز هذه التجربة ليس مجرد وفرة رأس المال أو الانفتاح التجاري، بل البنية الذهنية والخبرة التراكمية التي حملتها هذه المؤسسات معها. فقد ساهمت هذه المصارف في إدخال مفاهيم حديثة على القطاع المصرفي السوري، كخدمات الإنترنت البنكي، ومنتجات التمويل العقاري، والخدمات المصرفية للأفراد. غير أن الحرب، وما تبعها من حصار اقتصادي وعقوبات قاسية، فرضت على هذه المصارف نمطاً دفاعياً في عملها، أخرجها من سوق الديناميكية المالية. أُغلقت خطوط الائتمان، وتقلصت التعاملات الخارجية، واضطرت البنوك إلى إعادة هيكلة أدوارها بما يتناسب مع بيئة مالية مغلقة ومعزولة.
لكن التبدلات السياسية في سوريا اليوم، بما تحمله من احتمال تخفيف القيود الدولية والانفتاح على الشركاء الخليجيين والدوليين، تفتح باباً أمام إعادة تعريف هذه الأدوار. فالمصارف اللبنانية، وإن كانت لا تزال حذرة من المخاطر التشغيلية، تجد نفسها أمام فرصة نادرة لتوسيع نشاطها، شرط أن تنجح في قراءة الإطار القانوني والسياسي الجديد الذي ترسمه دمشق بعد "النظام السابق".
ما الذي تغيّر؟ وما الذي يمكن أن يتغيّر؟
التحوّلات الأخيرة في تركيبة النظام السوري لم تكن شكلية. إنها تعكس محاولات فعلية لإعادة تأهيل الاقتصاد الوطني، وجذب الرساميل العربية، لا سيما الخليجية، عبر وعود بالاستقرار، ومحفزات استثمارية، وتخفيف تدريجي للعقوبات. من هنا، تصبح المصارف اللبنانية شريكًا طبيعيًا في هذا المسار، لا بوصفها مجرد مساهمات مالية، بل بكونها مؤسسات تمتلك جسورًا قانونية ومعرفية مع الاقتصاد السوري. لكن الاستفادة من هذه اللحظة تتطلب أكثر من النوايا. فهي تحتاج إلى مقاربات جديدة في العمل المصرفي، تستفيد من التقدم التكنولوجي، وتستثمر في الخدمات الرقمية، وتُعيد تصميم أدوات التمويل بما يناسب بيئة اقتصادية متغيرة وسوقًا مصرفية ما زالت تعاني من هشاشة البنية التحتية. الأهم، أن عودة المصارف اللبنانية إلى العمل بزخم في سوريا مشروطة بإصلاح داخلي لبناني أيضاً. فالقطاع المصرفي اللبناني يعاني من أزمة ثقة عميقة، ومن قيود قاسية على تحويل الأموال والاستثمار الخارجي. وبالتالي، فإن أي خطة لتوسيع الحضور في سوريا يجب أن تنطلق من تسوية بنيوية داخل لبنان، تضمن حرية حركة الرساميل، وتعيد التوازن لعلاقات المصارف مع الخارج.
أحد أبرز المؤشرات على انفتاح الاقتصاد السوري مجددًا هو الحديث المتزايد عن احتمالات تدفّق العملة الصعبة إلى السوق السورية. فبعد سنوات من العزلة والعقوبات الغربية التي حرمت سوريا من أدوات التمويل الدولية، بدأت تظهر مؤشرات على تغيير تدريجي في المناخ السياسي والاقتصادي. العلاقات العربية – السورية تعود إلى الواجهة، والحوارات بين دمشق وعدد من العواصم الخليجية تُبنى على مبدأ "الربح المتبادل"، ما يعيد إلى الطاولة فكرة الاستثمارات الخليجية في سوريا، وتمويل مشروعات إعادة الإعمار، وتيسير عمليات التجارة والتحويل المالي.
في هذا السياق، تبرز المصارف اللبنانية كلاعب طبيعي، وربما الأكثر تأهيلاً، لربط سوريا بالأسواق المالية العربية. لا يعود هذا فقط إلى القرب الجغرافي والتاريخ المشترك، بل إلى أسباب أكثر بنيوية: المصارف اللبنانية تمتلك خبرة تشغيلية طويلة في البيئات العربية، وتُجيد التعامل مع أنظمة الرقابة الخليجية، وتملك شبكات من العلاقات مع مصارف المراسلة في الخليج ومصر والعراق والأردن، ما يضعها في موقع استراتيجي يمكن أن يساعد سوريا على إعادة تأسيس قنواتها المصرفية، من دون خرق العقوبات أو الالتفاف عليها.
وعلى أرض الواقع، فإن المصارف اللبنانية كانت، منذ عام 2004، جزءًا جوهريًا من النسيج المالي السوري الناشئ. سبعة مصارف سورية خاصة تأسست بشراكات لبنانية، ووفرت لسوريا ليس فقط التمويل، بل أيضًا نظمًا مصرفية حديثة، وتدريبًا للكوادر، ومنهجيات تقييم ائتماني لم تكن متوفرة من قبل. هذا التراكم يجعل المصارف اللبنانية ليست فقط لاعبًا ماليًا، بل ناقلًا للمعرفة والتقنيات والنظم التي يمكن أن تُستخدم اليوم لتسريع إعادة بناء الجهاز المالي السوري.
إذا نجحت دمشق في إرساء استقرار نقدي أولي، وهو رهن تخفيف العقوبات وضبط السوق السوداء وتدفق الأموال الخارجية ، فإن المصارف اللبنانية ستكون أول من يستفيد من هذا التحول، عبر تفعيل محافظها الائتمانية، وإعادة تحريك شبكاتها الاستثمارية، وتوسيع شراكاتها مع مستثمرين عرب ينظرون بحذر إلى السوق السورية، ويحتاجون إلى وسطاء موثوقين وذوي خبرة محلية – إقليمية. وهذا الدور الوسيط لا يمكن أن تؤديه المصارف الخليجية مباشرةً، نظرًا لحساسيات سياسية وقانونية، في حين أن المصارف اللبنانية، ذات الوضع القانوني المحلي في سوريا، تملك هامش تحرك أوسع وأكثر مرونة.
أكثر من ذلك، يُمكن للمصارف اللبنانية أن تلعب دورًا في تقوية الربط المالي العربي بين بيروت ودمشق وبغداد وعمان، في حال تم تعزيز الثقة بسياساتها الداخلية وإعادة هيكلتها بعد الأزمة التي أصابت القطاع المصرفي اللبناني. فتأهيل هذا القطاع ليس فقط مصلحة لبنانية داخلية، بل ضرورة إقليمية، لأن جزءًا من استقرار المنطقة الاقتصادي يمر عبر قدرة لبنان على أداء دوره كمنصة مالية وخدمة مصرفية متقدمة، وهو الدور الذي لطالما تميز به قبل الانهيار.
وفي هذا المسار، قد تُعاد صياغة دور بيروت كمركز مالي إقليمي صغير لكنه ذكي، متكامل مع الأسواق العربية وليس منافسًا لها، وفاعل في ربط الاقتصادات الهشة (مثل الاقتصاد السوري) بمنظومات النقد والاستثمار الخليجية والعربية والدولية. والمصارف اللبنانية هي القناة الطبيعية لهذا الطموح، لأنها تاريخيًا لعبت دور الوسيط بين المراكز المالية الكبرى (من باريس إلى الرياض) والأسواق ذات المخاطر المرتفعة، من سوريا إلى العراق.
لا يمكن التقليل من حجم التعقيدات التي تحيط بعودة البنوك اللبنانية إلى الواجهة في سوريا. فالمخاطر القانونية المرتبطة بالعقوبات لا تزال قائمة، والبيئة التشريعية في دمشق بحاجة إلى إصلاحات عميقة لضمان الشفافية والحوكمة، كما أن السوق ما زال يعاني من ضعف الثقة، سواء من قبل المستثمرين المحليين أو من المغتربين. لكن على الرغم من كل هذه العوائق، يبقى أن المصارف اللبنانية تمتلك رصيداً تاريخياً، وخبرة عملياتية، وشبكة علاقات، تؤهلها لأن تكون شريكاً أساسياً في إعادة الإعمار المالي لسوريا. وما بين بيروت ودمشق، ثمة إمكانية نادرة لولادة تعاون مالي جديد، يتجاوز حدود المصالح، ليؤسس لتكامل اقتصادي طال انتظاره، ويفتح أمام البلدين نافذة استقرار محتمل في منطقة لا تزال تبحث عن نقطة ارتكاز.
Advertisement
لكن ما بُني على أمل التحرير، تآكل لاحقاً تحت وطأة العقوبات الدولية، والتقلبات السياسية، والحرب التي مزّقت البنية التحتية والمؤسسات، وأسقطت مشاريع اقتصادية كثيرة كانت تحمل وعوداً بنمو تشاركي بين بيروت ودمشق. ومع انهيار الاقتصاد السوري تدريجياً، تراجعت قدرة هذه المصارف على لعب دورها التنموي، وتحولت إلى مؤسسات محافظة، أقرب إلى حراس للودائع الصغيرة منها إلى محركات للتمويل والاستثمار.
اليوم، ومع التحولات العميقة التي شهدها النظام السياسي السوري، والديناميكيات الإقليمية المستجدة التي تعيد رسم التوازنات بين دمشق وعواصم القرار، تعود أسئلة الماضي إلى الواجهة: ما هو الدور الجديد الذي يمكن للمصارف اللبنانية أن تؤديه في سوريا؟ وهل تمتلك البنية القانونية والمالية في البلدين ما يسمح بإعادة وصل ما انقطع؟
إن المتابع لتاريخ المصارف اللبنانية في سوريا يدرك أن ما ميّز هذه التجربة ليس مجرد وفرة رأس المال أو الانفتاح التجاري، بل البنية الذهنية والخبرة التراكمية التي حملتها هذه المؤسسات معها. فقد ساهمت هذه المصارف في إدخال مفاهيم حديثة على القطاع المصرفي السوري، كخدمات الإنترنت البنكي، ومنتجات التمويل العقاري، والخدمات المصرفية للأفراد. غير أن الحرب، وما تبعها من حصار اقتصادي وعقوبات قاسية، فرضت على هذه المصارف نمطاً دفاعياً في عملها، أخرجها من سوق الديناميكية المالية. أُغلقت خطوط الائتمان، وتقلصت التعاملات الخارجية، واضطرت البنوك إلى إعادة هيكلة أدوارها بما يتناسب مع بيئة مالية مغلقة ومعزولة.
لكن التبدلات السياسية في سوريا اليوم، بما تحمله من احتمال تخفيف القيود الدولية والانفتاح على الشركاء الخليجيين والدوليين، تفتح باباً أمام إعادة تعريف هذه الأدوار. فالمصارف اللبنانية، وإن كانت لا تزال حذرة من المخاطر التشغيلية، تجد نفسها أمام فرصة نادرة لتوسيع نشاطها، شرط أن تنجح في قراءة الإطار القانوني والسياسي الجديد الذي ترسمه دمشق بعد "النظام السابق".
ما الذي تغيّر؟ وما الذي يمكن أن يتغيّر؟
التحوّلات الأخيرة في تركيبة النظام السوري لم تكن شكلية. إنها تعكس محاولات فعلية لإعادة تأهيل الاقتصاد الوطني، وجذب الرساميل العربية، لا سيما الخليجية، عبر وعود بالاستقرار، ومحفزات استثمارية، وتخفيف تدريجي للعقوبات. من هنا، تصبح المصارف اللبنانية شريكًا طبيعيًا في هذا المسار، لا بوصفها مجرد مساهمات مالية، بل بكونها مؤسسات تمتلك جسورًا قانونية ومعرفية مع الاقتصاد السوري. لكن الاستفادة من هذه اللحظة تتطلب أكثر من النوايا. فهي تحتاج إلى مقاربات جديدة في العمل المصرفي، تستفيد من التقدم التكنولوجي، وتستثمر في الخدمات الرقمية، وتُعيد تصميم أدوات التمويل بما يناسب بيئة اقتصادية متغيرة وسوقًا مصرفية ما زالت تعاني من هشاشة البنية التحتية. الأهم، أن عودة المصارف اللبنانية إلى العمل بزخم في سوريا مشروطة بإصلاح داخلي لبناني أيضاً. فالقطاع المصرفي اللبناني يعاني من أزمة ثقة عميقة، ومن قيود قاسية على تحويل الأموال والاستثمار الخارجي. وبالتالي، فإن أي خطة لتوسيع الحضور في سوريا يجب أن تنطلق من تسوية بنيوية داخل لبنان، تضمن حرية حركة الرساميل، وتعيد التوازن لعلاقات المصارف مع الخارج.
أحد أبرز المؤشرات على انفتاح الاقتصاد السوري مجددًا هو الحديث المتزايد عن احتمالات تدفّق العملة الصعبة إلى السوق السورية. فبعد سنوات من العزلة والعقوبات الغربية التي حرمت سوريا من أدوات التمويل الدولية، بدأت تظهر مؤشرات على تغيير تدريجي في المناخ السياسي والاقتصادي. العلاقات العربية – السورية تعود إلى الواجهة، والحوارات بين دمشق وعدد من العواصم الخليجية تُبنى على مبدأ "الربح المتبادل"، ما يعيد إلى الطاولة فكرة الاستثمارات الخليجية في سوريا، وتمويل مشروعات إعادة الإعمار، وتيسير عمليات التجارة والتحويل المالي.
في هذا السياق، تبرز المصارف اللبنانية كلاعب طبيعي، وربما الأكثر تأهيلاً، لربط سوريا بالأسواق المالية العربية. لا يعود هذا فقط إلى القرب الجغرافي والتاريخ المشترك، بل إلى أسباب أكثر بنيوية: المصارف اللبنانية تمتلك خبرة تشغيلية طويلة في البيئات العربية، وتُجيد التعامل مع أنظمة الرقابة الخليجية، وتملك شبكات من العلاقات مع مصارف المراسلة في الخليج ومصر والعراق والأردن، ما يضعها في موقع استراتيجي يمكن أن يساعد سوريا على إعادة تأسيس قنواتها المصرفية، من دون خرق العقوبات أو الالتفاف عليها.
وعلى أرض الواقع، فإن المصارف اللبنانية كانت، منذ عام 2004، جزءًا جوهريًا من النسيج المالي السوري الناشئ. سبعة مصارف سورية خاصة تأسست بشراكات لبنانية، ووفرت لسوريا ليس فقط التمويل، بل أيضًا نظمًا مصرفية حديثة، وتدريبًا للكوادر، ومنهجيات تقييم ائتماني لم تكن متوفرة من قبل. هذا التراكم يجعل المصارف اللبنانية ليست فقط لاعبًا ماليًا، بل ناقلًا للمعرفة والتقنيات والنظم التي يمكن أن تُستخدم اليوم لتسريع إعادة بناء الجهاز المالي السوري.
إذا نجحت دمشق في إرساء استقرار نقدي أولي، وهو رهن تخفيف العقوبات وضبط السوق السوداء وتدفق الأموال الخارجية ، فإن المصارف اللبنانية ستكون أول من يستفيد من هذا التحول، عبر تفعيل محافظها الائتمانية، وإعادة تحريك شبكاتها الاستثمارية، وتوسيع شراكاتها مع مستثمرين عرب ينظرون بحذر إلى السوق السورية، ويحتاجون إلى وسطاء موثوقين وذوي خبرة محلية – إقليمية. وهذا الدور الوسيط لا يمكن أن تؤديه المصارف الخليجية مباشرةً، نظرًا لحساسيات سياسية وقانونية، في حين أن المصارف اللبنانية، ذات الوضع القانوني المحلي في سوريا، تملك هامش تحرك أوسع وأكثر مرونة.
أكثر من ذلك، يُمكن للمصارف اللبنانية أن تلعب دورًا في تقوية الربط المالي العربي بين بيروت ودمشق وبغداد وعمان، في حال تم تعزيز الثقة بسياساتها الداخلية وإعادة هيكلتها بعد الأزمة التي أصابت القطاع المصرفي اللبناني. فتأهيل هذا القطاع ليس فقط مصلحة لبنانية داخلية، بل ضرورة إقليمية، لأن جزءًا من استقرار المنطقة الاقتصادي يمر عبر قدرة لبنان على أداء دوره كمنصة مالية وخدمة مصرفية متقدمة، وهو الدور الذي لطالما تميز به قبل الانهيار.
وفي هذا المسار، قد تُعاد صياغة دور بيروت كمركز مالي إقليمي صغير لكنه ذكي، متكامل مع الأسواق العربية وليس منافسًا لها، وفاعل في ربط الاقتصادات الهشة (مثل الاقتصاد السوري) بمنظومات النقد والاستثمار الخليجية والعربية والدولية. والمصارف اللبنانية هي القناة الطبيعية لهذا الطموح، لأنها تاريخيًا لعبت دور الوسيط بين المراكز المالية الكبرى (من باريس إلى الرياض) والأسواق ذات المخاطر المرتفعة، من سوريا إلى العراق.
لا يمكن التقليل من حجم التعقيدات التي تحيط بعودة البنوك اللبنانية إلى الواجهة في سوريا. فالمخاطر القانونية المرتبطة بالعقوبات لا تزال قائمة، والبيئة التشريعية في دمشق بحاجة إلى إصلاحات عميقة لضمان الشفافية والحوكمة، كما أن السوق ما زال يعاني من ضعف الثقة، سواء من قبل المستثمرين المحليين أو من المغتربين. لكن على الرغم من كل هذه العوائق، يبقى أن المصارف اللبنانية تمتلك رصيداً تاريخياً، وخبرة عملياتية، وشبكة علاقات، تؤهلها لأن تكون شريكاً أساسياً في إعادة الإعمار المالي لسوريا. وما بين بيروت ودمشق، ثمة إمكانية نادرة لولادة تعاون مالي جديد، يتجاوز حدود المصالح، ليؤسس لتكامل اقتصادي طال انتظاره، ويفتح أمام البلدين نافذة استقرار محتمل في منطقة لا تزال تبحث عن نقطة ارتكاز.
أخبار متعلقة :