خليج نيوز

لولا التدّخل الخارجي لما كان للبنان رئيس - خليج نيوز

من المبكر التكهن بما سيكون عليه شكل الحكومة الأولى في العهد الجديد. ولكن ليس من المبكر على الاطلاق التكهن بما سيتضمنه البيان الوزاري، الذي لا يمكن إلا أن يكون مستوحىً مما جاء في خطاب القسم وبيان التكليف. وفي هذا الخطاب وذاك البيان ما يكفي من المواقف المبدئية، التي تسمح ببدء نقل البلاد من ضفة الانهيار إلى ضفة التعافي التدريجي، خصوصًا أن أمام العهد وحكومته الأولى الكثير من العمل المتواصل، وفي الوقت نفسه الكثير من العراقيل والمعوقات، التي حالت في الماضي دون التمكّن من تحقيق الاصلاحات السياسية، والاقتصادية، والمالية، والإدارية. إلاّ أن ما يمكن البناء عليه فهو ما أحدثه انتخاب العماد جوزاف عون وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى من صدمة إيجابية ومن عصف لجرعات التفاؤل لدى القواعد الشعبية، التي انتظرت طويلًا وصبرت كثيرًا.

Advertisement


لكن التجارب السابقة مع رؤساء الجمهوريات السابقين الذين خرجوا من المؤسسة العسكرية قوادًّا، وهم على التوالي: اميل لحود وميشال سليمان وميشال عون وجوزاف عون كانت بدايات عهودهم مفروشة بالورد والياسمين، وانتهت بفراغات في سدّة الرئاسة الأولى. لكن هذه الواقعية في رسم خيوط الماضي لا تعني بالضرورة أن عهد الرئيس جوزاف عون ستكون نسخة منقحة عن خيبات الأمل السابقة.
إلاّ أن ما يميز بداية العهد الجديد عن العهود السابقة هو هذا التأييد وذاك الدعم الدولي والعربي غير المسبوقين، خصوصًا أن انتخاب العماد عون جاء مباشرة بعد سقوط نظام البعث في سوريا، وتزامن مع ثلاث محطات خارجية وداخلية مهمة، وهي: بدء سريان اتفاق وقف النار في قطاع غزة، وتسّلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مفاتيح البيت الأبيض في 20 الشهر الجاري، وبدء انسحاب الجيش الإسرائيلي من البلدات والقرى الجنوبية في 27 الجاري، وإكمال الجيش تمركزه في هذه البلدات والقرى، التي سينسحب منها الجيش المحتّل.

فالمملكة العربية السعودية لم تكن راضية كثيرًا عندما توافقت القوى السياسية على انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية في خريف عام 2016، ولم تقتنع بما قُدّم لها من براهين عن أن الرئيس عون قادر بحكم علاقاته الجيدة مع "حزب الله" أن يقرّبه إلى الخيار العربي، فكانت النتيجة أن أُخرج لبنان من محيطه العربي بفعل السياسات، التي اتبعت في حينه، خصوصًا بعدما تولى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل حقيبة الخارجية.

إلاّ أن وقوف المملكة كداعمة أساسية لانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وعودتها إلى الساحة اللبنانية من بابها العريض بعد التطورات السريعة في سوريا، سيكونان السند الرئيسي في عملية انتشال لبنان من رماله المتحركة، وإعادة اعمار ما هدّمته إسرائيل في الجنوب وبيروت والبقاع، وبعد التوصّل إلى اتفاق لوقف النار وافق عليه "حزب الله" بعد مفاوضات قادتها الولايات المتحدة الأميركية بشخص آموس هوكشتاين مع "الأخ الأكبر" لـ "الحزب" الرئيس نبيه بري.

ولولا هذا الدعم الخارجي لبقي الوضع الداخلي يراوح مكانه، خصوصًا أن ظروف بوادر الحل لم تكن الساحة اللبنانية بما فيها من تعقيدات وتشابكات مهيأة لها. ومن بديهيات الأمور أن التوازنات الداخلية لم تكن تسمح بالانتقال من ضفة إلى ضفة أخرى وتأمين عبور آمن. والدليل أن الفراغ الرئاسي دام سنتين وشهرين وتسعة أيام، ولم يكن أحد يتوقع حدوث أي خرق في جدار المواقف المتناقضة بين "المعارضة" من جهة، والقوى "الممانِعة" من جهة أخرى، والتي أدّت إلى عدم التوصّل إلى تفاهمات بحدّها الأدنى، وبالأخصّ أن الحرب الإسرائيلية على لبنان زادت من نسبة التشاؤم في إمكانية إنهاء الشغور الرئاسي.
إلاّ أن موافقة "حزب الله" على اتفاق وقف إطلاق النار ببنوده الثلاثة عشر، وهي بنود لا تصبّ في مصلحته، شجّع الرئيس بري على تحديد موعد للجلسة الانتخابية في 9 الجاري. ولكن هذا التحديد لم يكن يعني بالضرورة الافراج عن أسر الرئاسة الأولى، وأن الأجواء التي كانت سائدة حتى قبل 48 ساعة من موعد الجلسة لم تكن حاسمة بالنسبة إلى إمكانية تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة البرلمان. ولولا دخول الرياض على خط الأزمة الرئاسية عبر الأمير يزيد بن فرحان لما كان للبنان اليوم رئيس للجمهورية ورئيس مكّلف بتشكيل حكومة يعتقد البعض أنها لن تبصر النور في السرعة، التي تفرضها الظروف التي انقلبت رأسًا على عقب، وبسحر ساحر، خلال ساعات.

 

أخبار متعلقة :