كان من المفترض أن يقضي عقوبة بالسجن لمدة ثلاث سنوات في أحد سجون صنعاء بتهمة السرقة، لكن حياته انقلبت رأسًا على عقب عندما وجد نفسه فجأة في ميادين القتال على جبهات مأرب دون سابق إنذار. يروي أحمد صالح (اسم مستعار) لـ“أخبار الآن”: “قالوا لنا إنهم سيمنحوننا الحرية مقابل خدمة الوطن، لكن الحقيقة أن حياتنا تحولت إلى ساحة حرب لم نخترها بإرادتنا”. بهذه الكلمات بدأ حديثه، كاشفًا تفاصيل رحلة تحوله من مواطن عادي إلى جندي مقاتل في صفوف إحدى الجماعات الإرهابية.
“أحمد” هو أحد الناجين من عمليات التجنيد القسري التي نفذتها جماعة الحوثي في اليمن. خلال الفترة من مايو وحتى أغسطس 2017، خضع لثلاث دورات تثقيفية أسبوعية نظمتها الجماعة بهدف غرس أفكارها وخططها في أذهان المشاركين. في حديثه لـ“أخبار الآن”، أوضح أحمد أن الجماعة كثفت نشاطها التثقيفي في تلك الفترة، مما أدى إلى انضمام العديد من السجناء إلى دورات تدريبية قتالية. بعد ذلك، حصلوا على قرارات بالإفراج المشروط بالمشاركة في الجبهات القتالية. أحمد كان ضمن المجموعة الثانية من المجندين، حيث أشار إلى أنه كان بحاجة ماسة إلى الحرية ولم يدرك عواقب الانخراط في الحرب، مضيفًا أن خوفه من البقاء في السجن تفوق على خوفه من المشاركة في القتال.
في نهاية عام 2019، أصبح أحمد واحدًا من الأسرى الذين تم القبض عليهم في محافظة مأرب. التقيناه هناك ضمن مجموعة من الأسرى الذين اعترفوا بتجربتهم القاسية، وكشفوا كيف تحولت حياتهم من سجناء جنائيين إلى مقاتلين في صفوف جماعة الحوثي الإرهابية.
انتهاكات قانونية :
أحمد صالح حالة من 41 حالة تم الكشف عنها من خلال بحثنا والكشوفات الرسمية التي تم الاطلاع عليها ومقابلات حية لسجناء اعتقلوا بتهم مختلفة، تضمنوا وعودًا بالإفراج المشروط أو تخفيف الأحكام مقابل مشاركتهم في عمليات قتالية ولوجستية لصالح جماعة الحوثيين في سياق حربها الأهلية ومعاركها الأخيرة في البحر الأحمر. على الرغم من أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون رقم 19 لسنة 1999 والموسوم ” بـ قانون تنظيم السجون” والذي جرم في مواده استغلال السجناء في أعمال غير مشروعة وكفل الحفاظ على كرامة وحياة السجناء داخل السجون وخلال فترة تنفيذ احكامهم، وهو ما لم يتم تنفيذه من سلطة الأمر الواقع في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين.
وعلى الرغم من أن القانون اليمني يتضمن إجراءً يُعرف بـ”الإفراج الشرطي”، وهو آلية قانونية تسمح بإطلاق سراح السجين بعد قضائه ثلاثة أرباع مدة عقوبته، إلا إنه يشترط أن يكون قد أوفى بجميع الإلتزامات المالية المترتبة عليه وأظهر سلوكاً حسناً أثناء فترة وجوده في المؤسسة العقابية ، وهذا الإجراء يعتمد على التقييم الذي تجريه المؤسسة العقابية استناداً إلى أحكام وقواعد منصوص عليها في المادة رقم 506 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية ومع ذلك يُشترط أن يخضع السجناء الذين يتم الإفراج عنهم بموجب هذا الإجراء للمراقبة لفترة زمنية لاحقة لضمان التزامهم بالقانون.
وبحسب مقابلات و معلومات حصلنا عليها، فإن ثلاثة عشر من السجناء التي شملتهم العينة ومجموعها 41 حالة كان قد صدر ضدهم أحكام قضائية نهائية بالسجن، تتراوح مدة العقوبات فيها بين 8 سنوات ومدة السجن المؤبد والتي شملت واحداً منهم، أما القضايا الأخرى فقد تباينت بين التوقيف الأمني المؤقت وقضايا الشرف والقضايا الجنائية العالقة والتي تصل مدة السجن فيها إلى ثلاث سنوات .
سري للغاية
وثيقة رسمية داخلية تحمل عنوان “سري للغاية”، صادرة عن مصلحة السجون اليمنية وموجهة إلى وزير الداخلية في حكومة صنعاء حينها، حصلنا عليها من أحد المصادر المنشقة المتواجدة خارج اليمن تكشف تفاصيل دقيقة حول إجراءات غير اعتيادية للإفراج عن عدد من السجناء في بعض السجون اليمنية. الوثيقة، التي تعود إلى مايو 2018، تشير إلى تلقي مصلحة السجون طلبات رسمية من جهة أمنية وُصفت بأنها “سرية”، تهدف إلى الاستفسار عن سجناء محددين لاختيارهم للمشاركة في أنشطة أمنية خاصة.
وثيقة سرية تطالب بالإفراج عن عدد من المساجين تم إخفاء الأرقام الخاصة بها حفاظاً على سلامة المصدر
وتوضح الوثيقة أن عمليات الاختيار استهدفت سجناء تنطبق عليهم معايير محددة تشمل العُمر، المَهارات الشخصية، البنية الجسدية، والمشاركة في الدورات الثقافية التي تنظمها جماعة الحوثي.
ووفقًا لإداري سابق في وزارة الداخلية ، التقينا به في إحدى الدول العربية، فيقول أفرجت سلطات الحوثيين عن 93 سجينًا من السجون المركزية في محافظات صنعاء، عمران، ذمار، صعدة، وإب، بالإضافة إلى عشرات السجناء الذين جرى تجنيدهم من أقسام الشرطة والسجون الاحتياطية. وأفاد المصدر نفسه بأن الجماعة أخفت الملفات القضائية والأحكام الصادرة بحق هؤلاء السجناء، وألزمتهم بكتابة تعهدات خطية تتضمن القبول بالمشاركة في المعارك.
وعن الجهة التي تدير عملية التجنيد داخل السجون، أوضح المصدر الذي رفض ذكر اسمه حفاظا على سلامته أن جهة أمنية هي المسؤولة عن هذه المهمة، مشيرًا إلى أن قراراتها تتمتع بسلطة مطلقة ولا يمكن إيقافها حتى من قبل وزير الداخلية.
كما قدم المصدر وثيقة إضافية تطالب بالإفراج عن 13 سجينًا، موضحة أن الإفراج تم بناءً على “عفو عام من مكتب السيد”، وهو مكتب سياسي يتبع قيادة الحوثيين. وأشارت الوثيقة إلى أن الإفراج كان بسبب “احتياج جهات عسكرية مرتبطة بالجبهات والمعارك والصناعات العسكرية”، ملمحة إلى احتمال ارتباط هؤلاء السجناء بأيديولوجية الجماعة أو بأنشطة عسكرية سابقة.
خلال تحقيق ميداني بمحافظتي تعز ومأرب، تبين أن ظاهرة تجنيد السجناء ليست مقتصرة على جماعة الحوثي. فقد حصل فريق التحقيق على شهادات تؤكد تورط القوات المقاتلة في مأرب وتعز، المنتمية تنظيمياً لحزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) والتابعة للجيش الوطني الموالي للحكومة المعترف بها دولياً، في تجنيد السجناء، بما في ذلك الإفراج عن مدانين بجرائم جنائية مقابل انضمامهم إلى القتال. كما تم توثيق ممارسات مماثلة في محافظة عدن خلال فترات الحرب المتقطعة.
أظهرت الزيارات الميدانية أن عمليات التجنيد في مأرب وتعز وعدن تمت بقرارات فردية من قيادات عسكرية، بينما كانت عمليات تجنيد السجناء في مناطق سيطرة الحوثيين تجري بشكل منظم ومؤسسي، بإشراف من وزارات وجهات رسمية تابعة للجماعة ضمن استراتيجية ممنهجة لتجنيد السجناء.
وبحسب الحالات الموثقة، تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 65% من السجناء المجندين جاءوا من السجون المركزية التي كانت تحت سيطرة الحوثيين، بينما استُهدفت أقسام الشرطة بنسبة 20%. كانت السجون ومراكز الاحتجاز بمثابة المصدر الأساسي للمجندين، حيث تم استغلال السجناء، خاصة أولئك المدانين بجرائم جنائية، في تعزيز صفوف المقاتلين الحوثيين.
من الناحية الجغرافية، تصدرت محافظات صنعاء والحُديدة المناطق التي شهدت أكبر نسبة لتجنيد السجناء من قبل جماعة الحوثي، تلتها محافظات عمران، ذمار، إب، وصعدة.
كيف يتم التجنيد؟ أدوات الحوثيين النفسية والأيدلوجية
تحول فهد أحمد -اسم مستعار- من سجين بتهمة مرتبطة بالسرقة إلى محارب ينتمي عقائديًا وفكريًا لجماعة الحوثيين بعد أن قابل أحد السجناء في أحد السجون الاحتياطية بمحافظة ذمار، والذي أقنع إياد بالمشاركة في حرب “العدوان” على اليمن والتحول من شخص مدان إلى شخص “ذو أهمية” يقول إياد لــ“أخبار الآن” أنه وهب نفسه للوطن و للقتال ضد أعدائه وأن محنة السجن كانت السبب في عودته إلى الطريق المستقيم ويضيف، الحمد لله أني سلكت هذا الطريق، طريق الجهاد لنصرة الوطن .
ووفقًا لرصد فريق التحقيق فإن الجماعة كانت قد كلفت سجناء وُمندسين ومشرفين وحتى شيوخ ووجهاء قبائل بمهمة إقناع السجناء بالمشاركة في العمليات القتالية، وقدموا لهم إلى جانب وعود الحرية وعود بالحصول على تعويضات مادية واجتماعية وأدوار قيادية، وبالرغم من المخاطر القانونية فأن أعداد كبيرة استجابت لهذه الدعوات ما رفع أعداد السجناء المشاركين في العمليات القتالية.
وبتتبع الحالات فإن الجماعة عملت على آلية متكاملة لغرض التجنيد تمثلت في الدورات الفكرية المكثفة حول المفاهيم الجهادية والدفاع عن الوطن، بالإضافة إلى المكانة الاجتماعية المكتسبة في حال الانضمام للقتال في سبيل “الوطن” واستغلال الحالة النفسية للسجناء خصوصًا ذوي الأحكام الطويلة وذات الطابع الموسوم بالشرف، ومن ثم الضغوطات المالية والاجتماعية والتي يتم توجيهها غالبًا لذوي الدخل المحدود والأشخاص ذوي الخلفيات القبلية.
مهاجرين أفارقة جندتهم ميلشيا الحوثي للمشاركة معها في العمليات القتالية
وأفادت مصادر محلية في محافظة الحُديدة أن مصلحة السجون، وبتوجيهات مباشرة من قيادات أمنية وعسكرية عليا، تقوم بتنظيم محاضرات وندوات ثقافية داخل السجون، تهدف إلى استقطاب وتجنيد النزلاء لصالح الجماعة المسلحة. وتشير المعلومات إلى أنه تم تجنيد أكثر من مئة شخص حتى الآن. كما أن عمليات التجنيد مستمرة في مناطق أخرى مثل مأرب وتعز، حيث ينشط الإصلاحيون في استقطاب الأفراد، بينما تعتمد الجماعة على تجنيد جنود سابقين من عهد النظام السابق وبعض المنتمين للجماعة، بالإضافة إلى مهاجرين أفارقة من الصومال والقرن الإفريقي.
وبحسب المعلومات، فإن عدد المجندين من الصوماليين والأفارقة تجاوز 500 شخص، أما في أبين، فقد تم توثيق تجنيد 297 عنصرًا من قبل تنظيم القاعدة، في حين شهدت مأرب تجنيد 68 فردًا من قبل الإصلاحيين، بينما استحوذت جماعة الحوثي على النسبة الأكبر من المجندين في مختلف المناطق.
وأوضح توفيق الحميدي، رئيس منظمة “سام” للحقوق والحريات، أن قيام الجماعات المسلحة في اليمن بتجنيد السجناء في العمليات القتالية يمثل انتهاكًا صارخًا للدستور اليمني، الذي يضمن حماية كرامة الإنسان ويحظر كافة أشكال الاستغلال غير المشروع. كما أن قانون الجرائم والعقوبات اليمني يجرّم بشكل قاطع أي محاولات لتجنيد الأفراد قسرًا أو إجبارهم على المشاركة في النزاعات المسلحة. وأن هذا السلوك يتنافى تمامًا مع الهدف الأساسي للسجون وفقًا لقانون تنظيم السجون، الذي يركز على إعادة تأهيل السجناء وإصلاحهم، وليس استغلالهم.
وأشار الحميدي إلى أن هذه الانتهاكات تتعارض بشكل مباشر مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949, التي تحظر بشكل صارم استغلال السجناء في أي أعمال عسكرية. وأكد أن المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تصنف هذه الأفعال ضمن جرائم الحرب التي تستوجب المحاسبة. إلى جانب ذلك، تُجرّم المواثيق الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كافة أشكال الإكراه والاستغلال، مما يجعل تجنيد السجناء مخالفة خطيرة للمعايير الدولية.
وأفاد الحميدي بأن منظمة “سام” تلقت العديد من التقارير حول استخدام السجناء في اليمن من قبل أطراف النزاع، خاصة ميليشيات الحوثيين، حيث يُجبر السجناء، بمن فيهم الأطفال، على المشاركة في العمليات العسكرية. وأوضح أن وسائل الإقناع والإكراه تشمل التهديد بالإعدام، تمديد مدد الأحكام، تخفيف الأحكام، أو تقديم وعود وهمية بالإفراج المبكر. وأضاف أن هؤلاء الأفراد يُزج بهم غالبًا في الخطوط الأمامية للمعارك، مما يعرض حياتهم لخطر مباشر وينتهك حقوقهم الأساسية بشكل مروع.
وشدد الحميدي على أن هذه الأفعال ترقى إلى مستوى الجرائم التي تضع مرتكبيها تحت طائلة القانونين الوطني والدولي. وأشار إلى أن نظام روما الأساسي يتيح محاكمة المسؤولين عن هذه الانتهاكات أمام المحاكم الدولية باعتبارها جرائم حرب. ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات عملية لوقف هذه الممارسات، بما في ذلك فرض عقوبات مشددة وملاحقة الجناة لضمان تحقيق العدالة.
واختتم الحميدي تصريحه قائلاً: “تجنيد السجناء في النزاعات المسلحة يمثل خرقًا صارخًا لحقوق الإنسان، ووصمة عار على جبين الإنسانية. ينبغي على المجتمع الدولي التحرك الفوري لضمان محاسبة المسؤولين، ووضع حد لهذه الجرائم البشعة.
ويفضل السجناء الموافقة على شروط الجماعة بالإفراج عنهم مقابل الالتحاق للقتال بجبهاتها، لعدم المكوث بقية أعمارهم داخل السجون وسط الأمراض والأوبئة والمعاناة والحرمان والقمع والإذلال والتعذيب على يد مسلحي الجماعة في السجن.
وبحسب صالح عقبات (إخفاء الاسم لأسباب أمنية) مدير لأحد الأقسام في إحدى المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين فأن الجماعة قامت بعدة دورات ثقافية للسجناء الموقوفين في أقسام الشرطة بالمحافظة الهدف منها إقناعهم بأفكار وخطط الجماعة القتالية، وقال نظمت الجماعة دورات دورية في أقسام الشرطة وكانت تزود مرتادي هذه الدورات بالوجبات الغذائية ومادة القات.
وأضاف إنه تلقى الكثير من السجناء بشكل مباشر وعود بالتعاون معهم وحصولهم على الإفراج مقابل استمرار حضورهم الدورات الثقافية والانضمام إلى الجبهات القتالية، وهو الأمر الذي لوحظ من خلال انضمام العشرات منهم إلى العمليات القتالية وتلقينا في أقسام الشرطة أوامر بالافراج عنهم وإغلاق قضاياهم، وأضاف الكثير من أصحاب الحقوق فقدوا حقهم بعد انضمام طرف القضية المدان إلى الجماعة والجبهات القتالية .
وتحتوي السجون المركزية والاحتياطية التي تخضع لسيطرة الميليشيات على نحو 6,500 سجين وفقاً للأرقام المتداولة، مُتهمين بقضايا متنوعة. وتعمل الميليشيات على تجنيد هؤلاء السجناء، متعهدة بأن تتولى هيئة الزكاة الحوثية سداد أي ديون مترتبة عليهم. كما تُقدم الميليشيات وعودًا بالإفراج عنهم بعد قضاء فترة تتراوح بين ستة أشهر وعام في القتال، وفقًا للشروط التي تفرضها.
مقاتلين ودروع بشرية
ووفقًا للوثائق والمقابلات والتصريحات التي حصلنا عليها فإن إجمالي عدد السجناء الذين تم الإفراج عنهم أو توقيف أحكام السجن، مقابل القتال في صفوف الحوثيين بلغ أكثر من 600 سجين، وبحسب المقابلات فأن الجماعة قامت بإشراك السجناء في العمليات القتالية المباشرة واستخدم البعض منهم كدروع بشرية وفي جوانب النقل والخدمات اللوجستية الداعمة للعمليات القتالية بالإضافة إلى ورش التدريب وصناعة السلاح في مخالفة للقوانين الدولية التي تضمن حياة كريمة وآمنة للسجناء.
يقول مسؤول سابق في جهاز الأمن القومي، أن هذه السياسة ليست وليدة اللحظة بل تعكس توجهًا عامًا للجماعة، وقال”يُدرك الحوثيون أنهم بحاجة مستمرة لمقاتلين لتعزيز الجبهات”، خصوصاً مع توقف الكثير من الزج بأبنائهم للجبهات، ” السجناء هدفُا سهلًا للتجنيد بالإكراه أو بالوعود بالحرية”.
وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الحوثيين أعلنوا تجنيد آلاف الأشخاص في صفوف قواتهم المسلحة منذ 7 أكتوبر 2023. مما يعكس حاجة الحوثيين لتعويض خسائرهم البشرية في ساحات القتال عبر تجنيد مزيد من المسلحين وقد سبق للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أن اتهمت الحوثي بالتنسيق مع تنظيم القاعدة وإطلاق سراح عناصره من السجون في صنعاء ومدن أخرى خاضعة لسيطرتهم في شمال اليمن .
الباحث والمستشار في العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان، محمد الوتيري، صرح بأن “القانون الدولي الإنساني أولى قضية التجنيد الإجباري أهمية خاصة نظرًا لخطورتها، خصوصًا في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وقد ميّز القانون بين حق الدول في تجنيد الأفراد البالغين ضمن صفوف قواتها العسكرية بموجب قوانين وطنية تراعي كرامة المجندين، وبين الحظر الصارم للتجنيد القسري الذي تمارسه الجماعات المسلحة، حيث يُعتبر هذا الأخير جريمة خطيرة وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني”.
وأضاف الوتيري أن “التجنيد القسري من قبل الجماعات المسلحة يشكل انتهاكًا واضحًا للمادة (4) من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، الذي يحظر بشكل قاطع التجنيد الإجباري أو الإكراه على المشاركة في العمليات القتالية، ويؤكد على حماية الأفراد من أي شكل من أشكال الاستغلال أو الإجبار”.
وأشار الوتيري إلى أن “التجنيد القسري للمعتقلين يمثل صورة من صور العمل القسري التي يحظرها القانون الدولي، حيث يُعد اشتراط التجنيد أو الخدمة العسكرية كشرط لإطلاق سراحهم شكلًا من أشكال الاستغلال وانتهاكًا لمبدأ الكرامة الإنسانية”.
وفي هذا السياق، عزز الوتيري موقفه بالإشارة إلى المادة (8) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تحظر جميع أشكال العمل القسري، مؤكدًا أن “معظم المعتقلين في مثل هذه الظروف يكونون مسلوبي الإرادة، وغير قادرين على اتخاذ قراراتهم بحرية، مما يجعل أي موافقة على التجنيد في ظل هذه الظروف غير طوعية، وبالتالي غير قانونية وغير أخلاقية”.
واختتم الوتيري تصريحه بالتأكيد على أن “المساومة على حرية المعتقلين مقابل انضمامهم إلى القوات المسلحة تُعد انتهاكًا صريحًا لمبادئ الكرامة الإنسانية المحمية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”.
الحوثيون يستغلون ضعف الرقابة على السجون
الدكتور ياسر الصلوي أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، أكد على أن استغلال السجون من قبل الجماعات المسلحة في اليمن يمثل ظاهرة خطيرة تعكس حالة الانهيار المؤسسي الذي تعاني منه الدولة. وأوضح أن هذه الظاهرة تكشف عن غياب لنظام القانوني، حيث باتت السجون بيئة غير مؤهلة لإعادة تأهيل الأفراد وتحولت إلى أدوات تخدم مشاريع الجماعات المسلحة.
وأشار الدكتور الصلوي، إلى أن الظروف النفسية والاجتماعية التي يعيشها السجناء، بما في ذلك العزلة الاجتماعية والضغوط النفسية المتزايدة، تشكل ظروف مثالية لاستغلالهم. وبيّن أن هذه الجماعات تستغل شعور السجناء باليأس وفقدان الأمل، والاحباط إلى جانب انقطاعهم عن أسرهم ومجتمعاتهم، لتحفيزهم على الانضمام إلى صفوفها كوسلية اجبارية للتخلص من ظروف الاعتقال في هذه السجون
وأضاف أن هذه الجماعات تستخدم اساليب متعدده مثل الترغيب والترهيب حيث يتم تقديم بدائل ظاهرها الأمل، مثل القتال لتحسين أوضاعهم أو تخفيف عقوباتهم، لكن جوهرها يهدف إلى تحويلهم إلى أدوات لتحقيق مصالح هذه الجماعات. كما أن خطاب “التوبة والتكفير عن الذنوب” الذي تروجه هذه الجماعات يزيد من احتمالية تأثر السجناء، خاصة أولئك الذين يعانون من أزمات هوية أو نقص في الدعم النفسي والاجتماعي.
وحذر الدكتور الصلوي من التداعيات الاجتماعية لهذه الظاهرة، موضحًا أن تجنيد السجناء واستخدامهم في القتال وارتكاب الجرائم يهدد النسيج الاجتماعي ويعمق الانقسامات المجتمعية، بالإضافة إلى أنه يعطل دور السجون كاصلاحيات لاعادة تأهيل الخارجين عن القانون ومؤسسات تهدف إلى تقويم السلوك وإعادة الإدماج في المجتمع. كما أشار إلى أن هذا الاستغلال يُسهم في تعزيز النزاعات المسلحة، مما يؤدي إلى إطالة أمد الأزمة اليمنية وتعقيد عملية السلام.
وفي ختام حديثه، دعا الدكتور الصلوي إلى ضرورة تكثيف الجهود الدولية والمحلية لمعالجة هذه الظاهرة، من خلال تفعيل أدوات المراقبة القانونيةعلى السجون، وفرض ضغوط على الجماعات المسلحة لتحسين أوضاع المعتقلين. وأكد على أهمية إدراج قضية السجناء ضمن مفاوضات السلام، بما يسهم في الحد من استغلالهم وتحقيق العدالة وانصاف الضحايا باعتبار ذلك جزءًا أساسيًا من إعادة بناء المجتمع اليمني وتعزيز استقراره.
وفي النهاية تكشف هذه المعلومات عن انتهاكات جسيمة تطال السجناء في اليمن، حيث يتم استغلالهم كأدوات في صراع سياسي وعسكري لا خيار لهم فيه. ولا تمثل هذه الممارسات فقط انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، بل تعكس أيضًا تجاهلًا للقوانين المحلية والدولية التي تضمن حماية السجناء وكرامتهم.
لذا ترى المصادر الحقوقية التي تحدثنا معها أنه على المجتمع الدولي أن يمارس المزيد من الضغوط الدبلوماسية على الأطراف المسؤولة عن هذه الانتهاكات وخاصة جماعة الحوثيين لوقف عمليات تجنيد السجناء ودعم آليات محاسبة دولية تضمن محاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم كجرائم حرب بموجب القانون الدولي، واطلاق حملات مناصرة لتسليط الضوء على أوضاع السجناء المجندين قسريًا من قبل المنظمات الحقوقية. إلى جانب ضرورة تقديم الدعم النفسي والإجتماعي للسجناء السابقين ولعائلاتهم لتعزيز عملية إعادة التأهيل والاندماج في المجتمع، وضمان تطبيق قانون تنظيم السجون رقم رقم 19 لعام 1999 لحماية السجناء وضمان حقوقهم.
ختامًا، تظل معاناة السجناء في اليمن وصمة عار على جبين الإنسانية، ما لم يتحرك العالم بشكل حاسم لحمايتهم وإعادتهم إلى الحياة التي حرموا منها، ليصبحوا جزءًا من الحل لا وقودًا لمعارك لا نهاية لها.
أخبار متعلقة :