اعترافات تحت الضغط: كيف يصنع الحوثيون روايات التجسس؟
في يوم 6 يناير، نشر جهاز الأمن والمخابرات التابع لجماعة الحوثي مقطع مصور، يدعي فيه أنه لجواسيس يعملون لمصلحة جهات خارجية، -وتحديدا- للمخابرات البريطانية والسعودية، وعرض الفيديو
قام فريق أخبار الآن بالتحقيق في المعلومات التي تم عرضها في الفيديو وتفنيدها في إطار علمي وتقني، والذي يوضح أن الحوثيين عمدوا إلى هذا الأسلوب في إطار الدعاية، حيث ما أظهرته الفيديوهات التي نشرها الإعلام الأمني التابع للجماعة على مدى عام، وفق ادعاءاته بالقبض على جواسيس يعملون لمصلحة جهات أجنبية، وذلك بعد حملات اعتقال متعددة قامت بها الجماعة، لموظفي المنظمات الدولية والسفارات، وكذلك للصحفيين والناشطين الحقوقيين.
في الفيديوهات التي نُشرت مؤخرًا من قبل وسائل الإعلام الحوثية، يظهر المختطفين يعترفوا بالتهم الموجهة إليهم بالتجسس لصالح المخابرات البريطانية، ورافق تسجيل الاعترافات تسجيلات صوتية يُدعي بأنها للإتصالات التي قام بها المتهمين، والتي تبدو بأنها اتصالات راديوية، إلا أن الخبراء في الإتصالات العسكرية فندوا هذه التسجيلات، وقالوا بأنها غير ممكنة من الناحية التقنية، حيث أنه من الصعب أن تكون هناك اتصالات عسكرية تصل إلى أكثر من 70 كيلو متر، دون أن تكون هناك اعمدة اتصالات خاصة بالشبكات العسكرية، او أن تكون تلك الأجهزة متصلة بالاقمار الصناعية.
أجهزة رخيصة واتهامات باطلة
يقول رائد الثابتي – مهندس وخبير في الإتصالات العسكرية لـ أخبار الآن “من الناحية التقنية، فإن ادعاء الحوثيين بوجود اتصال مباشر بين جواسيس في صنعاء والرياض باستخدام أجهزة راديو تقليدية لا يتوافق مع الحقائق العلمية، فالأجهزة التي تعمل بتقنيات الراديو التقليدية، مثل VHF أو UHF، تعتمد على خط الأفق ولا يتجاوز مداها في أفضل الظروف 50 إلى 70 كيلومترًا، أما المسافة بين صنعاء والرياض، التي تزيد عن 800 كيلومتر وتتخللها تضاريس وعرة، تجعل هذا النوع من الاتصال مستحيلًا دون بنية تحتية متطورة مثل محطات إعادة الإرسال أو تقنيات أخرى وهو ما لم يعرضه الحوثيين في الفيديو، حتى مع استخدام الترددات الطويلة (HF)، فإن تحقيق اتصال مستقر على هذه المسافة يتطلب تجهيزات متقدمة وضبطًا دقيقًا وظروفًا خاصة”.
ويضيف “الطريقة التي ظهر بها الأشخاص في الفيديو، مثل تكرار كلمات مثل “زيرو” وأسمائهم، يدل أنهم استخدموا تقنية (الهاف دوبلكس Half-Duplex) للتواصل، خاصة إذا كانوا يستخدمون أجهزة راديو قديمة أو متوسطة المدى التي تعتمد على هذه التقنية، في هذا النوع من الاتصالات، يمكن لكل طرف إرسال البيانات في وقت محدد فقط؛ ومع ذلك، حتى إذا تم استخدام هذه التقنية، فإن الاتصال عبر مسافة تتجاوز 800 كيلومتر، كما في حالة صنعاء والرياض، يكون غير عملي باستخدام الهاف دوبلكس فقط، حيث إن المدى محدود وتحتاج الاتصالات عبر هذه المسافات إلى تقنيات أكثر تطورًا مثل محطات إعادة الإرسال أو الأقمار الصناعية.
في اعترافات أحد الأشخاص الذين تم عرضهم في الفيديو، قال بأن الإتصال كان عبر تطبيق للهواتف النقالة، وهذا ما أثار سخرية الخبراء العسكريين الذين قالوا بأن إستخدام المخابرات لهذه التطبيقات هو غير صحيح، وأن هذه التطبيقات هي متاحة للعامة وهي تستخدم الإنترنت، وهي تطبيقات مفتوحة المصدر، ويمكن تحميلها من الإنترنت كأي تطبيق آخر، ومن المستبعد أن تقوم جهة أمنية أو عسكرية بإستخدامها، فضلاً عن جهات استخباراتية كما تدعي الجماعة.
من جهته يقول علي الذهب – الخبير العسكري والإستراتيجي لـ أخبار الآن أن هذه الاعترافات “تبدو تمثيلية وليست طريقة عمل أنظمة التجسس الحديثة، التي تعتمد عادة على تقنيات التشفير والرسائل الرقمية الآمنة، بالاضافة إلى غياب أي دلائل تقنية ملموسة في الفيديو، إلى جانب استحالة تحقيق اتصال بهذه الطريقة”، و يشير إلى أن الفيديوهات تلك ليست سوى مجرد محاولة لامتصاص الغضب الشعبي ضد الحوثيين، ويصعب اعتباره دليلاً حقيقيًا على وجود خلية تجسسية.
صور لأجهزة التجسس المزعومة – من فيديو قناة المسيرة التابعة لجماعة الحوثي
ويضيف الذهب: “أن الأجهزة المعروضة التي قالت الجماعة أنها اجهزة تحديد مواقع هي متاحة للعامة في الأسواق، وهي تباع بشكل طبيعي، وهي مخصصة لتتبع السيارات المسروقة، وهناك اجهزة تتبع دقيقة وصغيرة جداً أصغر من الأجهزة التي تم عرضها في الفيديو”.
وقد نددت منظمات دولية بعرض الحوثيين لمعتقلين على الإعلام، يدلون باعترافات لتهم نسبت إليهم دون أي محاكمة، او عرضهم على النيابة في مخالفة للقانون والدستور اليمني، وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش أن “ثمة خطر يتمثل في أن تكون هذه الاعترافات قد انتُزعت تحت التعذيب”، حيث وثّقت هيومن رايتس ووتش سابقا استخدام الحوثيين التعذيب للحصول على اعترافات، وكذلك توثيق وفاة ثلاثة معتقلين بارزين خلال احتجازهم في المعتقلات التابعة لجماعة الحوثي، وتقول المنظمة “أن نشرُ فيديوهات الاعترافات يقوض الحق بمحاكمة عادلة ويفتقر للمصداقية”.
اعترافات تصنعها السياط
في مقابلة مع أخبار الآن؛ يقول يونس عبد السلام – صحفي يمني مفرج عنه من سجون جماعة الحوثي، أنه منذ أن تم إعتقاله قام الحوثيين بتعذيبه نفسيًا لأيام وذلك بتهديده بأسرته، قبل أن يقومون بتعذيبه جسديًا أثناء الإحتجاز، وذلك لإجباره على الإدلاء باعترافات تدين زملائه الصحفيين، إلا أنه رفض ذلك وهو ما عرضه لتعذيب أكثر.
ويضيف “كان المحققين يعذبوني ويجعلوني معلق لساعات طويلة، وبعدها يتم فك قيودي لكي أعترف باعترافات هم يريدونها مني، وعندما يجهزوا الكاميرات للتصوير ارفض ذلك أو أقوم بالتحدث بغير ما يريدوا مني قوله، وهو ما يجعلهم يعيدوني إلى نوبات أخرى من التعذيب، وكانوا سجلوا لي مقاطع فيديو لإعترافات ولكنهم لم ينشرونها، لأنها ستكون مهزلة بحقهم، فقد كنت اتكلم عن أشياء ليست واقعية ولا منطقية”.
تشكوا (م.س) – زوجة أحد المعتقلين التي قابلتها أخبار الآن معاناة أسرتها وتقول “أنه ومنذ أن تم عرض الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الإعلام والترويج بأن زوجي كان جاسوس لأمريكا، كان لهذا تأثير نفسي كبير على كل الأسرة خصوصًا الأطفال، وبالرغم من أن الجميع يعرفون بأن هذه الاتهامات باطلة وهي سياسية لا أكثر”، إلا أن وصم الموظفين المدنيين والحقوقيين بالجاسوسية دون أي محاكمات عادلة، له تأثير سلبي كبير لهم ولأسرهم.
ابتزاز المجتمع الدولي بإهانة اليمنيين
يقول علي البخيتي – القيادي المنشق عن جماعة الحوثي، “تابعت الفيديوهات والبيانات التي تصدرها جماعة الحوثي والتي أظهروا فيها بعض الاشخاص من اليمنيين يعترفون بتهم شتى مضحكة ومبكية ومحزنة، بعض هؤلاء الذين ظهروا بلغ أعمار بعضهم 74 عاما، وهم أشخاص تقاعدوا حتى من أعمالهم في المنظمات الدولية، البيان الذي صدر والاعترافات التي بثت شيء يفطر القلب، لأنه يبين الوقاحة التي وصلت بهذه الجماعة في تلفيق الاتهامات للمواطنين اليمنيين الذين لا يغردون ضمن سربها، وتستخدم هؤلاء المواطنين كأدوات للابتزاز ابتزاز المنظمات الدولية التي كانوا يعملون معها وإبتزاز للمجتمع الدولي”.
ويضيف البخيتي لـ أخبار الآن “الحوثيين يستخدمون مثل هذه الأساليب بسجن الناس والضغط عليهم من اجل اصدار اعترافات كاذبة لكي يبتزوا بها جهات ودول وأحزاب معينة، ما وصل له الحوثيين وما وصله اليمن تحت حكمهم شيء مروع ان يتم استخدام المواطن اليمني البسيط الذي لم يعد يجد عملا بعضهم الا الالتحاق بالمنظمات الدولية التي هي المنفذ الوحيد للمئات والآلاف لاعمال في صنعاء وبقية المدن اليمنية”.
الجدير بالذكر أن جماعة الحوثي نشرت خلال عام 2024 أكثر من بيان، يتضمن اعترافات يمنيين معتقلين بأنهم عملوا كجواسيس لجهات مختلفة، والتي أثارت حالة من السخط والسخرية من تلك الإعترافات، حيث تم عرض اعترافات تتضمن قول بعض المعتقلين من الأكاديميين اليمنيين، بأن “المخابرات الأمريكية
من جهته يرى همدان العلي – الكاتب والباحث اليمني، أن الفيديوهات والاعترافات التي تنشرها جماعة الحوثي ليست سوى أدوات دعائية تهدف إلى تبرير انتهاكاتها وإرهاب المجتمع اليمني. باستخدام هذه الأساليب، ليستمر الحوثيون في تعزيز قبضتهم على اليمنيين وإسكات أي صوت معارض تحت غطاء مزاعم كاذبة وادعاءات غير منطقية.
خطوط النار: أطفال في مرمى قناصة الحوثي
أخبار متعلقة :