خليج نيوز

المرصد ٢٨٠| لماذا ”يتفاجأ“ الإسلاميون من سلوك الشرع في إدارة سوريا ”الجديدة“؟ - خليج نيوز

الشرع عمل منذ بداية سيطرته على نزع السلاح

أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ١٩ إلى ٢٦ يناير ٢٠٢٥. إلى العناوين:

  • لماذا ”يتفاجأ“ الإسلاميون من سلوك الشرع / الجولاني في إدارة سوريا ”الجديدة“؟
  • مذكرة دولية لاعتقال زعيم طالبان، وتوتر بين جماعة أخوندزادة والملا برادار
  • نموذج صيني للذكاء الصناعي DeepSeek: فعّال ورخيص

وضيف الأسبوع، الأستاذ عروة عجوب. الخبير في الجماعات الجهادية خاصة ما يتعلق بسوريا. طالب الدكتوراة في جامعة مالمو بالسويد

من إدلب إلى دمشق

لماذا يبدو أن الإسلاميين أو معارضي هيئة تحرير الشام أو حتى مؤيديها متفاجئون من سلوك الحكم الذي ينتهجه زعيم الهيئة والقائد الفعلي لسوريا اليوم، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)؟

فقد يقول قائل إن الهيئة حكمت إدلب ومحيطها قرابة عقد من الزمان؛ واكتسبت كوادرها ”تجربة“ في الإدارة. ولكن قد يسأل آخر هل يمكن تعميم ذلك على بلد كبير مثل سوريا بكل تعقيداته السياسية والاقتصادية والديموغرافية؟ الحديث هنا لا يتعلق بالحكم على نجاح تجربة إدلب أو فشلها؛ وإنما على التجربة عينها وما إذا كان شخوص الهيئة اليوم – الشرع ومعاونيه – التزموا النهج أم حادوا عنه بحيث ”يتفاجأ“ البعض من سلوكهم. وهكذا، تبدو النتيجة المنطقية هي أن المفاجئ هو تفاجؤ البعض.

من حيث العسكرة، فالهيئة لم تكن تسمح بأن يَخرج السلاح عن إطارها لا حقيقةً ولا مجازاً. وهكذا فإن فرض تسليم السلاح وحلّ الفصائل لم يكن مطلباً لحفظ السلم الأهلي وحسب، وإنما لتأكيد السلطة؛ تماماً كما كان في إدلب. والهيئة ماضية في هذا التوجه. هذا الأسبوع، نرى أن الجيش الوطني السوري، التابع للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية،  يقترب أكثر من حلّ نفسه وتسليم سلاحه. بعض المعارضين أفتوا بحرمة تسليم السلاح. لكن لا يُعلم إن كان لهذه الفتوى أثر مستقبلاً.

أما في السياسة الخارجية، فالمعلوم أن الهيئة كانت تسعى دوماً إلى اعتراف دولي. ولتحقيق ذلك استعملت أداة ”الحرب على الإرهاب“ بتعقب داعش والقاعدة في الشام. هل كانت الهيئة تتخابر مباشرة مع الأطراف المحاربة للإرهاب في المنطقة؟ ربما. لكن السلوك واضح وهو أن الهيئة كانت تتبع نفس أجندة التحالف الدولي. وبالفعل، نجحت هذه الأطراف، ومنها الهيئة، في القضاء على الصف الأول من قيادة داعش في مناطق سيطرة الهيئة بدءاً باستهداف أبي بكر البغدادي في ٢٠١٩ وانتهاء باستهداف ”الخليفة“ الرابع لداعش أبي الحسين في ٢٠٢٣. وهذا ما قاله الشرع في المقابلة الشهيرة التي أجراها مع Crisis Group في فبراير ٢٠٢٠ وهي المقابلة التي قدمته إلى العالم بحلة جديدة تشبه ما هو عليه اليوم. قال إن الهيئة تتعقب داعش في إدلب؛ وإنهم أخذوا من حراس الدين عهداً بعدم استخدام سوريا منطلقاً ”لجهاد“ خارجي وأن يعترفوا بحكومة الإنقاذ التابعة للهيئة وبمحاكمها. بحلول صيف ذلك العام، كان التحالف قضى على قيادات الحراس الميدانية وأهمهم أبو القسام الأردني خالد العاروري؛ فيما تعقبت الهيئة فلولهم حتى لم تقم لهم قائمة.

اليوم، هذا التعاون خرج إلى العلن. فالشرع اليوم لا يمثل الهيئة بل هو القيادي الأول في سوريا برتبة ”رئيس.“ في ٢٤ يناير، نقلت واشنطن بوست عن مسؤول أمريكي أن الإدارة الأمريكية تشاركت ”أسراراً“ مع ”هيئة تحرير الشام“ باعتبارهم حكام دمشق الجدد في مجال التصدي لداعش. وربما كان إحباط هجمات التنظيم الأخيرة في دمشق نموذجاً لهذا التعاون.

أما في الحياة المدنية، فلا تزال الهيئة تعتقل معارضيها. ولا يزال موقفها مرناً تجاه الأقليات. صحيح أن الهيئة في إدلب تعاملت مع أقلية أو اثنتين، لكنها اليوم تتعامل مع طيف واسع من الأعراق في كامل الوطن السوري. في المطلق، لا يبدو أن الهيئة لديها مشكلة في هذا الجانب.

أما من حيث تطبيق ”الشرع“ في السياسة، فالهيئة أظهرت مرونة في هذا الجانب في إدلب؛ فلا يمكن وصف إدارتها بالمتشددة. هذا الأسبوع، مُنع رفع راية ”التوحيد“ البيضاء في الأماكن العامة والمناسبات. ولنتذكر أنه في أول اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة محمد البشير في ١٢ ديسمبر، ظهرت هذه الراية إلى جانب العلم السوري لكنها سرعان ما اختفت.

في الإدارة، لا شك أن الهيئة في إدلب كان فيها لون واحد من المسؤولين. واستمرت هذه السياسة عندما وصلت إلى سدة الحكم في سوريا. الشرع اعترف بهذا التوجه باعتباره من متطلبات المرحلة.

لكن، الاختلاف الحاصل هنا هو الاستمرار في تعيين شخوص عُرفوا بعنفهم تجاه الثوار المعارضين وولائهم المطلق لنظام الأسد. الإدارة الجديدة اتخذت كذلك إجراءات مجحفة في حق ”الشمال المحرر“ الذي ظل مرتعاً ومقراً لهذه القيادة الجديدة ومن ذلك رفض اعتماد جامعات خاصة هناك. في المقابل، لم يُقرّب الشرع شخصيات ثورية عُرفت بنضالها الميداني والسياسي: مثل رياض الأسعد.

وزير الأوقاف في حكومة تصريف الأعمال، حسام حاج حسين، حاول تبرير اعتماد أولئك الشخوص بأن شبههم ”بمن أسلم بعد الفتح.“

لكن المتضررين من هذه الإجراءات باتوا يتمنون لو كانوا ”شبيحة أو أقلية ليتم اعتبار قيمة لهم.“ طلاب الجامعات التي رُفض اعتمادها رفعوا شعارات: ”رجعنا للألفين وإحدى عشر وما قبلها“ و ”سنعيد الثورة من جديد.“

المعارضون التقليديون يرون في هذه التطورات المتلاحقة إجهاضاً حقيقياً للثورة؛ و ”ثورة مضادة شغالة على قدم وساق.“

الغضب لا يزال هادئاً. لكن هذا لم يمنع دعوات إلى عدم تسليم السلاح وربما أكثر من ذلك. في حساب على التلغرام نقرأ: ”نصيحة إلى ثوار ومجاهدي الشام. إن السياسة العالمية لن تعطيكم حقاً.

عليكم بالقوة والعتاد ولاتثقوا بأحد … احذروا الغدر والخيانة … وإياكم أن تقولوا يحكمنا الآن رجل سني. فقد خان العراق قيادات سنية.“

لم يُعلّق مؤيدو الهيئة التقليديون على سياسة التعيينات المُنتهجة. وحوّلوا الانتباه إلى وجود ”خطة حكم تتناسب مع واقع في غاية التعقيد والصعوبة.“

وفيما أشاد المؤيدون بفعاليات مثل ملتقيات دعوية شدّت الرحال من إدلب إلى دمشق؛ أو لقاءات رسمية رفيعة المستوى؛ كتب آخرون عن أن منهج ”الجماعة“ أثبت فشله في الحوكمة. أبو محمود الفلسطيني، أحد تلامذة أبي قتادة الفلسطيني – قطب السلفية الجهادية المؤيد للهيئة، كتب في حسابه على التلغرام: ”أكبر خطأ منهجي ارتكبته الجماعات هو فرض خياراتها على الأمة.“ يستطرد موضحاً: ”حتى الهيئة لم تكن هي حل القضية السورية ولم تكن كذلك جبهة النصرة ولا الأحرار… لم تتغير حالة الثورة السورية من الهزيمة إلى النصر إلا بعد أن اقتنعت الفصائل بالعمل ككيان ودخول الجموع في مشروعهم.“

ملاحقة طالبان

ربما طمَح الشرع في وقت من الأوقات بحظوة مثل التي لطالبان الذين أتوا إلى حكم أفغانستان في صيف ٢٠٢١. لكن يبدو أنه تفوق عليهم.

في الوقت الذي تُلغى فيه العقوبات على سوريا – وإن كان مرحلياً- ويُرفع اسم الشرع من قوائم المكافآت الجزائية؛ وتتوافد الوفود الرسمية الرفيعة على دمشق، لا تزال إدارة طالبان في أفغانستان غير مرحب بها دولياً إلا على مستوى ضيّق.

هذا الأسبوع، زار دمشق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان والتقى الشرع، وبعد أيام  التقى الشرع وفداً نسائياً من الجالية السورية في أمريكا. صورتان مهمتان بالنظر إلى ما حلّ بطالبان لاحقاً. بعد أيام من زيارة دمشق، أصدر كريم خان مذكرتي اعتقال بحق زعيم طالبان – الذي يحمل لقب أمير المؤمنين – هبة الله أخوندزادة، بالإضافة إلى رئيس المحكمة العليا وقاضي القضاة عبدالحكيم حقاني. التهم المنسوبة للرجلين تتعلق بـ ”ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتمييز ضد النساء في أفغانستان.“

في الأثناء، ترددت أنباء أن المسؤول الرفيع في طالبان شير محمد عباس أستانكزاي، نائب وزير الخارجية ”فرّ“ إلى دبي بعد أن أمر أخوندزادة باعتقاله. قبل أيام من صدور مذكرة كريم خان، كان أستانكزاي وجه انتقاداً لاذعاً لقيادة طالبان احتجاجاً على تعاملهم مع ملف المرأة وحرمانها من التعليم والعمل.

حساب The Pamphlet على إكس، وهو مؤسسة إعلامية هندية، قال إن أخوندزادة أصدر أمراً لرئيس الاستخبارات عبدالحكيم واثق باعتقال أستانكزاي ومنعه من السفر. واثق اتصل بوزير الدفاع محمد يعقوب مجاهد، الذي تربطه علاقة طيبة مع أستانكزاي، ودبّر له السفر عاجلاً.

الصحفي الأفغاني بلال صرواري أشار كذلك إلى أنّ أستانكزاي يتمتع بدعم من الملا بردار نائب رئيس الوزراء ومؤسس طالبان مع الملا عمر. فهل سيكون لهذا تبعات في توتر العلاقة داخل دائرة الحكم الضيقة في طالبان؟

الذكاء الصناعي

دييب سييك DeepSeek سيكون اسماً يتناقله الصغير والكبير في هذا العالم. ثورة على ثورة في مجال الذكاء الصناعي. DeepSeek R1 هو نموذج صيني للذكاء الصناعي تفوق على مثيلاته الأمريكية التي نعرفها من Open AI و Google DeepMind؛ بحيث أصبح التطبيق الأكثر تحميلاً في أبل ستور هذا الأسبوع. هذا التفوق أحدث ضجة في سيليكون فالي وتسبب في إسقاط أسهم شركات تقنية كبرى. لماذا؟

ابتكار هذا النموذج تمّ في وقت قياسي لا يتجاوز الأشهر مقارنة بالسنوات التي استغرقتها النماذج المعروفة. مبتكره هو ريادي الأعمال ومهندس المعلومات الصيني ليان وينفين Liang Wenfeng الذي أسس شركة دييب سييك في ٢٠٢٣، وطرح نموذجه للذكاء الصناعي في ٢٠ يناير. وعليه، لنا أن نتخيل كيف سيتطور هذا النموذج في الأشهر المقبلة.

ثانياً، دييب سييك أظهر تفوقاً في المنطقة. فهو يتجاوز اللغة إلى المنطق والتفكير الذي يحاكي قدرة البشر بحيث يتصدى لاحتمالات معقدة وربما يوفر استراتيجيات يعتمدها السائل في الحياة والعمل.

ثالثاً، كلفة تطوير هذا النموذج لم تتجاوز ستة ملايين دولار وهو رقم لا يُقارن بمئات الملايين وربما المليارات التي أنفقت لتطوير النماذج الأمريكية. وهذا يظهر في تسعير الخدمات التي يوفرها النموذج. فبينما خدمات OpenAI مثلاً تصل إلى بضعة مئات من الدولارات في السنة، لا يتجاوز سعرها في دييب سييك بضعة سنتات.

الظريف أن هذا النموذج، على تطوره، رفض الإجابة عن أسئلة تتعلق بالسياسة الصينية من قبيل أحداث ميدان تيانانمين في ١٩٨٩.

أخبار متعلقة :