خليج نيوز

لبنان وإعادة إعمار سوريا: فرصة وتحدٍ في آنٍ واحد - خليج نيوز

في خضمّ التبدلات السياسية التي عصفت بالمنطقة، برزت تساؤلات بشأن قدرة لبنان على استقطاب الفرص والإستثمارات لتعزيز استقراره مع انتخاب رئيس جديد له وتشكيل حكومة جديدة. إلا أن هذه العملية الطويلة لتحقيق الهدف الحكومي أرهقت على ما يبدو المستثمرين، في ظل المستجدّ الأبرز، إعادة إعمار سوريا مع كل الفرص التي تستقطبها المرحلة اللاحقة.

Advertisement


فلبنان الذي يواجه حاليًا تحديات اقتصادية وسياسية معقدة تعكس أزمات هيكلية متراكمة، قد يستفيد من الأوضاع الجيوسياسية الراهنة إذا تمكن من إعادة تموضعه بذكاء واستغلال الفرص المتاحة.

منافسة مع سوريا
وفق الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري، فمع تحوّل المشهد الإقليمي وخاصة في ظل جهود إعادة إعمار سوريا، يجد لبنان نفسه في منافسة غير مباشرة معها، إذ سيسعى النظام الجديد هناك إلى استقطاب الاستثمارات الدولية وفرض نفسه كلاعب اقتصادي جديد.

وأشار الخوري في حديثه إلى "لبنان 24" إلى أن هذا التحول المحتمل يهدد الدور التقليدي للبنان كمركز مالي وتجاري، خاصة مع فقدان الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، الذي كان تاريخيًا، الوسيط الرئيسي لرؤوس الأموال في المنطقة.

وأضاف أن إعادة إعمار سوريا تشكل تحديًا وفرصة للبنان في آنٍ واحد. فمن جهة، قد تؤدي الاستثمارات المباشرة في سوريا إلى تحويل رؤوس الأموال بعيدًا عن لبنان، ما يقلل من دوره الاقتصادي ويؤثر على قطاعاته المالية والتجارية. كما أن العمالة اللبنانية الماهرة قد تجد في مشاريع الإعمار فرصًا أفضل، مما يفاقم نقص الكفاءات داخل لبنان.

بالإضافة إلى ذلك، قد تأتي المساعدات الدولية الموجهة لسوريا على حساب الدعم المخصص للبنان، ما يزيد من أزمته المالية. لكن في المقابل، لا تزال للبنان ميزة جغرافية واقتصادية، حيث يمكن أن يكون ممرًا أساسيًا لإعادة الإعمار، مستفيدًا من مرافئه، وخبراته التجارية، والقدرات اللوجستية المتاحة لديه. فإذا تمكن من تحسين بيئة الأعمال، وتوفير الحوافز المناسبة، وتعزيز شراكاته الإقليمية، قد يتحول إلى منصة رئيسية لتوريد المواد والخدمات إلى سوريا.

إصلاحات مطلوبة
إلا أن تحقيق هذا السيناريو الإيجابي يتطلب إصلاحات جذرية وخاصة في القطاع المصرفي، الذي فقد ثقة المستثمرين بسبب القيود المفروضة على الودائع والانهيار المالي المستمر. ففي حين أن سوريا تعاني من عقوبات دولية تمنعها من الاستفادة الكاملة من نظامها المصرفي، قد يكون لبنان، إذا أعاد هيكلة قطاعه المالي واستعاد الثقة الدولية، نقطة عبور للمستثمرين الذين يرغبون في دخول السوق السورية من دون المخاطرة المباشرة. ومع ذلك، فإن استمرار الفساد والجمود السياسي قد يمنع لبنان من استغلال هذه الفرصة، ما يجعله عرضة لمزيد من العزلة الاقتصادية.

واعتبر الخوري أن الاستثمارات العربية خاصة من دول الخليج، لن تتجه إلى لبنان إلا إذا أثبت التزامه بإصلاحات حقيقية، مثل تحسين الحوكمة المالية، وتقديم حوافز اقتصادية، وإعادة هيكلة المؤسسات المتعثرة. فبدون هذه الإصلاحات، ستبقى رؤوس الأموال الخليجية بعيدة، وربما تتجه مباشرة إلى سوريا إذا أصبحت بيئة الأعمال فيها أكثر استقرارًا. لذا، إذا أراد لبنان اجتذاب الاستثمارات قبل سوريا، عليه أن يركز على استعادة ثقة الأسواق، تحسين بنيته التحتية، وإعادة تموضعه كمركز مالي ولوجستي إقليمي.

سيناريو قاتم
أما إذا لم ينفذ لبنان الإصلاحات المطلوبة، فإن السيناريو الاقتصادي سيكون أكثر قتامة. وسيؤدي المزيد من التدهور المالي إلى فقدان الثقة بالنظام المصرفي والعملة المحلية، مما سيدفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل أكثر استقرارًا. كما أن العزلة الاقتصادية ستزداد، خاصة إذا توقفت المساعدات الدولية بسبب عدم تحقيق تقدم في الإصلاحات.

إلى ذلك، سيؤدي ارتفاع معدلات البطالة وهجرة الكفاءات إلى إضعاف الاقتصاد أكثر، مما يسرّع انكماش القطاع الخاص وتراجع الاستثمارات الداخلية. وبينما تستفيد دول أخرى، مثل سوريا وتركيا، من التحولات الإقليمية، قد يجد لبنان نفسه متأخرًا، غارقًا في أزماته الداخلية، وعاجزًا عن استعادة دوره التقليدي في المنطقة.

من ناحية أخرى، يمكن للبنان أن يستفيد من قطاعه السياحي المتميز، خاصة مع وجود مناطق جذب طبيعية وثقافية فريدة. إذا تم تحسين الأمن والاستقرار، يمكن أن يعود السياح العرب والأجانب، مما يعزز الاقتصاد المحلي. بالإضافة إلى ذلك، لبنان لديه إمكانات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. الاستثمار في هذا المجال يمكن أن يقلل من الاعتماد على الوقود المستورد ويوفر فرص عمل جديدة. كما أن لبنان معروف بجامعاته المرموقة، ويمكن أن يصبح مركزًا إقليميًا للتعليم العالي والبحث العلمي إذا تم دعم هذه المؤسسات مالياً وتقنياً.

يمكن للبنان أيضًا أن يعزز تعاونه مع الدول المجاورة، مثل الأردن ومصر، لإنشاء مشاريع مشتركة في مجالات مثل الطاقة والنقل والزراعة. كما يمكن أن يستثمر في قطاع التكنولوجيا والابتكار، خاصة مع وجود كفاءات لبنانية في مجال التكنولوجيا والبرمجة.

وفي هذا الإطار، يمكن لإنشاء حاضنات أعمال ومراكز ابتكار أن يجذب الاستثمارات ويخلق فرص عمل جديدة. ولا يمكن فصل الإصلاح الاقتصادي عن الإصلاح السياسي؛ فلبنان بحاجة إلى نظام سياسي أكثر شفافية وفعالية، يعتمد على المحاسبة ويقلل من الفساد. كما يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا محوريًا في دفع عجلة الإصلاح، من خلال الضغط على الحكومة لتنفيذ تغييرات حقيقية ومشاركة المواطنين في صنع القرار.

إذاً، لبنان أمام مفترق طرق. إذ يمكن للإصلاحات الجذرية والاستغلال الذكي للفرص الجيوسياسية أن يعيدا له مكانته كمركز اقتصادي إقليمي. لكن بدون إصلاحات، قد يجد نفسه غارقًا في أزماته، وبعيدًا عن التحولات الإيجابية التي تشهدها المنطقة.

 

أخبار متعلقة :