التخطي إلى المحتوى

نتابع معكم عبر موقعنا خليج نيوز

سعود النداح

باحث دكتوراة في سياسات الرعاية الاجتماعية وإدارة المؤسسات، مستشار اجتماعي.

هذه حكمة تحمل في طياتها فلسفة عميقة عن الحياة ومرور الزمن، فالماضي بكل ما يحمله من تجارب وأحداث، قد يترك بصمة في نفوسنا، لكنه في النهاية صفحة طُويت. ما يجب أن يبقى منه هو الدروس والعبر التي استخلصناها، وليس الأوجاع التي تُعيق تقدمنا.

عندما نتحدث عن “الالتفات إلى الماضي”، لا نعني أن نغفل عن الذكريات أو نتجاهل مشاعرنا، فمن الطبيعي أن نحزن على ما مضى ونقف أحيانًا للتأمل في محطات مؤلمة. لكن هذه الوقفة يجب أن تكون مؤقتة، كاستراحة قصيرة على طريق طويل، نتوقف لنفهم، نأخذ العبرة، ثم نعود لنسير. الغرق في الماضي يشبه الوقوف أمام أطلال مدينة كانت يوماً مزدهرة، ونبقى نحصي ما فقدناه حتى نفقد الرؤية عمّا يمكن أن نحققه.

الماضي ليس مكاناً صالحاً للحياة؛ إنه مجرد جزء من قصتنا، لكنه ليس قصتنا الكاملة. كل تجربة مررنا بها، حتى تلك التي أحزنتنا، يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو شيء أفضل، لكن ذلك يتطلب منا الشجاعة للتخلي عن التعلق الطويل. إذ أن التعلق بأطلال الماضي قد يجعلنا سجناء له، يمنعنا من البناء والابتكار في حياتنا.

الحاضر هو الوقت الوحيد الذي نمتلكه فعلاً، والمستقبل هو الأفق الذي يجب أن نُعد له. التمسك بالماضي يعني أن نعيش في زمن انتهى، بينما الحياة تحدث الآن، وتزدهر أمامنا. الاعتراف بألمنا وذكرياتنا الماضية قد يكون جزءاً من الشفاء، لكن الشفاء الحقيقي يكمن في القدرة على التقدم نحو الأمام رغم الألم، في اتخاذ قرار بعدم السماح لما فات أن يتحكم فيما هو قادم.

المضي قدماً ليس إنكارًا للماضي، بل هو احتضان للتجربة بكل ما فيها من حكمة، وجعلها زاداً لنا في طريق جديد. فالحياة بتدفقها المستمر، تدعونا لأن نتحلى بالشجاعة للنظر إلى الأمام، ونستمر في السير نحو غدٍ يحمل لنا فرصاً جديدة، وأحلاماً تنتظر من يحققها، فالشجاعه هي من ترك ما كان فالوراء يؤلمك، ومواصلة السير نحو ما ينتظرك.