التخطي إلى المحتوى

نتابع معكم عبر موقعنا خليج نيوز

سعود النداح

باحث دكتوراة في سياسات الرعاية الاجتماعية وإدارة المؤسسات، مستشار اجتماعي

في أحد اللقاءات التلفزيونية، قال الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن “رحمه الله “: “اعرف وين مكانك وانتقل خطوة.. لا تضيع نفسك بين تمجيد الناس أو تقليلهم.”

في هذه العبارة يتجلى العمق الإنساني الذي يُدرك فيه الفرد قيمة معرفة الذات وحدودها. أن تعرف مكانك يعني أن تكون على وعيٍ تام بحقيقتك، أن ترى نفسك بوضوح بعيدًا عن تشويش كلمات الناس، سواء كانت مدحًا مبالغًا فيه أو نقدًا جائرًا.

الحياة مليئة بالأصوات التي تُحاول إما رفعك فوق مكانك الحقيقي أو إنزالك إلى مستوى أدنى مما تستحق. قد يأتيك من يُغرقك بالمديح، لا ليعكس حقيقتك بل ليُرضي مصالحه، فتبدأ بالتصديق أنك وصلت القمة دون أن تبذل الجهد المطلوب. ومن الجهة الأخرى، قد تواجه من يُحبطك، ليس لأنك ضعيف أو أقل قيمة، بل لأنهم لا يرغبون أن ترى حجم قوتك وقدرتك.

لكن بين هذا وذاك، الوعي بمكانك هو البوصلة. أن تعرف مكانك يعني أنك تُدرك بوضوح أين أنت الآن وما يجب أن تفعله للوصول إلى الأمام. هذا الإدراك لا يعني أن تبقى حيث أنت، بل أن تُقيم ذاتك بصدق: ماذا أملك؟ ماذا ينقصني؟ وما الخطوة التالية التي يجب أن أخطوها؟

تمجيد الناس قد يكون أخطر مما يبدو، لأنه يُغريك بالتوقف عن العمل، يجعلك تعيش وهم الكمال دون أن تحقق شيئًا ملموسًا. وفي المقابل، التقليل المستمر قد يُضعفك إذا سمحت له بالتأثير عليك، حتى وإن كنت تمتلك كل الإمكانات للنجاح.

معرفة مكانك الحقيقي تُحررك من تأثير الآخرين. أنت فقط من يعرف مقدار ما بذلته، وأنت فقط من يملك الحق في تقييم نفسك. مكانك لا تُحدده الكلمات العاطفية، بل تُحدده أفعالك والنتائج التي تحققها. أن تعرف مكانك يعني أنك تُدرك أنك في رحلة مستمرة، لا تُخدع بوهم الوصول، ولا تستسلم لشعور العجز.

لا تدع أحدًا يرسم لك خريطة مكانك، ولا تسمح للآخرين أن يحددوا قيمتك أو يضعوا حدودك. كن صادقًا مع نفسك، اعرف مكانك بوضوح، واعمل على الانتقال منه بخطوات واثقة. لا تجعل التمجيد يُثنيك عن السعي، ولا التقليل يُوقفك عن المحاولة.

اعرف مكانك، لأنه مفتاح تقدمك، فمكانك الحقيقي ليس ما يُراه الآخرون، بل ما تراه أنت حين تنظر لنفسك بصدق. ومهما كانت الأصوات من حولك، تذكر دائمًا أن مكانك تصنعه أنت، ولا يُحدده أحد غيرك.