نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانقسام الغربي.. والصراع الإسرائيلي الإيراني, اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025 10:45 صباحاً
أعطى توتر العلاقات الذي بلغ ذروته بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة مجموعة السبع، الأسبوع الماضي، عندما قال ترامب لماكرون «إنه يخطئ دائما، سواء بقصد أو بغير قصد»، وضوحا أكثر للصورة الواقعية لطبيعة العلاقات الأمريكية الأوروبية، خصوصا في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها العالم بسبب الحروب الدائرة في الشرق الأوسط وأوكرانيا.
إن هذا الاتهام أو الوصف الذي نعت به ترامب نظيره الفرنسي، يعد غير مسبوق من رئيس أمريكي تجاه زعيم حليف، في وقت تؤكد فيه المعطيات أن العلاقة بين ماكرون وترامب ليست مجرد خلاف بين شخصين، بل صورة لانقسام واسع بين رؤيتين للغرب، الأولى ترى العالم من زاوية متعددة الأطراف، وتؤمن بالتحالفات، والدبلوماسية، وبناء التوافقات، وتمثلها فرنسا وأوروبا عموما، والأخرى رؤية تفترض هيمنة الولايات المتحدة على القرارات من موقع القوة الاقتصادية والعسكرية فقط، دون الحاجة إلى شركاء يتقاسمون القرار.
في عالم العلاقات الدولية، تُبنى التحالفات على المصالح، لكن الحفاظ عليها يستوجب الانسجام الشخصي بين القادة، وهذا ما لم يتوافر إطلاقا بين الرئيس الفرنسي ونظيره الأمريكي، اللذين شكلا خلال سنوات وجودهما المتزامن في الحكم ثنائية متنافرة لا تشبه في شيء مبدأ «التحالف الغربي» الذي يفترض التناغم بين القادة، فقد كان الخلاف بين الرجلين أكبر من مجرد تفاوت في وجهات النظر، حتى وصل إلى اصطدام بين أسلوبين في الحكم، ورؤيتين متضادتين للعالم، بل وشخصيتين متنافرتين في العمق، فالرئيس ماكرون يرى نفسه وريثا لروح أوروبا، وترامب ينظر إلى أوروبا كما لو كانت عالة على قوة الولايات المتحدة.
وعند النظر إلى ممارسات الطرفين في ملفات سياسية عدة، يمكن الوصول إلى تفسير لهذا التوتر المستمر والمتصاعد، ففي زيارة إيمانويل ماكرون الأخيرة لجزيرة غرينلاند، إغاظة للإدارة الأمريكية، التي عدت هذه الزيارة استفزازية في منطقة استراتيجية تطمح واشنطن إلى بسط نفوذها فيها.
أما في الملف الأوكراني، ففي الوقت الذي دفع فيه الأوروبيون، بقيادة فرنسا، نحو تمرير الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات ضد روسيا، التي شملت خفض سقف أسعار النفط إلى 45 دولارا، فإن ترامب كان في موقع مختلف تماما، ما دفع أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إلى القول: إن مواقف ترامب على كوكب آخر، في إشارة إلى غياب التفاهم الكامل مع واشنطن، التي لا يرى رئيسها في العقوبات إلا عبئا اقتصاديا إضافيا، لا ورقة ضغط سياسية، ما جعل النتيجة أن أوروبا بدأت تشعر بأنها تترك وحيدة في مواجهة روسيا، في حين تواصل موسكو جني أرباح النفط من دون أن تتأثر فعليا بالعقوبات الغربية، في ظل بلوغ سعر خام برنت 74 دولارًا للبرميل.
ومن الممارسات السياسية التي ساهمت في استفزاز الرئيس ترامب، استقبال ماكرون الرئيس السوري أحمد الشرع في باريس، حيث دفع ذلك إلى مزيد من تأجيج الصدام، ففي الوقت الذي كانت فيه واشنطن ترفض الاعتراف بشرعية أي تمثيل سوري رسمي آن ذاك قبل أن تعترف به، أصر ماكرون على استقبال شخصية تمثل دمشق، ما أظهر انفصالا بين الرؤية الفرنسية والسياسة الأمريكية، وخلق توترا دبلوماسياً إضافياً لم يكن في الحسبان.
كما أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على منتجات أوروبية، من الحديد إلى السيارات، كانت الضربة الاقتصادية التي هزت الثقة المتبادلة، وأظهرت قادة أوروبا، وعلى رأسهم ماكرون، في موقف دفاعي دائم تجاه قرارات أمريكية أحادية الجانب، ما جعل دول القارة العجوز تشعر بأنها لم تعد شريكا مفضلا في نظر أمريكا، بل هدف اقتصادي مؤقت.
يؤكد ذلك الشعور لغة ترامب المتعالية، فقد استخدم خطابات تذكر الأوروبيين بأنه لولا تدخل أمريكا في الحرب العالمية الثانية، لكانت أوروبا «تتحدث الألمانية»، في إشارة فظة إلى الهزيمة المتوقعة أمام ألمانيا النازية، وهذا النوع من السخرية التاريخية لم يكن موجها إلى ماكرون فحسب، بل إلى أوروبا كلها، وكأن ترامب يرى أن كل ما تحققه هذه القارة، هو بفضل المظلة الأمريكية التي صنعت لها الأمن لعقود طويلة، وبهذا المنطق لا يصبح الحلفاء شركاء، بل مديونون دائما للراعي الأمريكي.
وبينما كانت أوروبا تسعى إلى تعزيز موقفها المشترك في مواجهة روسيا، من خلال بناء سياسة دفاعية مستقلة، اصطدمت هذه الطموحات بجدار ترامب الصلب، الذي لم يخف يوما امتعاضه من مشاريع الدفاع الأوروبية المستقلة، وعدها تقويضا لحلف الناتو، الذي يرى أن الولايات المتحدة تدفع فيه أكثر مما تحصل، وهكذا أصبح الرئيس الأمريكي يرى أن أوروبا ليست شريكا، بل منافس غير جدير بالثقة.
وفي ملف الصراع الإسرائيلي-الإيراني، تبنى ترامب خلال ولايته الأولى موقفا متشددا حيال طهران، وانسحب من الاتفاق النووي، ودعم بلا حدود المواقف الإسرائيلية، وسعى إلى محاصرة إيران اقتصاديا ودبلوماسيا، أما ماكرون، فاحتفظ بموقف أكثر توازنا، ولم يؤيد سياسة العزل الكامل، بل حاول إحياء الحوار، وفتح قنوات خلفية بين الغرب وطهران، وحتى دعا إلى لقاءات مباشرة بين الإيرانيين والأمريكيين، وهو ما أثار حفيظة ترامب في أكثر من مناسبة.
ومع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، فإن التقاطع بين ماكرون وترامب قد يتحول إلى تعارض كامل، فبينما سيضغط ترامب مجددا من أجل تحالف غربي صارم ضد إيران، قد يسعى ماكرون إلى تجنيب المنطقة المواجهة الشاملة عبر أدوات الدبلوماسية، وهو ما قد يصوره ترامب مجددا على أنه ضعف أوروبي أو حتى خيانة للتحالف، كما أن فرنسا قد تجد نفسها أمام معضلة أكبر إذا ما تطورت الحرب إلى مواجهة إقليمية واسعة، إذ ستتهم بالتقاعس عن اتخاذ موقف حاسم، في حين تتهم أمريكا بالتصعيد المتهور.
ولعل أسوأ ما في الأمر، أن أوروبا لا تبدو مستعدة لتحمل هذه الهوة مجددا، خصوصا إذا تركت وحيدة في مواجهة تحديات أمنية واقتصادية كبرى، أما الحلف الأطلسي، فسيكون على المحك من جديد، ما لم يجد قادته صيغة جديدة للتعايش مع الرئيس الأمريكي، الذي قد لا يعترف بأي حليف إلا من يتبعه.
لذلك، فإن العلاقة بين ماكرون وترامب قد تمضي في طريقين لا ثالث لهما، إما صدام معلن يضعف وحدة الغرب في مواجهة تحدياته، أو مساكنة اضطرارية تفرضها التحديات الدولية الكبرى، لكنها لن تخفي أبدا جمر الخصومة المشتعل تحت رماد التحالف.