في أعقاب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي طالب فيها بمرور السفن الأمريكية عبر قناتي السويس وبنما دون دفع رسوم، أثار هذا التصريح موجة من الاستياء والرفض في الأوساط المصرية.
تلك التصريحات التي اعتبرت تدخلًا في السيادة المصرية على ممرها المائي الحيوي، جعلت الحكومة المصرية والشعب يتفاعلان بحزم مع تأكيد السيادة المطلقة على قناة السويس. فما هي الأبعاد القانونية والاقتصادية لهذه القضية؟ وكيف ينظر المصريون إلى السيادة الوطنية على هذه القناة الاستراتيجية؟

السيادة المصرية على قناة السويس:
تعد قناة السويس من أبرز ممرات الملاحة البحرية في العالم، حيث تربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وتُعتبر شريانًا رئيسيًا للنقل البحري الدولي. تُدار القناة حاليًا من قبل هيئة قناة السويس، وهي هيئة حكومية مصرية تتبع وزارة النقل، وهي المسؤولة عن تنظيم حركة السفن وتأمين العبور.
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس، فإن الحديث عن سيادتها لا يزال محورًا حساسًا بين الأطراف الدولية. تفرض اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، التي وقعت عليها معظم الدول الكبرى في ذلك الوقت، حرية الملاحة في قناة السويس ولكن تحت سيطرة مصرية كاملة. هذه الاتفاقية تضمن عدم وجود أي عراقيل أمام مرور السفن من جميع دول العالم، لكن تظل القناة تحت السيادة المصرية، حيث لا يجوز لأي دولة التدخل في إدارتها أو فرض شروط غير متفق عليها دوليًا.
ردود الفعل المصرية:
منذ تصريحات ترامب الأخيرة، توالت ردود الفعل المصرية على مختلف الأصعدة. الحكومة المصرية أكدت من خلال بيانات رسمية ولقاءات صحفية على أن قناة السويس هي ملكية مصرية خالصة، ولا يمكن لأي طرف دولي التفاوض بشأن شروط عبور السفن فيها.
قال الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، في تصريحات صحفية: "قناة السويس جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية المصرية، ونحن ملتزمون بتطبيق القوانين الدولية، بما يضمن تحقيق مصالح جميع الأطراف. لا يمكن لأي طرف خارجي أن يطلب تغييرات في هذه السيادة."
وفي هذا السياق، أشار العديد من الخبراء إلى أن تصريحات ترامب تتناقض مع الواقع القائم الذي يعترف به المجتمع الدولي من خلال اتفاقيات وعلاقات تجارية مستمرة عبر قناة السويس. فالقناة ليست مجرد ممر مائي، بل هي محور أساسي للمعاملات الاقتصادية العالمية، وبالتالي فإن أي محاولة لفرض "مرور مجاني" عبرها تشكل تهديدًا للأمن الاقتصادي المصري.
البعد الاقتصادي للقناة:
تُعد قناة السويس مصدرًا أساسيًا للإيرادات في الاقتصاد المصري. وفقًا لآخر التقارير المالية، تعتبر إيرادات قناة السويس من أكثر المصادر تحقيقًا للعائدات في مصر، حيث تمثل جزءًا كبيرًا من الدخل القومي، وتساهم في تمويل العديد من المشاريع التنموية في البلاد. على سبيل المثال، في عام 2024، بلغ دخل قناة السويس نحو 8 مليارات دولار أمريكي، ما يعكس حجم التجارة البحرية عبر القناة التي تعبرها حوالي 10% من التجارة العالمية.
أما بالنسبة لترامب، الذي طالما أبدى اهتمامًا بإعادة هيكلة العلاقات التجارية الدولية، فقد كانت تصريحاته الأخيرة جزءًا من سياساته المتعلقة بإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية مع الدول الأخرى. لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة يمكنها أن تفرض شروطًا على ممر مائي دولي يخضع لسيادة دولة أخرى، كما هو الحال مع مصر وقناة السويس.
موقف المجتمع الدولي:
على المستوى الدولي، تظل قضية قناة السويس محكومة بالقوانين الدولية. حتى الآن، لم تتبنَّ أي دولة كبرى فكرة السماح بالسفن العسكرية أو التجارية الأمريكية بالمرور دون دفع الرسوم المقررة. بل على العكس، تُؤكد معظم الدول الكبرى بما فيها حلفاء الولايات المتحدة على احترام سيادة الدول التي تملك ممرات مائية حيوية مثل قناة السويس.
الدور الذي تلعبه مصر في هذا السياق لا يقتصر على التحكم في القناة فحسب، بل يمتد أيضًا إلى الحفاظ على استقرار حركة التجارة العالمية. فمن دون قناة السويس، سيضطر العديد من السفن إلى اتخاذ مسارات طويلة عبر رأس الرجاء الصالح، ما سيؤدي إلى زيادة تكاليف النقل البحري وتأخير وصول البضائع.
المستقبل والردود المتوقعة:
إذا استمر التصعيد في التصريحات الأمريكية بشأن قناة السويس، فإن مصر قد تحتاج إلى توظيف دبلوماسيتها لتوضيح موقفها بشكل أقوى في المحافل الدولية. سيكون من المهم لمصر أن تبين للعالم أن السيادة على قناة السويس جزء أساسي من أمنها القومي، وأنه لا يمكن لأي طرف خارجي المساس بها.
ختامًا، يظل الموقف المصري ثابتًا في الدفاع عن سيادة الدولة على قناة السويس. ومن الواضح أن أي محاولة للمساس بهذا الحق ستواجه مقاومة دبلوماسية ومجتمعية قوية، لأن قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل هي جزء لا يتجزأ من هوية مصر السياسية والاقتصادية.
قناة السويس تظل، بفضل موقعها الاستراتيجي، ركيزة أساسية في السياسة والمصالح الاقتصادية لمصر، ولا شك أن أي محاولة للضغط عليها أو التلاعب في شروط عبور السفن عبرها ستكون لها تبعات سياسية واقتصادية كبيرة. وفي النهاية، كما قال المسؤولون المصريون، "قناة السويس مصرية وسيادتها لا تمس".