بحضور لافت للعلم المصرى، ورجال قواتنا المسلحة، احتفلت روسيا، أمس الجمعة، بالذكرى الثمانين لعيد النصر، يوم توقيع ألمانيا النازية وثيقة استسلامها فى «الحرب الوطنية العظمى»، أو الحرب العالمية الثانية، وإحكام الجيش الأحمر سيطرته على برلين. وبهذه المناسبة، أكد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن بلاده كانت، ولا تزال، حائط صدٍ يصعب تدميره، وأنها لن تمرر أى محاولات لتزوير أو تشويه التاريخ، وستحمى مصالحها الوطنية، وستبقى قوة عالمية غير قابلة للهزيمة.
أكثر من عشرة آلاف جندى روسى، ومعهم جنود من مصر والصين و١١ دولة أخرى، قدموا عرضًا عسكريًا ضخمًا، فى الساحة الحمراء، بالعاصمة الروسية موسكو. وكان لافتًا، أيضًا، حضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، والرئيس الصينى شى جين بينج، وقادة أكثر من ٢٠ دولة، تلبية لدعوة رئيس روسيا الاتحادية، الذى بات بوسعه أن يعلن، للمرة الأولى منذ بداية الأزمة الأوكرانية، عن تحقيق أهدافه المعلنة من «العملية العسكرية الخاصة» التى أطلقها فى فبراير ٢٠٢٢، بعد أن طردت قواته الأوكرانيين من كورسك، وبتحقيقها انتصارات عديدة ملموسة، خلال السنة الأخيرة، على طول جبهات القتال.
نصران، إذن، احتفلت بهما روسيا، أمس، وقد يضاف إليهما نصر ثالث على محاولات الولايات المتحدة وحلفائها، عزل أو مقاطعة موسكو، وتهديدات الاتحاد الأوروبى بـ«معاقبة» قادة دول الاتحاد، والدول المرشحة للانضمام إليه، حال مشاركتهم فى الاحتفال، والتى رد عليها الرئيس الروسى بالتشكيك فى «قدرة البيروقراطيين الأوروبيين» على تنفيذها، واصفًا الذين قرروا زيارة موسكو بأن «لديهم شجاعة أكبر بكثير من أولئك الذين يختبئون خلف ظهر أحدهم، لإطلاق تلك التهديدات». وعليه، كان طبيعيًا أن تركز وسائل الإعلام الروسية على الطريق الطويل، والمتعب، الذى قطعه الرئيس الصربى ألكسندر فوتشيتش للوصول إلى روسيا، بعد أن رفضت ليتوانيا ولاتفيا عبور طائرته أجواء البلدين!
التاسع من مايو، هو أيضًا «يوم أوروبا»، وفيه اجتمع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى، بمدينة لفيف الأوكرانية، وأعلنوا، فى بيان مشترك، عن اعتزامهم إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة مسئولين روس عما وصفوه بـ«العدوان على أوكرانيا». ونشير، بالمرة، إلى أن الرئيس الأوكرانى، المنتهية ولايته، كان قد حذر ضيوف الرئيس بوتين من احتمال تعرضهم للخطر بسبب استمرار القتال وعدم إعلان هدنة دائمة!
المهم، هو أن مشاركة مصر فى احتفال روسيا بـ«عيد النصر»، لا تعنى، بأى حال من الأحوال، تغيرًا فى موقفها من الأزمة الأوكرانية، الداعى إلى تسويتها بالحوار والطرق الدبلوماسية، بل نراها فرصة لتأكيد الطبيعة الودية للعلاقات المصرية الروسية، التى عززتها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين البلدين، سنة ٢٠١٨. ونراها فرصة، كذلك، لعقد قمة، أو مشاورات، بين رئيسى البلدين، بشأن عدد من الملفات الدولية والإقليمية، وفى مقدمتها الأوضاع فى قطاع غزة، والعدوان الإسرائيلى المستمر، والمجازر الوحشية، أو حرب الإبادة، التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى الشقيق.
من هذا المنطلق، حرص الرئيس السيسى، أو هكذا نتصور، على لقاء الرئيس الفلسطينى محمود عباس، الذى أعرب عن تقديره للجهود التى تبذلها مصر دعمًا للقضية الفلسطينية، واستعرض جهود الإصلاح الكبيرة التى تقوم بها السلطة الوطنية، وتناول تطورات الموقف الدولى فيما يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين، موضحًا أن ١٤٩ دولة اعترفت بها، إلى الآن، مشددًا على أهمية الدعم المصرى للحصول على اعتراف الولايات المتحدة وباقى دول العالم، خاصة الدول الأوروبية، التى لم تعترف بعد، وكذا أهمية الاجتماع المقرر عقده بمدينة نيويورك، فى ١٨ يونيو المقبل دعمًا لحل الدولتين.
.. أخيرًا، ومع ترحيب الرئيس بوتين المعتاد بالرئيس السيسى، أعربت السفارة️ الروسية فى القاهرة عن ترحيبها بمشاركته فى الاحتفال بـ«عيد النصر»، وأشارت، فى بيان، إلى أن روسيا استقبلت «الرئيس السيسى صديقًا قديمًا وعزيزًا»، وقالت إن الاحتفال المصرى الروسى المشترك بالذكرى السنوية لعيد النصر، والمحادثات على مستوى القمة، بين رئيسى البلدين، يعطيان دفعة قوية جديدة للشراكة الروسية المصرية، القائمة على التقدير المتبادل والعميق بين الشعبين، والعلاقات المتينة والوثيقة بين القائدين.