يواصل فيلم «إسعاف» تألقه فى دور العرض محققا نجاحا ملحوظا على مستوى الإيرادات، حيث بلغت إيراداته نحو 2 مليون و900 ألف ريال سعودى، أى ما يعادل نحو 39 مليون جنيه مصرى، مما يعكس إقبالا جماهيريا واسعا على العمل الذى يجمع بين الكوميديا والدراما الإنسانية.
يأتي الفيلم على غرار الفيلم الكوميدى الشهير «55 إسعاف» الذى عرض فى 2001، ومن بطولة الفنانين: غادة عادل، أحمد حلمى، محمد سعد، رامز جلال، وإخراج مجدى الهوارى.
مزيج من الكوميديا
وفى إطار من الكوميديا، تدور أحداث الفيلم حول «عمر» و«خالد» مُسعفان شابان يعملان فى العاصمة السعودية الرياض، حيث يواجهان يوميا العديد من التحديات والمواقف المحرجة التى تقابلهما أثناء تأدية عملهما، لكن تنقلب حياتهما رأسا على عقب بعدما يجدان نفسيهما متورطين فى حادث غير متوقع، تتصاعد الأحداث خلال رحلتهما مع مزيج من الكوميديا.

حضور ناعم وتأثير عميق
قدمت الفنانة المصرية بسمة داوود أداء متوازنا بين الرقة والقوة، ونجحت فى تجسيد شخصية واقعية يمكن أن نلتقى بها فى الحياة اليومية، مما أضفى على الفيلم لمسة إنسانية صادقة، حضورها لم يكن صاخبا، لكنه مؤثر، واستطاعت أن تترك بصمة واضحة فى أولى تجاربها السينمائية بالمملكة العربية السعودية.
تلعب بسمة داوود دور «لينا»، الفتاة المصرية التي تعيش فى مدينة الرياض، وهى شخصية تحمل فى تكوينها صراع الهوية والانتماء، حيث تواجه تحديات التأقلم فى بيئة جديدة، رغم امتلاكها لخصوصية ثقافية مختلفة، يظهر ذلك فى تصرفاتها اليومية، وحديثها، ومحاولاتها الدائمة للحفاظ على جذورها المصرية فى قلب مجتمع مختلف.
على الرغم من بساطة حياتها الظاهرة، إلا أن «لينا» تحمل بداخلها شخصية قوية ومستقلة، تعرف كيف تواجه المواقف الصعبة بحكمة ومرونة، يتجلى ذلك حين تتورط فى سلسلة من الأحداث المفاجئة مع «عمر» و«خالد» اللذين يعملان فى خدمات الإسعاف بالعاصمة السعودية، فتتحول من شخصية هامشية إلى عنصر مؤثر فى سير الحدث الرئيسى، وتصبح الرابط الإنسانى بين شخصيتين متناقضتين.
ليست «لينا» مجرد شخصية عابرة أو مرافقة لبطلين، بل تمثل البعد العاطفى والإنسانى فى الفيلم، تخلق الفنانة بسمة داوود من خلال أدائها نوعا من التوازن بين الكوميديا والدراما، حيث تعبر عن مشاعرها بطريقة واقعية دون مبالغة، ما يجعل المشاهد يشعر بالقرب منها ويتعاطف مع رحلتها.

عين عالمية ورؤية محلية
يعد الفيلم ثمرة تعاون سعودى مصرى، بإخراج المخرج العالمى كولين توج، الذى قدم رؤية بصرية جذابة وأسلوبا سرديا عصريا، أسهم فى تعزيز عناصر التشويق والدراما الاجتماعية فى العمل.
نجح المخرج العالمى كولين توج فى توزيع الشخصيات داخل البناء الدرامى بشكل متوازن، حيث لم يطغ بطل على الآخر، بل جعل من كل شخصية – رئيسية أو ثانوية – حاملة لدور فاعل فى دفع القصة إلى الأمام.
فعلى سبيل المثال، لم تكن «لينا» فقط شخصية نسائية داعمة، بل تحولت إلى محور إنسانى يربط بين عالمين: المسعفين والعالم الخارجى، كما أن كولين أظهر الجانب الإنسانى الهش فى شخصية «عمر» رغم صلابته الظاهرية، وخلق تباينا ديناميكيا بينه وبين «خالد» الأكثر عفوية وخفة ظل.
واعتمد المخرج على إيقاع متوازن فى السرد، لا ينجرف نحو الميلودراما المفرطة ولا يبتذل الكوميديا، بل يحافظ على خط رفيع بين التسلية والواقعية، فالمواقف الطريفة تنبع من تفاعل الشخصيات مع بيئتها لا من تصنع، والدراما تظهر فى لحظات بسيطة لكنها مؤثرة، مثل مشاهد الإسعاف والتعامل مع الحالات الإنسانية، ما يضفى عمقا على الفيلم.
استغل المخرج مدينة الرياض كفضاء درامى نابض، فظهرت شوارعها، أحياؤها، ومبانيها كجزء من المشهد الدرامى، لا مجرد خلفية، فالعاصمة السعودية لم تقدم بشكل نمطى أو ترويجى، بل كمدينة حقيقية يعيش فيها الناس تفاصيلهم اليومية، وهذا أعطى واقعية كبيرة للفيلم.
تمكن المخرج من توظيف الكاميرا بشكل سلس ومتحرك، مما ساعد على عكس التوتر أو الفكاهة أو الهدوء بحسب المشهد، فقد استخدم لقطات مقربة لإبراز الانفعالات، وأخرى واسعة لإظهار زخم المدينة وحياة الإسعاف؛ أما الإضاءة كذلك لعبت دورا مهما، خصوصا فى مشاهد الليل، حيث استخدم نوع من الإضاءة الطبيعية وشبه الوثائقية التى تمنح المشهد صدقا بصريا نادرا.

أثبت المخرج كفاءته فى إدارة ممثلين من ثقافات وأداءات متنوعة «مصريين، سعوديين، كوميديين، دراميين...»، ونجح فى إخراج أداء جماعى متجانس، دون أن يشعر المشاهد بفجوة تمثيلية بين فنان وآخر.
عمل سينمائي إنساني
لم يكتف المخرج العالمى كولين توج بتقديم فيلم ترفيهى، بل أنجز عملا سينمائيا إنسانيا بامتياز، حيث أحسن استثمار السيناريو، والممثلين، والمكان، والإيقاع البصرى، ما أسهم فى خلق تجربة ناضجة ومؤثرة.
إلى جانب الفنانة المصرية بسمة داود، يضم الفيلم نخبة من أبرز نجوم الخليج والعالم العربى، على رأسهم: إبراهيم الحجاج، محمد القحطانى، حسن عسيرى، فيصل الدوخى، أحمد فهمى «ضيف شرف»، على إبراهيم، لطيفة المجرن، فهد البتيرى، نيرمين محسن، مهدى الناصر، سعيد صالح، مهند الصالح، العمل من كتابة إبراهيم الحجاج والبيرتو لوبيز، وإخراج العالمى كولين توج.