رغم زحف تيارات التخلف الملتحف زوراً بالدين الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة من أجل استبعاد المختلف تحت حجة احتكار الحقيقة، إلا أن الثابت التاريخي الذي يتصالح مع العقل هو أن الدين لله والوطن للجميع.
حقيقة بسيطة ومنطقية لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل، عاشت بلادنا على مدار تاريخها يحتضن فيها الهلال الصليب.. والصليب يرمي بظلاله على الهلال، عاشت سبيكة وطنية واحدة، لغة واحدة، ثقافة وفنون وتاريخ واحد، لنا خصم واحد وهو الجهل والاستبداد والاستعمار والفقر والمرض، هموم واحدة وأحلام واحدة وفرحة واحدة بالنصر تحت راية علم وطني يرفرف علينا بألوانه الثلاثة.
منذ أن تشكلت الحركة الوطنية الحديثة مع الثورة العرابية وصولاً إلى ثورة 1919 وليس انتهاءً بثورة 1952، ولكن في زمن حرب أكتوبر 1973 أيضاً.. كلها جاءت كمحطات بمثابة الخزان الوطني الجامع الذي ينهل منه المجتمع المصري آفاقا ومعاني متجددة دوماً للوحدة الوطنية، لم تعرف مصر نسخة التطرف وانتشار شرائط الفتنة إلا مع النسخة الرديئة للمتأسلمين الذين برزوا مطلع سبعينيات القرن الماضى في تحالف السادات والإخوان، وقتها بدأ الهجوم على ما تبقى من يسار الستينيات في الجامعات ورأينا لغة الجنازير والمطاوي على يد العريان وأبوالفتوح وغيرهما ورأينا السقوط إلى أسفل سافلين.
نتذكر اليوم شعارنا الأبدي "الدين لله والوطن للجميع" ونحن في مرحلة صعبة، حيث الحصار من كل اتجاه حمساوي وداعشي ونصراوي ومن لف لفهم في السودان وليبيا واليمن وسوريا، نواجه تحديات حقيقية ولا نملك إلا جيشنا المصري صاحب العقيدة الوطنية الراسخة وشعارنا الوطني الدين لله والوطن للجميع.
لذلك أنا في حل من كتابة أو شرح العلاقة الوثيقة بين المسلم والمسيحي في مصرنا لأنها بديهية لا يتغاضى عنها إلا الأعمى، وجدان مصر الشعبي يحتفل بالشمعة في الكنيسة وبالبخور في مقام الأولياء الصالحين، وجداننا الشعبي يعرف جيداً أن مينا هو شقيق أمين، وهنا أتذكر أن فني دوكو سيارات بالإسماعيلية، لفت نظرى عندما رأيته قد كتب، بحس شعبى صادق، على واجهة الورشة الخاصة به عبارة وقفت أمامها طويلاً وهي "أنا وجرجس إخوات.. أنت مال أهلك".. هكذا "خبط لزق" وبطريقة الصنايعية قالها محمد فني دوكو السيارات ومقولته هي جوهر ما قالته العبارة الأيقونة "الدين لله والوطن للجميع".
وعبارة "الدين لله والوطن للجميع" تقول المراجع إنها تُنسب إلى مكرم عبيد، الذي كان أحد قادة الحركة الوطنية المصرية وعضوًا بارزًا في حزب الوفد الأصلى. مكرم عبيد استخدم هذه العبارة للتأكيد على فكرة الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين مختلف الطوائف الدينية في مصر، حيث يكون الدين مسألة شخصية بين الإنسان وربه، بينما الوطن هو للجميع بغض النظر عن الدين أو العقيدة.
هذه العبارة أصبحت شعارًا وطنيًا موروثًا من عصر الحرية والوحدة الوطنية التي خلفتها ثورة 1919، ورفعها أطياف الشعب المصري في ذلك الوقت. كما استمرت في التداول بين الأجيال المتعاقبة وأصبحت تتردد على ألسنة الزعماء والمسئولين والمثقفين وكل من يدركون الحقيقة التاريخية لشعب مصر.
واستخدمها سعد زغلول، زعيم الوفد في خطاب له عام 1919، وأصبحت بعد ذلك أحد المبادئ المستقرة لحزب الوفد، ورغم شهرتها مع اسم سعد زغلول إلا أنه يُعتقد أن مكرم عبيد هو الذي أطلقها أول مرة.
هذه العبارة التي تعكس الروح التي سادت بين أطياف المجتمع المصري خلال ثورة 1919، حيث شاركت جميع الطبقات المصرية في مواجهة الاستعمار الإنجليزي ولم تفرق بين مسلم ومسيحي نحن الآن في أمس الحاجة إليها، لأننا نعرف أن الرصاصة القادمة من العدو لا تفرق بين صدر مسلم أو مسيحي، لأن الرصاصة الصماء التي لا عقل لها تعتبرنا جميعا مصريين، ولكن بعضنا في الداخل لا يعترف بما اعترفت به رصاصة العدو ويرانا مجرد مسلمين أو مسيحيين ويتعمد شطب الحقيقة وهي أننا مصريون حتى آخر لحظة في أعمارنا.
0 تعليق