يواجه عبدالله فوزي، وهو مصرفي من مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية، تحديات يومية في التنقل إلى عمله، حيث ينطلق من منزله في الرابعة فجرًا ليصل إلى وظيفته بحلول الساعة الثامنة صباحًا، وكانت رحلته تستغرق ساعة واحدة فقط، لكن ذلك تغير بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فلم يقتصر الأمر على غزة، فقد كثفت قوات الاحتلال الإسرائيلية غاراتها في شمال الضفة الغربية وأقامت سبعة حواجز تفتيش جديدة، ما ضاعف وقت الرحلة لـ"فوزي" وغيره من السكان.
وحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، فإنه مع دخول هدنة غزة حيز التنفيذ، ازدادت الأمور سوءًا بالنسبة لـ"فوزي"، حيث بات التنقل من نابلس إلى رام الله، مركز الأعمال والإدارة في الضفة، يستغرق أكثر من أربع ساعات، حيث تفرض إسرائيل قيودًا أشد على المدن الفلسطينية، مشددة على أن هذه الإجراءات ضرورية لمنع الهجمات المسلحة.
إرهاب المستوطنين وتصاعد العنف يحول الضفة إلى جحيم
وتابعت الوكالة أنه في أعقاب الهدنة التي بدأت في 19 يناير الماضي، شن مستوطنون إسرائيليون غاضبون هجمات في مدن الضفة الغربية، وأحرقوا سيارات ومنازل، تعبيرًا عن غضبهم من وقف الحرب وتبادل الأسرى بين الجانبين، وفي غضون يومين، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلية عمليات عسكرية مكثفة في جنين، شملت استخدام الطائرات المُسيّرة والمروحيات، ما حول الضفة الغربية إلى جحيم.
تصاعدت القيود على الفلسطينيين بشكل كبير، مع إقامة حواجز جديدة وإغلاق نقاط عبور أثناء ساعات الذروة، وأصبحت المعابر التي كانت مفتوحة طوال اليوم تُغلق في أوقات حرجة، ما يعطل حياة مئات الآلاف من السكان.
يُجبر الفلسطينيون الآن على استخدام طرق ترابية وضيقة عبر الحقول الزراعية بدلًا من الطرق المعبدة، وتقول إسرائيل إن هذه التدابير تهدف إلى منع "حماس" من توسيع نشاطها في الضفة الغربية، بينما يرى خبراء أن الأمر مرتبط بخطط الحكومة الإسرائيلية لتوسيع المستوطنات وفرض السيطرة على الضفة الغربية.
وتشهد نقاط التفتيش الإسرائيلية يوميًا مشاهد إنسانية مأساوية، حيث يقول أحمد جبريل، مدير خدمات الطوارئ في الهلال الأحمر الفلسطيني، إن سيارات الإسعاف تُعامل كأي سيارة أخرى، وغالبًا ما تُجبر على الانتظار لساعات، وفي إحدى الحالات توفيت امرأة تبلغ من العمر 46 عامًا، بسبب نوبة قلبية أثناء انتظارها عبور أحد الحواجز.
ووفقًا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (OCHA)، بلغ عدد الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية 793 حاجزًا في نوفمبر 2023، بزيادة 228 حاجزًا مقارنة بما قبل الحرب، ويشير التقرير إلى أن القيود الحالية "تمزق المجتمعات وتشل الحياة اليومية".
ولا تقتصر التأثيرات على الأفراد فحسب، بل تشمل أيضًا الاقتصاد الفلسطيني المتضرر، حيث تُفحص الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والبضائع لساعات طويلة، ما يؤدي إلى تلف المنتجات وارتفاع الأسعار، وقد أدى ذلك إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي، حيث تقلص الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 28% العام الماضي، وفقًا لوزير الاقتصاد الفلسطيني محمد العمور.
حتى مدينة رام الله، التي كانت تعتبر ملاذًا نسبيًا للطبقة الوسطى، لم تسلم من تأثير هذه القيود، حيث يقول ياسين فتياني، مهندس يبلغ من العمر 30 عامًا، إنه اضطر إلى الانضمام إلى مجموعات على "واتس آب" لمتابعة مستجدات الحواجز، ويعبر قائلًا: "لم أطلب شهادة دكتوراه في هذه الأمور، لكنها أصبحت ضرورة يومية".