القاعدة في اليمن: ما وراء إعدام الصحفي محمد المقري
يعاني تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مؤخرًا من توغل الجواسيس داخل التنظيم، وفي الصفوف الأولى، وفي الجهاز الأمني للتنظيم، وهذا ما أكدت عليه الغارات الجوية في الأسابيع الماضية، في شبوة وأبين، وقبلها في مأرب.
وبينما يستهدف الطيران الجوي المسير قائدًا بعد قائد، وخبيرًا لدى التنظيم بعد خبير، يسعى التنظيم لنشر تهديدات ووعيد للجواسيس على وعسى أن يمون ذلك رادعًا لهم، إلا أن مشروع استهداف قادة وخبراء التنظيم يتوسع يومًا بعد، بعد أن كانت الغارات الجوية محصورةً بمأرب، ثمة تمددًا في شبوة وأبين، بعد توقف الغارات في المحافظتين لسنوات.
مما دفع التنظيم أيضًا في ذات السياق نشر بيانًا يؤكدون فيه تصفية عدد من الأسماء بتهمة الجاسوسية وذلك بعد سنوات من التصفية والتكتم، فما الذي دفع التنظيم لإخراج هكذا بيان في هذا التوقيت، يسبب له الكثر من الإشكاليات.
البيان الذي أصدره الجهاز الأمني بقيادة إبراهيم البنا، يوم 28 سبتمبر/أيلول 2024، كشف عن مصير ِقائمةٍ من المخفيين، والمختطفين داخل التنظيم، وتحديدًا من تَمَّ تصفيتُه تحت تهمة (الجاسوسية)؛ من بينهم الصحفي محمد قائد المقري– المخفي منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول 2015 –
اختطف تنظيم القاعدة الصحفي محمد المقري-مراسل قناة اليمن اليوم، بحضرموت- في 12 اكتوبر/تشرين الاول 2015، أثناء تغطيته مسيرة تطالب برحيل التنظيم حينها من مدينة المكلا، وتم إعدامه في وقتٍ سابق بذريعة التجسس ضد من أسمتهم بـ”المجاهدين”.
تتحدث الدكتورة أبها باعويضان-زوجة الصحفي محمد المقري- عن كثير من التفاصيل في حوار حصري وخاص لـ”أخبار الآن”، كما تكشف تلاعب تنظيم القاعدة في مصير زوجها، مؤكدةً كذب، وزيف التهم المنسوبة للمقري من خلال تلاعب التنظيم.
مراوغة الجهاز الأمني لتنظيم القاعدة
تكتَّم التنظيم لسنواتٍ طويلة قرابةَ الـ(10) سنواتٍ عن مصيرِ هؤلاء المعدومين، وبينما كانت أسرة الصحفي المقري تحاول أن تصل لأي معلومةٍ عن مصيرِه؛ كان التنظيم ينكر علاقتَهُ باختفاء المقري تمامًا، وذلكَ عنْ طريقِ وسطاءَ قبليين وجهاديين؛ بحسب مصادر خاصة لـ”أخبار الآن”.
تكشف الدكتورة أبها عبدالله باعويضان- زوجة الصحفي محمد المقري- في حديث خاص لـ”أخبار الآن” تلاعب تنظيم القاعدة، وتحديدًا الجهاز الأمني للتنظيم في حادثة اختطاف، ومصير زوجها.
صرحت الدكتورة أبها باعويضان لـ”أخبار الآن” في خضم حديثها، قائلةً: أنكر التنظيم في بادئ الأمر أنه مُختطَفٌ لديهم، لكن صدر بعد ذلك بيانٌ أكَّدَ فيه أنه لديهم، وأشار البيان إلى اتهاماتٍ موجهةٍ إليه، ثم أُصدِر بيانٌ آخر نُفيت فيه التهم، واعتُذِرَ عن البيان الأول، ونسبته إلى من وصفهم بـ”الفاسقين الذين لم يتحروا القول”.
تكمل الدكتورة: “بعد مغادرة التنظيم مدينة المكلا بعد تحريرها من قبل التحالف العربي كنا نتواصل عبر وسطاء، وتحديدًا حينما كان التنظيم في منطقة عزَّان -جنوب شرق محافظة شبوة- ولم ينكروا وجوده، لكن بتواصلنا ومتابعتنا المستمرة؛ وجدنا أن بعض الجهات التي نصل إليها في التنظيم تنكر وجوده، فعندما قصدنا أحد المشايخ القبليين في مأرب؛ للوساطة أنكر التنظيم أنه لديهم تمامًا، وعندما أُدرِج مع الأسرى في كشوف التبادل كانت تأتينا معلوماتٌ بأنه ليس ضمن المُفرَج عنهم؛ لعدم وجودِ جهة تعترف بوجودهِ”.
واضافت الدكتورة باعويضان قائلة: بعض الوسطاء الذين أرسلناهم لعدد من قيادات التنظيم التي كانت في مدينة المكلا ممن لا ينكرون اختطاف محمد المقري، لأنَّ الوسيط لديه المعلومات كافةً حتى عن أسماء القياديين الذين ساهموا في اعتقاله؛ فيكون الرد على الوسطاء: ما زالت القضيةُ مستمرةً ولم يُبتّ فيها، ولم تكتمل الأدلة -حسب إفادتهم- وهذا إنْ دل على شيء دلَّ على أنهم طوال هذه السنوات يبحثون عن أي دليل يؤكد صحة اتهامهم ولم يجدوا إثباتَ ذلك.
وأوضحت الدكتورة أبها، قائلةً: في آخر تواصل قبل سنة ونصف عبر أحد الوسطاء من التنظيم كان الرد: إن القضية منسيةٌ بحكم السنين وبُتّ فيها وحُرِّكَت بعد تدخل الوسطاء وكان الحكم لمحكمة التنظيم الشرعية بأن مدة حبسه التي قضاها من دون محاكمة ثمان سنوات ونصف – تُعَدُّ مدة الحكم وسيُطلَق سراحه، لكن ليس إفراجًا تامًّا، بل سيُدرج اسمه في كشف التبادل مع إحدى الجهات”.
اختتمت الدكتورة قائلا: “وبعدها فُقد الاتصال بالوسيط تمامًا، مع أن التنظيم لم يستطِع أن يثبت على محمد تهمة واحدة من التي ينسبها إليه، وعدم وجود دليل قاطع يضعهم في وضع حرج، وهو ما جعلهم يتخبطون بين النفي والإثبات طيلة السنوات السابقة، ولم يجدوا سبيلًا لرفع الحرج عنهم أمام الوسطاء سوى الإنكار والهروب، كل هذا التلاعب والتناقض فقط لأنهم لم يجدوا عليهِ شيئًا، ولو وجدوا عليه شيئًا لما تأخروا دقيقة عن نشره؛ لتضليل الرأي العام.
كواليس توقيت البيان
لقد جاء نشرُ هذا البيانِ في هذا التوقيتِ، بعدَ أنِ استشعر الجهازُ الأمني مدى الإختراقِ الواسعِ داخل التنظيم، وكِثْرة الجواسيس؛ حتى الصفوفِ الأولى لقيادةِ التنظيمِ، لذلكَ وأكثرَ اضطُرَ التنظيمُ اضطرارًا لإخراجِ هكذا بيانٍ في محاولة للترهيب، والتخويف ليس إلَّا، فخلال الأشهرِ والأعوام الماضية اسْتُهدف أبرزُ خبراء، وقياداتِالتنظيم.
والجهازُ الأمنيُّ لتنظيمِ القاعدةِ تحديدًا مليءٌ بـ”الجواسيس” بحسبِ جهادي، نقلًا عن القيادي (حسان الحضرمي) قبل استهدافِه بأسابيع.
وسبق للتنظيمِ في الأشهرِ الماضيةَ أن نشر تهديدًا، ووعيدًا للجواسيس، ببياناتٍ رسمية، ومنشورات أُُخرى غير رسمية، موجهةً خاصةً للجواسيس داخل التنظيم، ويبدو أن الوسواس القهري الذي أُصيِب به التنظيم في عهد الريمي عاد مجددًا؛ بعد سلسلة من الإستهدافات الدقيقة لقيادات، وخبراء التنظيم في مأرب؛ بينهم حسان الحضرمي، وعقمان النجدي، وحمد التميمي، وآخرين.
يكشف عنصر في تنظيم القاعدة لـ”أخبار الآن” كواليس هذا البيان الأخير للجهاز الأمني الذي يعترف فيه بإعدام عددٍ ممن نسب إليهم تهمة التجسس، قائلًا: إن التنظيم يعاني اليوم من أزمة الجواسيس مجددًا، فقد سقط أبرز قيادات وخبراء التنظيم خلال الأشهر الماضية، وتوغل الجواسيس في التنظيم، واهتزت الثقة بين القيادات والجنود، مما دفع قيادة التنظيم لإصدار هكذا بيان، ليس إلا تهديدًا وتخويفًا للجواسيس.
وأضاف قائلًا: لماذا التنظيم لم يعترف أيضًا ويصرح بإعدام بقية من نسب إليهم تهمة الجاسوسة من قيادات التنظيم كـ”فياض الحضرمي” و “أبي مريم الأزدي” وغيرهم، هل يخاف التنظيم من فتح إحدى أكبر وأخطر مشاكلهِ الداخلية؟!
وتابع، قائلًا، إن قيام قيادة التنظيم بإصدار هكذا بيان ما هو إلا عجز وضعفٌ أمام أزمة الجواسيس، و باعتقادي أن مشكلة الجواسيس داخل التنظيم ستتفاقم لما هو أكبر من ذلك.
أزمة الجواسيس، وهوس الجاسوسية
تتفاقم أزمة الجواسيس يومًا بعد يوم داخل تنظيم القاعدة، تؤكد مصادر جهادية لـ”أخبار الآن” أن مجلس شورى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يحذر من العودة لأزمة الجواسيس التي تسببت لاحقًا بأكبر انشقاق داخل التنظيم بقيادة المكنى بـ”أبي عمر النهدي” على إثر إعدام قيادات في التنظيم بتهمة الجاسوسية، وعلى رأسهم الأزدي وفياض.
المتابع للإعلام الرديف التابع للجنة الإعلامية لتنظيم القاعدة يجد أنه ركز مؤخرًا على مواضيع تتعلق بـ(الجاسوسية) و (الجواسيس)، إلى جانب الإعلام الرسمي الذي كثف من البيانات والإصدارات التي تخص أزمة الجاسوسية.
فهل يعيد إبراهيم البنا أزمة الجاسوسية مجددًا؟ وهل يسير العولقي على خُطى باطرفي في تجميد ملف الجاسوسية-تهربًا وتأجيلًا-؟ حتى أصبح التنظيم مليئًا بالجواسيس كما يبدو ذلك واضحًا من خلال الإستهدافات الأخيرة، إلى أين يذهب التنظيم بأزمة الجواسيس؟
الخلاصة
في ظل استهداف قيادات، وخبراء تنظيم القاعدة في اليمن واحدًا بعد واحد؛ تعود أزمة الجاسوسية مجددًا داخل التنظيم، ما دفع قيادة التنظيم والجهاز الأمني تحديدًا لإصدار بيانات بين الفينة، والأخرى للتهديد، والوعيد بشكل مباشر، وغير مباشر، تارة عن طريق الإعلام الرسمي، وتارة عن طريق الإعلام المناصر والرديف.
وإصدار قيادة التنظيم لهكذا بيانات فيها التبني لإعدام عدد ممن نُسب إليهم تهمة الجاسوسية؛ مما يؤكد فشل التنظيم في معالجة أزمة الجواسيس، في ظل تزايد استهداف قيادات وخبراء التنظيم.
تلاعب الجهاز الأمني بتنظيم القاعدة بشأن اختطاف، ومصير الصحفي محمد المقري ما هو إلا تأكيدٌ على براءة المقري من التُهم المنسوبة له، كما صرحت بذلك الدكتور أبها زوجة الصحفي، وكما علقت لو كان لدى التنظيم دليلًا واحدًا لما تأخر في نشره لتضليل الرأي العام وقتها، ولكن عجزوا عن ذلك.