Advertisement
وتعزّزت هذه الاحتمالات أيضًا بعد المقابلة التلفزيونية الأخيرة للأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم. فعلى رغم تمسّكه بسياسة "الصبر" في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية التي لا تتوقف، إلا أنّه ترك انطباعًا بأنّها مجرّد "تكتيك مؤقت"، لا يتناقض مع الثوابت، مع تأكيده أن العمل المقاوم لا يمكن أن ينعدم، بل ألمح إلى أنّ الهدف من هذه الاستراتيجية، إثبات عدم قدرة الدولة على تحرير الأرض بالدبلوماسية، ما يكرّس شرعية المقاومة بصورة أو بأخرى.
إلا أنّ هذه الانطباعات تغيّرت في الساعات الأخيرة، واستُبدِلت احتمالات "التصعيد" بـ"انفراجة" بدت مفاجئة، خصوصًا مع إعلان إسرائيل عمّا سُمّيت بـ"بادرة حسن نيّة" إزاء الرئيس اللبناني جوزاف عون، استهلّتها بالإفراج عن خمسة أسرى كان قد احتجزهم في الآونة الأخيرة، وذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة، تمهيدًا لبدء مفاوضات لحل النزاعات المتعلقة بالحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، فما الذي يعنيه كلّ ذلك؟!
"ضغط أميركي" على الخط
كثيرة هي "الفرضيات" التي تُطرَح حول خلفيات "الانفراجة" التي طرأت على خطّ الملف اللبناني الإسرائيلي في الساعات الحقيقية، أو ما سمّاه المسؤولون الإسرائيليون بـ"بادرة حسن النيّة"، ولا سيما أنّ هذه البادرة جاءت متزامنة مع المزيد من الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، ما أوحى لكثيرين بـ"انفصام" في مكانٍ ما، إذ كيف يمكن لبادرة حسن نيّة أن تستقيم، إذا لم تترافق مع تهدئة حقيقية، أقلّه باحترام الاتفاق المُبرَم قبل أشهر.
لعلّ أكثر هذه الفرضيات ترجيحًا تبقى أن تكون الولايات المتحدة مارست "ضغوطًا جدّية" على إسرائيل، من أجل المضيّ قدمًا بالاتفاق، خصوصًا في ضوء الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس دونالد ترامب، لإنهاء كلّ أشكال الحروب في المنطقة، وفي العالم، من أجل التفرّغ لخططها، علمًا أنّ هذه الجهود لعبت دورًا مثلاً في تفادي عودة الاقتتال في غزة مثلاً، أقلّه حتى الآن، على الرغم من الانتكاسة التي تعرّض لها اتفاق الهدنة في أكثر من محطة.
ويقول العارفون إنّ "كلمة السرّ" في كلّ ذلك، تبقى في الحديث عن مفاوضات لترسيم الحدود البرية، وبالتالي لحلّ المسائل العالقة على هذا الصعيد، وهو ما قد يكون هدفًا حقيقيًا لإدارة ترامب في هذه المرحلة، من أجل تسطير إنجاز على هذا الخط، خصوصًا على مستوى حسم ما يُعرَف بالنقاط الـ13 العالقة على طول الخط الأزرق، والتي لطالما شكّلت مصدر توتر، منذ وُضع بعيد تحرير الأراضي المحتلة في جنوب لبنان عام 2000.
سيناريوهات "مفتوحة"
لكنّ العارفين يشدّدون على أنّ "الانفراجة" التي تحقّقت لا تعني أنّ الأمور قد انتهت عمليًا، وأنّ المسار الدبلوماسي قد حُسِم على حساب الخيارات العسكرية، علمًا أنّ تل أبيب وصفتها بـ"بادرة حسن النية" إزاء الرئيس اللبناني جوزاف عون، ولعلّ هذه الإشارة تحمل بين طيّاتها "رمزية" لا بدّ من قراءة أبعادها، خصوصًا في ظلّ الإيحاء الغربيّ خصوصًا بأنّ "العهد الجديد" يحمل ملامح "المواجهة" مع مشروع "حزب الله"، بصورة أو بأخرى.
ويلفت هؤلاء إلى أنّ السيناريوهات تبقى بالتالي "مفتوحة" على كلّ الاحتمالات، إذ إنّ إسرائيل تريد القول إنّها "تبادر" إزاء لبنان، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، سواء بالإفراج عن دفعة أولى وغير كاملة من الأسرى، أو بالانفتاح على مفاوضات ترسيم الحدود البرية مع الجانب اللبناني، ولكنّها تترك أوراقها بيدها، وعلى الطاولة، تمامًا كما تفعل في غزة مثلاً، حيث تلوّح بالعودة إلى الحرب، إذا ما شعرت بأيّ مماطلة أو تسويف في مسار المفاوضات.
ولعلّ "تعمّد" إسرائيل الموازاة بين "بادرة حسن النيّة" هذه، وعملياتها العسكرية التي كثّفتها في الساعات الماضية، حيث عمدت إلى مواصلة سياسة الاستهدافات والاغتيالات الموجّهة ضدّ "حزب الله"، وكأنّها تقول إنّ الذهاب إلى المفاوضات، لا يعني أنّها في وارد التخلّي عن "حرية الحركة" التي كرّستها لنفسها منذ انتهاء الحرب، أو كأنّها ربما تستعيد مرّة أخرى سردّية "التفاوض تحت النار"، ولو خارج إطار الحرب التقليدية.
هو "سباق متجدّد" بين خياري الديبلوماسية والعسكر على ما يقول كثيرون، فإذا كان "حزب الله" لوّح قبل يومين بالعودة إلى "العمل المقاوم" في اللحظة المناسبة وفق قول أمينه العام، وإن كانت مؤجَّلة إلى إشعار آخر، فإنّ إسرائيل تقول إنّها "منفتحة" على التفاوض مع الإدارة الرسمية الجديدة في لبنان، الخارجة من عباءة "حزب الله"، من أجل فتح صفحة جديدة تُحَل معها النقاط الإشكاليّة، صفحة يبدو أنّها ستحافظ على غموضها حتى إثبات العكس..