Advertisement
وسأل السائلون، : هل يمكن أن يتكّرر السيناريو ذاته في عهد الرئيس جوزاف عون في حال رُفض العرض، الذي يطالب لبنان برفع مستوى تعاطيه مع الوضع المستجد في المنطقة، بحيث يرتقي اتفاق الهدنة، بنسختيه القديمة والجديدة، إلى ما يشبه التطبيع مع إسرائيل في مرحلة لاحقة ومتقدمة وفق ما هو معدّ في مطابخ عواصم القرار؟
المعلومات المتوافرة حتى الساعة تشير بكل وضوح إلى أن لبنان الرسمي يرفض حتى مجرد الحديث معه بهذا المنطق الخارج عن السياق الطبيعي باعتبار أن إسرائيل لا تزال تشكّل بالنسبة إلى جميع اللبنانيين، وإن بنسب متفاوتة، العدو الأوحد، الذي لديه مطامع كثيرة بلبنان. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن لبنان يرفض من حيث المبدأ أي اتفاق لترسيم حدوده البرية مع إسرائيل على غرار الاتفاق البحري، شرط ألاّ تأتي النتائج البرّية كنتائج الترسيم البحري.
وانطلاقًا من قناعة مشتركة لدى اللبنانيين، وإن بنسب متفاوتة أيضًا، بأن لا مفرّ من تطبيق القرار 1701 كاملًا وبكل مندرجاته وبنوده. فإمّا أن يُطبّق هذا القرار بالكامل من قِبل تل أبيب، التي لا تزال تحتل أكثر من خمسة مواقع لبنانية، ومن قِبل "حزب الله"، الذي لا يزال يصرّ على أن إسرائيل لا تفهم إلاّ بمنطق القوة، ولذلك فهو لن يتنازل عن سلاحه ولن يسّلمه لأي جهة، لبنانية كانت أو غير لبنانية، لأنه لا يزال يؤمن بأن سلاحه هو لحماية لبنان من الأذى، الذي يأتيه من خارج الحدود، جنوبية كانت أو شمالية وشرقية.
وبعكس ما هو متوقع فإن ما يقوله الرئيس عون في المناسبات العامة وفي خلال استقبالاته الرسمية في القصر الجمهوري يعكس قناعة لبنانية صرفة بضرورة إخراج لبنان من عنق زجاجة الأزمات الناتجة بمعظمها من التأثيرات الخارجية على الداخل من أي جهة أتت، خصوصًا تلك التي تسعى إلى تحويل الساحة اللبنانية إلى منصّة لتوجيه الرسائل غير المشّفرة في كل اتجاه، مع الإشارة إلى أن اللهجة التي خاطب بها رئيس الجمهورية الوفد الإيراني، الذي شارك في مأتم وداع الأمينين العامين السابقين لـ "حزب الله" السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، لم يعتد اللبنانيون، ومعهم الموفدون الأجانب، على سماعها من قبل. وهي لهجة حاول الرئيس عون من خلالها وضع النقاط على حروف التدّخلات الخارجية أيًّا يكن مصدرها، خصوصًا تلك التي لا تأخذ في الاعتبار مصلحة لبنان قبل أي مصلحة أخرى، فقال كلامًا لا لبس فيه ولا غموض، وهو لم يعجب كثيرين عندما واجههم بحقيقة أن لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه.
وفي الكلام الرئاسي أكثر من رسالة إلى الخارج كما إلى الداخل. ومختصر هذه الرسائل تشدّد على التزام لبنان بتطبيق كامل القرارات الدولية، التي تحفظ سيادة لبنان، وتحول بالتالي دون تعريضه لحروب غير متكافئة، وهو لا ناقة له فيها ولا جمل. وهذا يعني بـ "العربي المشبرح" رفض معادلة "وحدة الساحات"، إذ أن لكل ساحة من ساحات المحور الإيراني مشاكله وهمومه، وبالتالي رفض العودة إلى معادلة "جيش وشعب ومقاومة" التي "أصبحت وراءنا"، على حدّ تعبير رئيس الحكومة نواف سلام. فماذا سيحصل إن لم تُرفع اليد الخارجية عن لبنان؟
سؤال من الصعب الاجابة عنه، خصوصًا أن التجارب السابقة لا تشجّع كثيرًا على مسايرة المتفائلين بغد أفضل.