أول عيد من دون الأحبة"، بهذه الكلمات عبّر أحد أبناء بلدة حولا الجنوبية عن مشاعره مع قدوم أول عيد فطر من دون أقاربه وأصدقائه الذين استشهدوا، والأسرى الذين لا يزالون في الأراضي الإسرائيلية. هذا العيد، بكل أسى، لا يشبه أي عيد مرّ من قبل، فالأوقات التي تلت الحرب لا تشبه تلك التي سبقتها. في قلب كل فرد من أبناء هذه المنطقة، يختلط الألم بالذكريات. فماذا يقول أبناء البلدات الجنوبية الحدودية عن أول عيد فطر بعد الحرب؟ فاطمة مصطفى، ابنة بلدة حولا، التي استشهد ثلاثة من أفراد عائلتها في الأحداث الأخيرة، تحدثت لـ "لبنان 24"، قائلة: "جو رمضان هذا العام يحمل في طياته حرقة وألمًا وفقدانًا، خاصة في بلدتنا التي كنا نعيش فيها هذه الأيام المباركة بكل فرح."
Advertisement

وأضافت: "في السنوات الماضية، كنا في مثل هذا الوقت نتحضر للعيد بتزيين المنازل وشراء الملابس والألعاب للأطفال، وكانت تجمعاتنا العائلية تملأ الأجواء بالبهجة. أما الآن، فإن رمضان يمر وكأنه مجرد أيام عابرة، دون أي انتظار حقيقي للعيد."
وتابعت فاطمة حديثها بصوت مؤثر: "ما أتطلع إليه فعلاً في هذا العيد هو العودة إلى بلدتنا لقضائه فيها بعد أن حُرمت من ذلك لمدة عامين، لكن العودة ستكون صعبة للغاية من دون شهدائنا الثلاثة. الإحساس بعدم الأمان يطغى على كل شيء، خاصة وسط القصف المستمر على البلدات الجنوبيّة. بيتي مدمر، وكذلك منزل جدي الذي كنا نلتقي فيه مع العائلة، والجامع الذي كنا نصلي فيه تعرض أيضًا للتدمير."
ورغم كل هذه التحديات، أضافت فاطمة: "إرادتنا أقوى من كل ما يحدث، ونحن نحاول قدر المستطاع أن نزرع الأجواء الإيجابية والفرح في قلوبنا، رغم كل الظروف الصعبة التي نعيشها".

ومن بلدة حولا الجنوبية إلى صور، تحدثت فتون سرور لـ "لبنان 24" عن أجواء العيد، حيث قالت: "حركة العيد خجولة جدًا. وعندما تجولت اليوم في المنطقة، لاحظت حركة خفيفة للغاية، والأسواق لدينا بدأت تفتح منذ عدة أيام فقط."
وتابعت: "الناس هنا يتعاطفون مع بعضهم البعض، فلا يمكن أن نحتفل بالعيد في وقت يعاني فيه من حولنا. فمثلاً، جارتي كان حفيدها مفقودًا منذ فترة، وقد عثروا عليه منذ أيام قليلة شهيدًا."
وأضافت: "جوّ العيد والطابع العام حزين، لكن ما يميزنا نحن أهل الجنوب هو أنه رغم كل ما مررنا به، لا يزال الناس يبحثون عن الفرح، ويسعون جاهدين لإعادة الأمل."

أما هيام، ابنة بلدة الحلانية في بعلبك، فشرحت لـ "لبنان 24" معاناتهم بعد الحرب، حيث أكدت أنّ "الأوضاع صعبة للغاية، وقد حلّ شهر رمضان علينا هذا العام بحزن. لا يمكننا الاحتفال بالعيد، فكل بيت حولنا فيه شهيد أو شهيدين، وجيراننا وأصدقاء أولادي فقدوا أعزّاءهم."
وأضافت بصوت مثقل بالحزن: "نفوسنا متعبة جدًا، وما زلنا نعيش في أجواء الحرب، ولم نشعر حتى الآن بأي استقرار أو أمان في بلداتنا. الوضع محبط، وكل شيء حولنا يذكرنا بالدمار."

وأشارت إلى التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه الجميع، قائلة: "الوضع الاقتصادي صعب جدًا على الكل، فزوجي عسكري متقاعد، والأسعار ارتفعت بشكل غير معقول، وأصبح تأمين الحاجات الأساسية هو التحدي الأكبر."
وتذكرت الأيام الجميلة التي مضت، حيث أوضحت: "قبل الحرب، كان هناك هدوء وسكينة في البلدة. كنا نلتقي مع نساء الضيعة على السحور، نعدّ "كعك العيد" سويًا، ونقضي الليل في السهر والفرح. أما اليوم، فقد غابت تلك الأجواء، ولم يعد هناك مكان للفرح. حتى تجهيز الثياب والألعاب للأطفال والزينة، كل هذه التفاصيل التي كانت تملأ بيوتنا بالبهجة، أصبحت الآن مجرد ذكريات نتمنى عودتها." حال النساء الثلاثة يعكس واقعًا مريرًا يعايشه تقريبًا جميع أبناء الجنوب وبعلبك والبلدات التي فقدت أحبائها هذا العام. فمع قدوم العيد، تظلّ جراح الفقدان ماثلة في قلوب الجميع، ويحلّ الحزن محلّ الفرح الذي كان يميز هذه المناسبة في السنوات الماضية. فبأي حال عدت، يا عيد؟