"عيدٌ بأيّة حالة عدتَ يا عيد".. صحيحٌ أنّ هذا البيت الذي لم يكن مطلقه، الشاعر أبو الطيب المتنبّي، يدرك أنّه سيتحوّل إلى مقولة "ملازمة" للأعياد في منطقتنا، ينطبق على واقع عيد الفطر، كما انطبق قبله على الكثير من الأعياد، التي جاءت "كئيبة"، في ظلّ الظروف المأسوية ، وهو جاء هذا العام أيضًا، فيما غزة تحت النار، بعد هدنة "هشّة" لم تصمد طويلاً، ولبنان أيضًا تحت التهديد، وقد مرّ يوم الجمعة بقطوع، كاد يعيد "شبح" الحرب إلى الذروة.
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ العيد، الذي لم ينجح في استعادة "بهجة" لطالما رافقته، حتى في عيون الأطفال التي بدت كئيبة في الكثير من الأماكن، كرّس في المقابل، نوعًا من الصمود، على وقع نافذة الأمل التي يفتحها في كلّ مرّة، وقد تجلّت في الساعات الماضية، بـ"استراحة المحارب"، إن صحّ التعبير، في السياسة كما الميدان، حيث عادت الكثير من القرى الجنوبية لتعجّ بالناس، حتى لو بقيت مسافة الأمان فيها "مفقودة" إلى حدّ بعيد.
لعلّ هذا "الأمل" أيضًا هو ما أفرزته الزيارة المفاجئة وغير المعلَنة لرئيس الحكومة نواف سلام إلى السعودية، حيث أدّى صلاة العيد جنبًا إلى جنب مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يبدو أنّه أراد أن "يعايد" اللبنانيين على طريقته، ويستكمل ما كان قد بدأه حين استقبل رئيس الجمهورية جوزاف عون في الرياض قبل فترة، فأيّ رسائل توجّهها السعودية إلى لبنان، من خلال "احتضان" رئيس حكومته اليوم، وكيف تُفهَم في السياسة؟!
صفحة جديدة مع لبنان..
صحيح أنّ زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى السعودية لم تكن "مبرمجة" قبل أيام قليلة، ولعلّه فوجئ بها كما تفاجأ الرأي العام بالتسريبات بشأنها مساء السبت، بعد الإعلان عن ثبوت هلال عيد الفطر في معظم الدول العربية والإسلامية، وصحيح أنّها لم تدم سوى ساعات قليلة، وكانت "شخصية" أكثر من كونها "زيارة عمل"، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ هذه الزيارة حملت بين طيّاتها الكثير من الرسائل "الإيجابية" من الرياض باتجاه لبنان ككلّ.
يمكن قراءة هذه الرسائل "الإيجابية" بمجموعة من المؤشّرات التي أحاطت بالزيارة، أو خرجت عنها، سواء في الشكل أو المضمون، بدءًا من حفاوة الاستقبال التي حظي بها رئيس الحكومة، وهو الذي توجّه فجر الأحد إلى مكة المكرمة على متن طائرة ملكية خاصة، ليؤدي صلاة العيد جنبًا إلى جنب الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يستضيفه على مائدة فطور، ثمّ يعقد معه اجتماعًا مغلقًا جرى خلاله البحث في مختلف الملفات ذات الاهتمام المشترك.
ومن الشكل إلى المضمون، تبرز المواقف التي أطلِقت خلال "زيارة الساعات المعدودة"، حيث كان لافتًا تأكيد وليّ العهد السعودي أن المملكة تقف دائمًا إلى جانب لبنان، وهي حريصة على استعادة ازدهاره في المجالات المختلفة، وذلك من خلال إرساء الأمن والاستقرار، وإجراء الاصلاحات الضرورية، وهي رسائل تعكس بمجملها الاندفاعة السعودية "المستجدّة" تجاه لبنان، بعد مرحلة من التباعد، أو الفتور كما يصفها البعض، خلال السنوات السابقة.
دعم لرئيس الحكومة؟
بهذا المعنى، يُفهَم الاحتضان السعودي لرئيس الحكومة، على أنّه تأكيد على دعم الرياض للدولة اللبنانية، وهو دعمٌ كان قد بدأ في زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى المملكة قبل فترة، وكان متوقَّعًا أن يُستكمَل خلال زيارة "رسمية" يقوم بها سلام إلى المملكة في المرحلة المقبلة، على رأس وفد وزاريّ موسّع، من أجل توقيع العديد من الاتفاقات الثنائية، التي يؤكد العارفون أنها "جاهزة"، ولا تنتظر سوى التواقيع حتى تدخل حيّز التنفيذ.
إلا أنّ الجانب "الشخصي" للزيارة، بعيدًا عن ذلك "الرسمي" المُنتظَر، يفهمه كثيرون أيضًا على أنّه دعم لرئيس الحكومة بشكل خاص، للعديد من الأسباب والاعتبارات، من بينها أنّ الرياض تريد تأكيد "انفتاحها" على الرجل، بعد كلّ ما قيل سابقًا عن رضاها أو عدمه عن وصوله إلى السراي الحكومي، علمًا أنّ الرياض التي يؤكد المقربون منها أنها لم تتدخل في تسميته، تريد أن تقول إنّها إيجابية في التعاون منه، بصفته رئيسًا للحكومة اللبنانية.
لكن، أبعد من هذا المبدأ العام، ثمّة من يربط الاحتضان السعوديّ "النوعيّ" لسلام، بـ"التوتر" الذي وقع الأسبوع الماضي، على خط العلاقة بين سلام ورئيس الجمهورية جوزاف عون، على خلفية تعيين حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، وهو المرشح الذي تحفّظ عليه سلام، ليخسر "المعركة" بالتصويت داخل مجلس الوزراء، وهو ما جعل كثيرين يضعون الزيارة في خانة "رفع معنويات" الرجل، بما يسمح له باستعادة زمام المبادرة.
بمعزل عن كل هذه التفاصيل، تبقى الرسائل السعودية التي انطوت على استقبال رئيس الحكومة في عيد الفطر، لافتة في الشكل والمضمون، فالسعودية تؤكد على "الصفحة الجديدة" التي فتحتها مع لبنان، وإن كانت هذه الصفحة تحتاج إلى "عدّة شغل" من قلب الحكومة، وهو ما سمعه رئيسها في "زيارة الساعات"، عبر الدعوة إلى الاستفادة من الفرص المتوافرة اليوم، فهل يتحقّق ذلك، ويترجم الاحتضان السعودي، دعمًا عمليًا للبنان؟!
Advertisement
لكنّ الصحيح أيضًا أنّ العيد، الذي لم ينجح في استعادة "بهجة" لطالما رافقته، حتى في عيون الأطفال التي بدت كئيبة في الكثير من الأماكن، كرّس في المقابل، نوعًا من الصمود، على وقع نافذة الأمل التي يفتحها في كلّ مرّة، وقد تجلّت في الساعات الماضية، بـ"استراحة المحارب"، إن صحّ التعبير، في السياسة كما الميدان، حيث عادت الكثير من القرى الجنوبية لتعجّ بالناس، حتى لو بقيت مسافة الأمان فيها "مفقودة" إلى حدّ بعيد.
لعلّ هذا "الأمل" أيضًا هو ما أفرزته الزيارة المفاجئة وغير المعلَنة لرئيس الحكومة نواف سلام إلى السعودية، حيث أدّى صلاة العيد جنبًا إلى جنب مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يبدو أنّه أراد أن "يعايد" اللبنانيين على طريقته، ويستكمل ما كان قد بدأه حين استقبل رئيس الجمهورية جوزاف عون في الرياض قبل فترة، فأيّ رسائل توجّهها السعودية إلى لبنان، من خلال "احتضان" رئيس حكومته اليوم، وكيف تُفهَم في السياسة؟!
صفحة جديدة مع لبنان..
صحيح أنّ زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى السعودية لم تكن "مبرمجة" قبل أيام قليلة، ولعلّه فوجئ بها كما تفاجأ الرأي العام بالتسريبات بشأنها مساء السبت، بعد الإعلان عن ثبوت هلال عيد الفطر في معظم الدول العربية والإسلامية، وصحيح أنّها لم تدم سوى ساعات قليلة، وكانت "شخصية" أكثر من كونها "زيارة عمل"، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ هذه الزيارة حملت بين طيّاتها الكثير من الرسائل "الإيجابية" من الرياض باتجاه لبنان ككلّ.
يمكن قراءة هذه الرسائل "الإيجابية" بمجموعة من المؤشّرات التي أحاطت بالزيارة، أو خرجت عنها، سواء في الشكل أو المضمون، بدءًا من حفاوة الاستقبال التي حظي بها رئيس الحكومة، وهو الذي توجّه فجر الأحد إلى مكة المكرمة على متن طائرة ملكية خاصة، ليؤدي صلاة العيد جنبًا إلى جنب الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يستضيفه على مائدة فطور، ثمّ يعقد معه اجتماعًا مغلقًا جرى خلاله البحث في مختلف الملفات ذات الاهتمام المشترك.
ومن الشكل إلى المضمون، تبرز المواقف التي أطلِقت خلال "زيارة الساعات المعدودة"، حيث كان لافتًا تأكيد وليّ العهد السعودي أن المملكة تقف دائمًا إلى جانب لبنان، وهي حريصة على استعادة ازدهاره في المجالات المختلفة، وذلك من خلال إرساء الأمن والاستقرار، وإجراء الاصلاحات الضرورية، وهي رسائل تعكس بمجملها الاندفاعة السعودية "المستجدّة" تجاه لبنان، بعد مرحلة من التباعد، أو الفتور كما يصفها البعض، خلال السنوات السابقة.
دعم لرئيس الحكومة؟
بهذا المعنى، يُفهَم الاحتضان السعودي لرئيس الحكومة، على أنّه تأكيد على دعم الرياض للدولة اللبنانية، وهو دعمٌ كان قد بدأ في زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى المملكة قبل فترة، وكان متوقَّعًا أن يُستكمَل خلال زيارة "رسمية" يقوم بها سلام إلى المملكة في المرحلة المقبلة، على رأس وفد وزاريّ موسّع، من أجل توقيع العديد من الاتفاقات الثنائية، التي يؤكد العارفون أنها "جاهزة"، ولا تنتظر سوى التواقيع حتى تدخل حيّز التنفيذ.
إلا أنّ الجانب "الشخصي" للزيارة، بعيدًا عن ذلك "الرسمي" المُنتظَر، يفهمه كثيرون أيضًا على أنّه دعم لرئيس الحكومة بشكل خاص، للعديد من الأسباب والاعتبارات، من بينها أنّ الرياض تريد تأكيد "انفتاحها" على الرجل، بعد كلّ ما قيل سابقًا عن رضاها أو عدمه عن وصوله إلى السراي الحكومي، علمًا أنّ الرياض التي يؤكد المقربون منها أنها لم تتدخل في تسميته، تريد أن تقول إنّها إيجابية في التعاون منه، بصفته رئيسًا للحكومة اللبنانية.
لكن، أبعد من هذا المبدأ العام، ثمّة من يربط الاحتضان السعوديّ "النوعيّ" لسلام، بـ"التوتر" الذي وقع الأسبوع الماضي، على خط العلاقة بين سلام ورئيس الجمهورية جوزاف عون، على خلفية تعيين حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، وهو المرشح الذي تحفّظ عليه سلام، ليخسر "المعركة" بالتصويت داخل مجلس الوزراء، وهو ما جعل كثيرين يضعون الزيارة في خانة "رفع معنويات" الرجل، بما يسمح له باستعادة زمام المبادرة.
بمعزل عن كل هذه التفاصيل، تبقى الرسائل السعودية التي انطوت على استقبال رئيس الحكومة في عيد الفطر، لافتة في الشكل والمضمون، فالسعودية تؤكد على "الصفحة الجديدة" التي فتحتها مع لبنان، وإن كانت هذه الصفحة تحتاج إلى "عدّة شغل" من قلب الحكومة، وهو ما سمعه رئيسها في "زيارة الساعات"، عبر الدعوة إلى الاستفادة من الفرص المتوافرة اليوم، فهل يتحقّق ذلك، ويترجم الاحتضان السعودي، دعمًا عمليًا للبنان؟!