Advertisement
بالنسبة لإسرائيل، فإن استمرار الهدوء على الجبهة اللبنانية قد يكون مصلحة استراتيجية، خاصة بعد الانجازات الكبيرة التي حققتها وبعد التكلفة الباهظة التي دفعتها خلال المواجهات الأخيرة. فقد أظهرت المعارك أن أي تصعيد واسع مع حزب الله يعني استنزافاً عسكرياً واقتصادياً كبيراً، في وقت تواجه فيه الحكومة الإسرائيلية تحديات داخلية وضغوطاً دولية لعدم توسيع دائرة النزاع. كما أن استقرار الحدود الشمالية يتيح لإسرائيل التركيز على ملفات أخرى، مثل مواجهة التهديدات الإيرانية واليمنية، وإدارة التوترات مع الفلسطينيين تحديدا في الضفة وغزة الاولوية الدائمة. ومع ذلك، فإن تل أبيب لن تتردد في استئناف العمليات العسكرية إذا شعرت بأن "حزب الله" يعزز قدراته أو يغير معادلة الردع القائمة، مما يجعل احتمال الحرب قائماً في أي لحظة.
أما "حزب الله"، فيجد نفسه أمام معادلة دقيقة. فمن جهة، أدت الحرب الأخيرة إلى استنزاف موارده وقدراته وفرضت عليه تحديات عسكرية واقتصادية معقدة، وهو ما يجعله غير راغب في تصعيد واسع في الوقت الحالي. ومن جهة أخرى، فإن استمرار التهديدات الإسرائيلية قد يدفع الحزب إلى خيارات هجومية إذا شعر بأن ميزان الردع قد اختل الى غير رجعة. كما أن التطورات الداخلية في لبنان تلعب دوراً مهماً في حساباته، حيث يسعى الحزب للحفاظ على جزء من نفوذه وسط الأزمة السياسية والاقتصادية المتفاقمة. وبينما قد يرى في التهدئة فرصة لإعادة ترتيب أوراقه، فإن التصعيد يظل خياراً مطروحاً إذا تعرّض لضغوط تهدد موقعه.
في ظل هذه الحسابات المتشابكة، فإن مستقبل لبنان يظل رهينة توازنات معقدة، حيث لا تبدو الحرب حتمية، لكنها أيضاً ليست مستبعدة. فوقف إطلاق النار قد يمنح البلاد هدنة مؤقتة، لكنه لا يعالج جذور الصراع العميقة. وإذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات حقيقية تضمن الاستقرار على المدى الطويل، فإن شبح الحرب سيبقى قائماً، وقد تعود المواجهات في أي لحظة وفقاً لحسابات الأطراف الفاعلة داخل لبنان وخارجه. كما ان عودة الغارات الاسرائيلية على الصاحية الجنوبية للمرة الثانية في اقل من اسبوع مؤشر ان الوضع قابل للاهتزاز عند اي منعطف.