نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشرق الأوسط، المنطقة الملعونة, اليوم السبت 14 يونيو 2025 10:44 مساءً
تقع منطقة الشرق الأوسط عند تقاطع ثلاث قارات: آسيا، أفريقيا، وأوروبا، وتحتضن عددا من أقدم الحضارات في العالم مثل حضارة ما بين النهرين، مصر القديمة، وفينيقيا. هذا الموقع الاستراتيجي، إلى جانب وفرة الموارد الطبيعية، وأبرزها النفط والغاز، جعل المنطقة مطمعا للقوى العالمية منذ العصور القديمة وحتى الاستعمار الحديث والمعاصر.
لكن هذه الوفرة لم تكن سببا في الازدهار فحسب، بل كانت دافعا للغزو والنهب والهيمنة. من الفرس إلى الإغريق، ومن الرومان إلى العثمانيين، ثم القوى الأوروبية الحديثة، تتابعت موجات السيطرة على المنطقة، مما خلق واقعا دائم التغير من التبعية والانقسام.
الشرق الأوسط هو مهد الديانات الإبراهيمية الثلاث: اليهودية، المسيحية، والإسلام. بينما كان من المفترض أن تكون الرسالات السماوية منبعا للسلام والوحدة، تحولت، نتيجة السياسة والتأويلات البشرية، إلى مصدر توتر دائم.
الاختلافات العقائدية بين الطوائف، مثل السنة والشيعة، واليهود الأرثوذكس والعلمانيين، والمسيحيين بمذاهبهم المتعددة، غذت صراعات أهلية وداخلية متكررة. كما أن التداخل بين الدين والسياسة، خاصة في ظل غياب نظم علمانية مستقرة، جعل من الدين أداة للشرعنة والتعبئة السياسية، لا وسيلة للتقارب والتسامح.
الحقبة الاستعمارية، وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى، تركت جراحا عميقة في الشرق الأوسط. اتفاقية سايكس - بيكو (1916) قسمت المنطقة بين فرنسا وبريطانيا وفقا لمصالحها، دون مراعاة للهويات الثقافية أو القبلية أو الدينية. هذا التقسيم أدى إلى خلق دول قومية حديثة بحدود مصطنعة، ضمت في داخلها جماعات متناحرة، أو فصلت بين شعوب موحدة.
الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي بدأ بوعد بلفور (1917) وبلغ ذروته بقيام دولة إسرائيل عام 1948، يُعد المثال الأبرز على كيفية تدخل القوى الاستعمارية في صناعة نزاع طويل الأمد. وما تزال القضية الفلسطينية عنوانا للظلم والاحتلال في نظر كثيرين، وسببا دائما للتوتر في الإقليم.
منذ منتصف القرن العشرين، شهدت معظم دول الشرق الأوسط انقلابات عسكرية أو نظما شمولية حكمت شعوبها بالحديد والنار. غابت الديمقراطية، وازدادت الفجوة بين الحاكم والمحكوم. الأنظمة استثمرت في القمع، لا في التنمية، وخلقت أجهزة أمنية تفوقت على المؤسسات المنتخبة، مما ساهم في تهميش المواطن وزيادة الشعور بالظلم.
هذا التراكم أدى إلى انفجارات داخلية، مثل ما رأيناه في الربيع العربي، حيث انتفضت الشعوب ضد الفساد والاستبداد، لكن الانتفاضات انتهت في كثير من الأحيان إما بحروب أهلية دامية (كما في سوريا واليمن) أو بعودة أنظمة عسكرية أكثر قسوة.
لم تكن شعوب المنطقة وحدها في الميدان. التدخلات الخارجية، سواء من الولايات المتحدة، روسيا، أو إيران وتركيا، ساهمت في تغذية الصراعات، كلٌ حسب مصالحه. فالصراع في سوريا، على سبيل المثال، ليس فقط نزاعا داخليا، بل ساحة حرب بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية.
الشيء نفسه يُقال عن العراق، حيث أدى الغزو الأمريكي في 2003 إلى تفكيك الدولة، وتصاعد الطائفية، وظهور جماعات إرهابية مثل "داعش". التدخلات الأجنبية تزرع عدم الاستقرار، وتطيل أمد النزاعات، لأنها غالبا لا تهدف لحلول عادلة، بل لحماية مصالح آنية.
رغم كل هذا، لا يمكن اعتبار الشرق الأوسط "ملعونا" بالمعنى الحتمي. فالمنطقة ما تزال تملك طاقات بشرية هائلة، وثقافات غنية، وتراثا مشتركا يمكن أن يكون أساسا للتعايش. لكن شرط الحل يبدأ بتفكيك الأسباب الحقيقية للصراع.
السلام في الشرق الأوسط لا يمكن أن يُفرض من الخارج، ولا يمكن أن يقوم على تجاهل المظالم. هو مشروع طويل ومعقد، لكنه ليس مستحيلا. وما دامت الشعوب تتوق إلى الحرية والكرامة، فستبقى هناك فرصة، ولو ضئيلة، لإنهاء هذه اللعنة التاريخية التي أثقلت كاهلها منذ آلاف السنين.