الإعلام الجديد.. موقد الحماقة والطريق إلى جهنم

الإعلام الجديد.. موقد الحماقة والطريق إلى جهنم
الإعلام الجديد.. موقد الحماقة والطريق إلى جهنم

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإعلام الجديد.. موقد الحماقة والطريق إلى جهنم, اليوم الاثنين 23 يونيو 2025 01:45 صباحاً

الإعلام الجديد مستنقع، غرق به الكثير. استوعب الغث والسمين، ومنح المجال للمجنون والأجن. والفتنة قذرة، والوقيعة أقذر. والمزايدات فخ عميق. والأوطان أكبر من الكل. والسخرية معيبة في قاموس العرب.

لم أكن أنوي الكتابة عن هذا الأمر. والحقيقة لا أضمن نشره. ربما لا يعجب رئيس التحرير. ويحجبه وهذا حقه. المهم سأمضي في كتابته. إن نشر خير. وإن لم ينشر، لن تتوقف الحياة. ولا حبر القلم سينضب.

قضيتي اليوم تتمحور حول انتقال ما يسمى بالإعلام الجديد «السوشال ميديا»، من الدور الذي يفترض أن يقوم به، ويرتكز على بناء الارتباط والعلاقة بين الشعوب، وتبادل المعرفة؛ لأداة تسهم في تشكيل رأي المجتمعات لتطويعها؛ وقيادتها بالعواطف والكذب، وتصفية الحسابات، وانتصار فرقة على أخرى، بين أبناء البيت الواحد.

في الثامن من أبريل عام 2016، كتبت في هذه الصحيفة تقريرا عنوانه «السعودية ومصر.. جناحا الأمة القويان». كان ذلك التقرير يحكي عن كيفية أن المملكة وضعت الشعب المصري في موازينها السياسية، وتمكنت عبر عدة مواقف في محافل إقليمية وعالمية، من إثبات حقه الشرعي في اختيار مصيره.

وذا الموقف أسهم بتحقيق اتزان اجتماعي في الشارع المصري، وأنقذ الدولة من فوضى عارمة إلى حد ما، بعد أن اجتاحت موجات التهييج المدعومة من «جماعة الإخوان المسلمين المسنودة من الخارج»، بعضا من أجزاء العالم العربي، وكانت مصر على رأس تلك الدول.

والحقيقة أن رد الفعل السعودي جاء بتوقيته المناسب، عقب تعرض مصر لنوع من الاهتزاز - بعد تخلي الرئيس حسني مبارك رحمه الله عن منصب رئيس الجمهورية - وقتها لم تجد الرياض بدا من الوقوف وراء القاهرة، في السياسة والاقتصاد والنفط وكل شيء. لماذا؟ لأنها تؤمن بأن مصر سند قوي وفعّال، للصوت العربي.

أعتقد أنه يجب استذكار المرحوم، سيد الدبلوماسية، الأمير سعود الفيصل. فقد ساند الرجل بغطاء ملكي كبير، من الملك عبد الله - أحسن الله إليه - ثورة الثلاثين من يونيو 2013. وواجهت الرياض حينها أفكار إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي كانت تتبنى انتشار «الفوضى الخلاقة» في العالم العربي.

بعض العوام فسر الخطوة السعودية تلك أنها تدخل في شأن محلي صرف. وهذا غير منطقي. ما الدليل؟ أنها انحازت للشعب. فرؤية صانع القرار السياسي السعودي، لطالما قدمت الشعوب على الحكومات، التي قد تتبدل بين ليلة وأخرى.

هذا أولا. ثانيا: سياسة المملكة تراعي التعامل مع الدول ككيان سياسي مترابط، وليس مع أشخاص أو أحزاب، وتؤمن بأن الأوطان أكبر من فئة أو جماعة، وأكبر من رئيس يأتي اليوم ويغادر غدا.

استدلالي بمصر ليس خلفه قصد. وحتى تزال الضبابية؛ أستطيع القول إنها كذا فعلت مع السوريين. وقفت إلى صف الشعب ضد المجرم بشار الأسد.

وتحملت تكاليف ضخمة ربما أجهلها أنا وغيري. لكنها كانت - أي الرياض - مؤمنة بانتصار الإنسان. وهذا ما تحقق بالفعل. بقيت الدولة والشعب، وهرب الجبان. ومارست السياسة ذاتها مع لبنان وتونس والسودان وفي اليمن؛ ناصرت الشعب والشرعية بمواجهة ثلة من الجهلة المدمنين.

ورغم الحقيقة الدامغة، فهناك من يحاول طمسها عبر التزييف التاريخي
المتعمد. وذا يعتمد على أن أحد أهم مشاكل الشعوب العربية، انقيادها بالعواطف، والعقل الجمعي، والاستغفال. وهذا النمط الذهني يجب أن يندثر، مقابل انتشار العلم والانفتاح السياسي والاجتماعي.

ودروس الماضي كثر. مثل ماذا؟ كان جمال عبد الناصر يتلاعب بالعرب، بالشعارات. لذا تشكلت حالة سياسية ناصرية تخطت حدود مصر. ونشأت فكرة الوحدة «المختزلة» مع سوريا. صار علم الدولتين واحدا. والإذاعات ووسائل الإعلام، وحتى الجيوش. جاء يوم اختلفوا على القيادة، وسقط المشروع بغمضة عين. بعد عقود، اكتشف الجميع أن عبد الناصر كذب على الأمة.

واستغل صدام حسين عنوان العروبة. وواجه من خلاله حربه مع إيران. بعد أن انتصر عليها بوقفة خليجية، قذف الخليج؛ بصواريخ الخليج. بعيدا عن عدم المروءة، فشلت أحلامه بالاستيلاء على الخرائط.

وكان معمر القذافي يكره أنور السادات. لماذا؟ لأن الأول مجنون، والثاني عاقل. استكبر رجل الخيمة. أطلق على نفسه لقب ملك ملوك أفريقيا. لأنه ربيب الخط السياسي الناصري والصدامي، الذي سعى للتوسع بإطار الوحدة والعروبة، وهذه كذبة كبرى. بنهاية الأمر عثر عليه في حفرة مجردا من كل شيء، حتى قيمته الإنسانية، عياذا بالله.

تلك حقائق تاريخية استدعاؤها في هذا التوقيت والظروف التاريخية التي تمر بها المنطقة، ضرورة وليس ترف. فالتاريخ هو الماضي، وأساس الحاضر، وراسم المستقبل.

والمسؤولية ليست ملقاة على عاتق الحكومات والسياسيين. إنما على الشعوب التي يفترض أن تكون أكثر اتزانا، بناء على الوعي الذي ألغى الجهل والتخلف.
أتصور أن تغذية الكراهية والفرقة التي يمارسها بعض المستفيدين، والباحثين عن العناوين الرنانة، تلغي تحضر الرأي العام العربي، وبالتالي المحصلة: تحويل الجميع إلى قطيع، يجهل أنه من العار الانقياد والانزواء خلف رأي حاقد، يسير وفق منهجية مبنية على الغل، والافتراء.

إن الاستقطاب السياسي والشعبي، والتمترس وراء حسابات الكترونية، لها أجندتها الخاصة، يلغي المسؤولية الفردية، ويخرج المجتمعات في صورة باهتة.
ويحول أفرادها لحطب بموقد الحماقة؛ الذي ينتج مئات ألوف المتناحرين.. في مستنقع الإعلام الجديد.

سيحترقون يوما غير مأسوف عليهم. وإلى جهنم وبئس المصير.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الفرق بين ChatGPT وAlpha Evolve: ثورة جديدة في الذكاء الاصطناعي من Google
التالى اعتصام في طرابلس رفضاً لعرض كوميدي - خليج نيوز