بين الاكتئاب والانتحار: واقع مأساوي يعيشه الطلاب الإيرانيون في مدارسهم
كشف تقرير لصحيفة “إيران إنترناشيونال” وعدة مقابلات مع عدد من الطلاب وأولياء الأمور، عن أن بعض الطلاب الإيرانيين قد فكروا في الانتحار أو أقدموا عليه بالفعل، نتيجة للمعاملة غير اللائقة التي يتعرضون لها في المدارس، بالإضافة إلى الضغوط التي يفرضها الكادر التعليمي بشأن مظهرهم وسلوكهم.
تُبرز هذه الروايات من واقع الحياة الصعوبات الكبيرة التي يواجهها الطلاب في النظام التعليمي الإيراني، حيث يتعرضون لعواقب قاسية بسبب مخالفة القوانين، وخاصة تلك المتعلقة بالزي المدرسي، مما يؤدي إلى مشكلات صحية ونفسية خطيرة في كثير من الأحيان.
وفي ظل غياب الإحصائيات الدقيقة حول حالات الانتحار في إيران، تجدر الإشارة إلى أن البيانات الخاصة بتوزيع حالات الانتحار حسب الفئة العمرية قد تم حذفها من موقع منظمة الطب الشرعي منذ عام 2021.
وأظهرت دراسة أجريت في مارس (آذار) الماضي حول انتحار الطلاب، ونشرتها صحيفة “شرق”، شملت 46 ألف طالب، أن نصفهم يعانون من الاكتئاب، فيما بلغت نسبة من حاولوا الانتحار 18%، بينما فكّر 21% في الانتحار.
يشير الخبراء إلى ضرورة تقديم المساعدة لأي شخص يعبر عن أفكار أو عبارات تشير إلى الاكتئاب أو الرغبة في إنهاء حياته، وذلك من خلال تشجيعه على التحدث مع طبيب متخصص أو شخص موثوق به.
إساءة معاملة الأطفال
تروي فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا عن تعرضها لتصرف عنيف من مديرة مدرستها بسبب مظهرها، حيث قالت: “في فناء المدرسة، صرخت المديرة خلفي قائلة: كيف تجرأتِ على القدوم إلى المدرسة بهذا الشكل؟ هل هذه منطقة فساد؟ لماذا قمت بتلوين شعرك؟ ولماذا قمت بتركيب أظافر؟”.
وتضيف الفتاة أن المديرة دفعَتها بغضب وأمرَتها بالجلوس قائلة: “اجلسي هنا حتى أتصل بوالدك وأحدد مصيرك”.
وأكد والد الفتاة أن المديرة قامت بطردها من المدرسة، وطلبت منها حلق شعرها تمامًا.
أما فتاة أخرى، تبلغ من العمر 16 عامًا من إحدى مدارس سنندج، فقد قالت إن المدير والمشرفة سخرا منها بعد أن قامت بتنظيف حاجبيها بموافقة أهلها، حيث قالا لها: “أين زوجك إذن؟”. وأضافت الفتاة أنها فكرت في الانتحار في نفس اليوم، بعد أن صفعها المدير أمام زميلاتها عندما اعترضت على المعاملة، وقال لها: “إذا كان والداك عاجزين عن تربيتك، فسأتولى ذلك بنفسي”.
نقص الدعم النفسي
وفقًا للوائح الإرشادية للتوجيه والإرشاد في التعليم، يجب توفير ساعة استشارة لكل 12 طالبًا. ومع ذلك، يوجد في إيران حاليًا 13,000 مستشار فقط، بينما تحتاج المدارس إلى 37,000 مستشار إضافي لتلبية احتياجات الصحة النفسية للطلاب.
وأوضح معالج نفسي في طهران أن تكلفة جلسة الاستشارة التي تتراوح بين 200 و300 ألف تومان تُعد مرتفعة بالنسبة للكثير من العائلات، مشيرًا إلى أن البنية التحتية لخدمات الصحة النفسية في إيران غير كافية بسبب النظرة الدينية ونقص التخصص.
تجارب دول أخرى في التعامل مع ظاهرة انتحار الطلاب
في المملكة المتحدة، توجد برامج تعليمية وداعمة تتعلق بالانتحار، حيث يتوجب على المعلمين دعم الطالب وإحالته إلى مختص بالصحة النفسية، مع وضع خطة دعم خاصة تحافظ على السرية إلا إذا كانت حياة الطالب في خطر.
أما في تركيا، فوفقًا لقوانين حماية الصحة النفسية للأطفال، يتم تقديم خدمات الإرشاد النفسي المجانية للطلاب، مع الاتصال بالعائلة أو الجهات المعنية إذا لزم الأمر.
قلق الكادر التعليمي من نقص الموارد والبنية التحتية
عبّر أحد المعلمين في طهران عن استيائه من تجاهل الحكومة لهذه القضية، مشيرًا إلى رفض تنفيذ خطة “سند 2030” التي كانت تهدف إلى تحقيق تعليم مستدام ومساواة في الفرص التعليمية.
وقالت مريم، وهي ناشطة في مجال التعليم، إن المجتمع بحاجة إلى التثقيف بشأن كيفية التعامل مع قضايا الانتحار، لكنها أضافت: “للأسف، يُنظر إلى الانتحار من زاوية دينية فقط في إيران، مما يجعل التعامل معه معقدًا ومليئًا بالأحكام”.
وأشارت التقارير إلى أن نظام “رعاية الطلاب الاجتماعية”، المعروف باسم “نماد”، الذي بدأ في أواخر العقد الماضي، كان يُفترض أن يشمل جميع مدارس إيران بحلول عام 2021، لكنه لم يُنفذ بشكل فعّال حتى الآن.
0 تعليق