هذا الرئيس المكلف لهذا الرئيس المنتخب - خليج نيوز

لبنان 24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
يبدأ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون غدًا استشاراته النيابية الملزمة في القصر الجمهوري، الذي عادت إليه الحركة والحيوية بعد سنتين وشهرين وتسعة أيام من الفراغ والجمود القاتلين. ففي هذه الاستشارات النيابية الملزمة، وهي لزوم ما يلزم، في رأي أكثر من خبير دستوري. ويذهب هؤلاء إلى التذكير بأن دور رئيس الجمهورية لا يمكن حصره في ما يسمّى "صندوقة البريد". فالرئيس الذي جرّده دستور الطائف من صلاحيات أساسية، وإن لم يكن النظام اللبناني رئاسيًا، بل برلماني، لا يمكن مصادرة حقّه في اختيار الشخصية التي يرتاح إليها وإلى أدائها في المرحلة المقبلة والمفصلية لكي تتولى تشكيل حكومة العهد الأولى. فإذا لم يكن الرئيس الذي سيتمّ تكليفه لتشكيل حكومة شبيهًا بأدائه لروحية "خطاب القسم" فإن تكرار تجربة الرئيس السابق ميشال عون ستُعاد، وإن بطرق مختلفة، من حيث عدم التطابق في وجهات النظر بينه وبين رؤساء الحكومات، الذين تولوا مسؤولية السلطة التنفيذية طيلة ست سنوات، ويضاف إلى ذلك الخلافات الموسمية بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أعطى إشارات عكسية منذ اليوم الأول لبدء ولاية "العهد القوي".

Advertisement


الدستور إذًا يلزم رئيس الجمهورية بإصدار نتيجة الاستشارات، التي تنتهي بعد يوم طويل على خلفية الأصداء التي تركها خطاب القسم وما تضمنّه من عناوين لا يمكن تجاهلها عند تسمية الكتل النيابية والنواب الإفراديين الشخصية التي ستسند إليها مهمة وضع اليد على المحراث وعدم الالتفات إلى الوراء، أو على خلفية أغنية السيدة فيروز "سمّى الجيرة وسمّى الحيّ ولولا شويه سمّاني".

وكما أن انتخاب العماد جوزاف عون لم يكن ليتمّ إلا بعدما توافر لهذه العملية الدستورية مناخ عربي ودولي دفع في اتجاه إتمام هذا الاستحقاق، الذي طال انتظاره، كذلك سيكون التكليف. ولو تُرك اللبنانيون لتقرير مصير الاستحقاق الرئاسي لوحدهم ومن دون أي مساعدة من الخارج لبقي الفراغ الرئاسي سنوات طويلة قابعًا على أدراج القصر الجمهوري، ومتربعًا على الكرسي الرئاسي، مع خشية الحريصين على مستقبل لبنان من أن تسري عدوى هذا الفراغ على كل مؤسسات الدولة.

وما لاقاه نواب الأمّة من دفع خارجي أدّى إلى انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية وهذا "الخارج"، تهمّه ربما مصلحة لبنان أكثر من بعض الذين لا يزالون عالقين في شباك الماضي والمأسورين بشعارات وعناوين فضفاضة لم تعد صالحة لزمن التغيير المطلوب كعنوان من عناوين كثيرة تضمّنها خطاب القسم، وهو سيؤدي حتمًا إلى تسمية الرئيس المكّلف.
وكما كان اختيار العماد عون لتولي مسؤولية انقاذ البلد بالتعاون مع رئيس للحكومة الأولى في عهده يرتاح إليه بالمعنى الحصري لكلمة "يرتاح"، أي يمكنه أن يتعاون معه في عملية الإنقاذ، هكذا سيكون الاختيار، الذي سيأتي منسجمًا حتمًا مع هذه التطلعات، مع أن عددًا من الكتل النيابية والنواب المستقلين والتغييريين لن يسمّوا على الأرجح "الرجل المناسب في المكان المناسب"، وذلك لما لخياراتهم من ارتباطات شخصية ليس لها أي علاقة بالمصلحة الوطنية العليا.

فإذا كان هؤلاء النواب يريدون حقيقة إنجاح مهمة الرئيس الإنقاذي فما عليهم غدًا سوى أن يتركوا له حرية الاختيار، لأنه المعني الوحيد بترجمة ما ورد في خطاب القسم على أرض الواقع وألا تبقى هذه العناوين مجرد عناوين وشعارات غير مطّبقة. فإذا تُرك للرئيس عون حرية الاختيار فإنه لن يتردّد في أن يختار سوى الذي كانت نظرته متطابقة مع نظرته يوم كان قائدًا للجيش، ولم يُسجّل بينهما أي توتر في العلاقات، التي كانت قائمة على الاحترام المتبادل، ووفق التراتبية في المسؤوليات. وهذا الأمر تجّلى في أكثر من محطة يوم صُوبت السهام السامة في اتجاه القائد، الذي رفض المساومة، والذي لم يلين أمام حملات "الترغيب والترهيب" فظّل صامدًا في مواقفه مستندًا إلى من وقف إلى جانبه في "حروبه" الداخلية.

وإذا تجاوب النواب مع ما يطمح إليه رئيس الجمهورية وفهموا كما يفهم اللبيب من الإشارة، وتركوا له حرية اختيار من يرتاح إليه على رأس الحكومة العتيدة يكونون منسجمين مع الـ "99 نعم"، ومع قناعاتهم التي كان لمساعدة الخارج التأثير الإيجابي لتظهيرها في صندوقة الاقتراع، ويصبحون مشاركين فعليين في عملية إنهاض لبنان من تحت نير أزماته المتراكمة.    

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق